يوم الخميس الماضي نظمت جماعة الحوثي الانقلابية
في صنعاء عرضاً عسكرياً، لمعدات عسكرية سبق أن استخدمتها خصوصاً في الحرب العابرة
للحدود، وأخص بالذكر هنا الصواريخ والطائرات المسيرة، مستغلة ذكرى سقوط صنعاء التي
تصادف 21 من أيلول/ سبتمبر 2014، لإظهار نيتها لممارسة الاستنزاف المعنوي المفترض
للمملكة العربية
السعودية.
العرض بتنوعاته المدنية والعسكرية والعقائدية،
استفاد لا شك من خبرات الدولة
اليمنية، واستخدم بكل سهولة التركة الموروثة من عهد
صالح وبالأخص التشكيلات العسكرية البشرية واللوجستية، والتي كانت تقدم عروضاً أكثر
كفاءة وتنوعاً في مظاهر القوة العسكرية في فترة حكم الرئيس علي عبد الله صالح.
والقاسم المشترك هو أن هذه التركة كانت تتكئ على الهوية الزيدية والجهوية المشتركة
ذاتها، وقد رأينا كيف سقط هذا الجيش خلال ست ساعات يوم 26 آذار/ مارس 2015، فخرج
عن الجهوزية المفترضة وذهب ليقاتل بأسلوب حرب العصابات.
الخطاب الإعلامي الذي رافق العرض العسكري حمل عبارات غير ودية تجاه المملكة العربية السعودية؛ التي أشير إليها وإلى كل من الإمارات ودول التحالف الأخرى بـ"دول العدوان"، بل إن الكلمة المنفلتة التي ألقاها وزير دفاع الحوثيين حملت تهديداً باستهداف محتمل للسعودية والإمارات، وهو ما لا يتفق مع النتائج الإيجابية التي عاد بها وفد جماعة الحوثي من الرياض في أول زيارة معلنة له إلى العاصمة السعودية
الخطاب الإعلامي الذي رافق
العرض العسكري حمل
عبارات غير ودية تجاه المملكة العربية السعودية؛ التي أشير إليها وإلى كل من
الإمارات ودول التحالف الأخرى بـ"دول العدوان"، بل إن الكلمة المنفلتة
التي ألقاها وزير دفاع
الحوثيين حملت تهديداً باستهداف محتمل للسعودية والإمارات، وهو
ما لا يتفق مع
النتائج الإيجابية التي عاد بها وفد جماعة الحوثي من الرياض في أول زيارة
معلنة له إلى العاصمة السعودية.
دعونا نسلّم أولاً بأن هذا العرض ليس رمزياً، فالأسلحة
التي تم عرضها ربما تكون هي المتاح من المخزون المتبقي الذي تركه صالح أو ذلك الذي
يصل إلى هذه الجماعة عبر سلسلة من عمليات التهريب المعقدة، أو من الشحنات التي
تتغاضى عنها البحرية الغربية، في إطار سياسة هدفت إلى إبقاء معادلة الردع بمستويات
مؤذية للمملكة لحملها على التخفيف من وطأة تدخلها العسكري؛ والحيلولة دون أن تؤدي
الحرب إلى نهاية الوجود السياسي لجماعة الحوثي ومشروعها الإمامي الزيدي.
وهناك ملاحظات جديرة بالاهتمام فيما يتعلق بالعرض
العسكري لجماعة الحوثي، فقد رصدت الكاميرات مجسمات تحاكي الصواريخ، في محاولة لإظهار
أن لدى هذه الجماعة ما يكفي من القدرة على إيذاء الجار السعودي الذي يتمتع باقتصاد
مزدهر ويدخل مرحلة طموحة من التنمية؛ تقوم على جذب المستثمرين والشركات الكبرى ولا
تحتمل أي تهديد عسكري من جانب حلفاء إيران في شمال اليمن.
