لم ينلْ يوم الخامس عشر من أيلول/ سبتمبر 1982، يوم
الاحتلال
الإسرائيلي للعاصمة
اللبنانية، بيروت، ما يستحقّه من اهتمام رغم الدلالات الهامة
التي حملها ذلك اليوم.
ففي ذلك اليوم جرى احتلال ثاني عاصمة عربية بعد القدس، لكن الاحتلال
لم يستمر سوى بضعة أيام بسبب
مقاومة باسلة انطلقت من شوارع العاصمةوأحيائها، شاركت
فيها كل القوى الوطنية ومن بقي في بيروت من المقاتلين الفلسطينيين الذين لم يخرجوا
مع قوات الثورة الفلسطينية والجيش العربي السوري والمتطوعين العرب بعد اتفاق أبرمه
المبعوث الأمريكي فيليب حبيب بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة بيغن الصهيونية
بعد شهرين من حرب عظمى شنّها العدو على لبنان مع بداية صيف 1982، حتى بداية الخريف
من العام ذاته.
وفي اليوم الثاني من الاحتلال ارتكب العدو الصهيوني وعملائه في
الداخل واحدة من أكبر مجازر العصر، وهي مجزرة صبرا وشاتيلا، التي أودت بحياة
الآلاف من المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين والمصريين والعرب الذين
كانوا يقيمون في تلك المنطقة الواقعة بين بيروت الغربية والضاحية الجنوبية، تلك
المجزرة كشفت الوجه الحقيقي للصهيونية وعملائها والذي لا نشهد اليوم فصولاً متجددة
منه فحسب، ولا فقط نتعرف إلى حجم التواطؤ الدولي مع مرتكبيها حيث انسحبت القوات
المتعددة الجنسية، وأغلبها إيطالي، من محيط المخيم الذي كان بحمايتها بموجب اتفاق
فيليب حبيب المشؤوم، بل كشفت أيضاً كيف يتعامل العدو الصهيوني وحلفاؤه في المجتمع
الدولي مع الاتفاقات والمعاهدات والوعود.
ومن الدلالات المهمة لاحتلال العاصمة اللبنانية هو أن ذلك الاحتلال أطلق المقاومة اللبنانية، سواء بعنوانها الوطني الذي شاركت فيه كل الأحزاب والقوى الوطنية، أو بعنوانها الإسلامي الذي وصل إلى أوجه مع المقاومة الإسلامية (حزب الله).
بل وكشفت تلك المجزرة، كيف أن المخيمات الفلسطينية سواء في لبنان أم
سوريا، مستهدفة من أجل شطب حق العودة للشعب الفلسطيني الذي يذكّر وجود المخيمات به
بشكل دائم، لذلك كان تدمير مخيم النبطية الذي دمره القصف الصهيوني في أوائل
سبعينيات القرن الماضي، ثم مخيمات ضبية ونهر الباشا وتل الزعتر في أواسط سبعينيات
ذلك القرن، وصولاً إلى مخيم نهر البارد عام 2007، في شمال لبنان، ومخيم اليرموك في
جوار دمشق عام 2012، وصولاً إلى ما نشهده اليوم في مخيم عين الحلوة الذي لا نستطيع
أن نفهم اغتيال اللواء العرموشي ورفاقه وما تلاه من اشتباكات إلاّ في إطار هذا
المشروع، وهو تدمير المخيمات كمقدمة لشطب حق العودة، تماماً كما نقرأ التضييق على
وكالة غوث اللاجئين وتقليل خدماتها.
ومن الدلالات المهمة لاحتلال العاصمة اللبنانية هو أن ذلك الاحتلال
أطلق المقاومة اللبنانية، سواء بعنوانها الوطني الذي شاركت فيه كل الأحزاب والقوى
الوطنية، أو بعنوانها الإسلامي الذي وصل إلى أوجه مع المقاومة الإسلامية (حزب
الله).
ولعل المواجهة الأولى مع محاولات التوغل الصهيوني في بيروت التي جرت
في محور جامعة بيروت العربية في الطريق الجديدة، حيث أوقف المقاومون ذلك التوغل
وقدموا أكثر من شهيد، فيهما عضو الرابطة في تجمع اللجان والرابط الشعبية محمد
الصيداني وعصام اليسير، أوضح تأكيد على دور بيروت الطليعي في مقاومة الاحتلال، وهو
دور جرى التشويش عليه في إطار التشويش على هوية العاصمة التي كانت وما تزال قلعة
للعروبة والكرامة والحرية والمقاومة ومناهضة المشاريع الاستعمارية والانتصار لحركة
التحرر العربي.
إن استعادة ذكرى ملحمة بيروت اليوم في الخامس عشر من أيلول، يوم احتلالها من قوات الاحتلال الصهيوني قبل 41 عاماً، يبقى ضرورياً في زمن الترويج لمنطق الاستسلام ولمشاريع التطبيع التي يفخر الشعب اللبناني أنه بالتعاون مع أشقائه الفلسطينيين والسوريين والعرب قد أسقط واحداً من أخطر مشاريع الاستسلام للعدو وهو اتفاق 17 أيار 1983 بعد أقل من عام على توقيعه
ولقد جاءت عمليات المقاومة التي ملأت شوارع بيروت وأحيائها على يد
المقاومة الوطنية وأبطالها من ناصريين وبعثيين وشيوعيين وقوميين سوريين وإسلاميين،
والتي توجها البطل القومي السوري الاجتماعي خالد علوان في مقهى الويمبي لتؤكّد أن
بيروت هي أول مدينة عربية تطرد الاحتلال من أرضها بفعل المقاومة، بعد أن كانت ثاني
عاصمة عربية يدنسها هذا الاحتلال.
وهكذا يمكن القول إن بيروت، عاصمة الجمهورية اللبنانية، نجحت أن تكون
أيضاً عاصمة المقاومة اللبنانية التي أطلقت معادلة جديدة في الصراع مع العدو،
وتكاملت مقاومتها مع ما رأيناه من بطولات في ساحل الشوف وصيدا وصور والنبطية وبنت
جبيل ومرجعيون وحاصبيا وراشيا والبقاع الغربي والشوف وعاليه وكل المناطق التي
احتلها الصهاينة في حرب 1982، ثم اندحر عنها دون قيد أو شرط.
إن استعادة ذكرى ملحمة بيروت اليوم في الخامس عشر من أيلول، يوم
احتلالها من قوات الاحتلال الصهيوني قبل 41 عاماً، يبقى ضرورياً في زمن الترويج
لمنطق الاستسلام ولمشاريع التطبيع التي يفخر الشعب اللبناني أنه بالتعاون مع
أشقائه الفلسطينيين والسوريين والعرب قد أسقط واحداً من أخطر مشاريع الاستسلام
للعدو وهو اتفاق 17 أيار 1983 بعد أقل من عام على توقيعه، ليشكْل إسقاط ذلك
الاتفاق نموذجاً تقتدى به كل الشعوب التي فرض عليها حكامها التطبيع مع العدو.