تدرك السعودية أكثر من غيرها أن بقاء جماعة
الحوثي كمشروع سياسي قابل للحياة في صنعاء هو تهديد مزعج لطموحاتها الإقليمية
والدولية، وإسناد غير مستحق لاستراتيجية طهران في التأثير السلبي أو التحكم بمصير
الدول الواقعة على الضفة الغربية من الخليج العربي، لكنها لم تُظهر ما يكفي من
الإشارات التي تفيد بأنها عازمة على إعادة بناء شراكة ذات مصداقية مع الطيف اليمني
الواسع وقواه السياسية بعيداً عن الفرز الأيديولوجي، والمخاوف التي تعززت بفعل
المؤامرة متعددة الأطراف التي مكنت للقوى الشيعية المسلحة في هذا البحر السني الأعزل
ومنحتها هذه القدرة على سلب إرادة ملايين الحالمين بالديمقراطية والازدهار والسلام.
لقد طغت على مشهد العرض العسكري للحوثيين في
صنعاء المسحة
الطائفية الشيعية الصارخة، مقترنة بمحاولات مستميتة لتعزيز الهالة السياسية
والعقائدية لقائد الجماعة عبد الملك الحوثي، وشقيقه حسين الذي قُتل في حرب صعدة
الأولى عام 2004 وأبيهما الشيعي المتطرف بدر الدين، ومجسمات للقرآن الذي يمتلكون
هم وحدهم فقط الأحقية أو القدرة على تأويله، وهو غير ذلك القرآن الذي أحرقه مسلحو
الجماعة في المساجد وأهالوا عليه التراب، وقتلوا حُفّاظَهُ ودمروا مدارسه وجامعته
الرئيسة في صنعاء جامعة القرآن الكريم.
انعدام الحساسية السعودية لتفاقم الظاهرة الشيعية المتطرفة في شمال اليمن، قد يكون واحداً من أسوأ المداخل التي سيتعاظم من خلالها تأثير جماعة الحوثي المدعومة من إيران، في المجتمع السعودي المنسحب من التزامه العقائدي بتأثير السياسة الجديدة، لأن الحوثيين ومن ورائهم إيران يشعرون بأن لديهم ثأر عقائدي لن يهدأ إلّا بإعادة صياغة الهوية الثقافية والعقائدية للشعب اليمني أولاً، وإعادة تصديرها إلى الداخل السعودي
ولعمري فهذا هو التهديد الحقيقي الذي يواجه
اليمنيين اليوم وهم على موعد لمواجهته في السنوات الخمس المقبلة، سواء بقي الدعم الإشكالي
والمخادع للأشقاء أو استناداً إلى إرادة الشعب وإمكانياته واستقلالية قراره.
قد لا تظهر الرياض في هذه المرحلة حساسية تجاه
هذه المسحة العقائدية الشيعية لاستعراضات الحوثيين وشعاراتهم والمتصلة حركياً
بالحرس الثوري الإيراني، لأن السعودية تكاد تكون قد غادرت عملياً مربع الهوية
العقائدية وتحللت منها، وربما تعمدت سلوكَ طريقٍ تنأى بالسعودية الجديدة عن
الوهابية التي كان لها التأثير العميق في صياغة العلاقة بين البلدين خلال العقود
الماضية، وألقت بظلالها القاتمة على المرحلة الحالية وكانت سبباً في الكارثة والانقسامات
التي يعاني منها اليمنيون.
لكن انعدام الحساسية السعودية لتفاقم الظاهرة
الشيعية المتطرفة في شمال اليمن، قد يكون واحداً من أسوأ المداخل التي سيتعاظم من
خلالها تأثير جماعة الحوثي المدعومة من إيران، في المجتمع السعودي المنسحب من
التزامه العقائدي بتأثير السياسة الجديدة، لأن الحوثيين ومن ورائهم إيران يشعرون بأن
لديهم ثأر عقائدي لن يهدأ إلّا بإعادة صياغة الهوية الثقافية والعقائدية للشعب اليمني
أولاً، وإعادة تصديرها إلى الداخل السعودي، بإمكانيات الدولة التي تقع تحت تصرفهم
والامتدادات العقائدية الزيدية والاثني عشرية في جنوب المملكة وشرقها على وجه
الخصوص.
twitter.com/yaseentamimi68