أثار قرار البنك المركزي التركي، الخميس، رفع أسعار
الفائدة إلى أعلى مستوى لها منذ 20 عاما بشكل مفاجئ ردود فعل واسعة في الأوساط الاقتصادية التركية وسط تساؤلات حول تداعيات القرار على الأسواق التركية ومعدلات
التضخم.
واعتبر اقتصاديون أتراك قرار الزيادة المفاجئة لسعر الفائدة خطوة إيجابية ضمن الجهود الرسمية الرامية لكبح جماح التضخم والحد من الفوضى في سلوك التسعير في الأسواق.
ورأى آخرون أن القرار ليس كافيا، وأن تحسن الأوضاع المالية والاقتصادية في
تركيا لا يزال يحتاج إلى قرارات إضافية تتعلق بدعم سعر صرف
الليرة واحتواء معدلات التضخم.
وتوقع بنك جيه.بي مورغان أن يستمر البنك المركزي التركي في زيادة أسعار الفائدة، مرجحا أن تصل أسعار الفائدة بنهاية 2023 إلى ما بين 30 و35 بالمئة، بمعدل زيادة تصل إلى 2.5 بالمئة مع كل اجتماع للبنك حتى نهاية العام، بحسب رويترز.
كما رجح البنك استمرار ارتفاع معدلات التضخم في تركيا رغم قرارات البنك المركزي برفع سعر الفائدة، متوقعا أن يصل معدل التضخم في أيار /مايو القادم إلى 70 بالمئة.
والخميس، أعلن البنك المركزي التركي زيادة أسعار الفائدة بمقدار 750 نقطة أساس لتصل إلى مستوى 25 بالمئة مخالفا توقعات أشارت إلى زيادة تتراوح بين 100 و 250 نقطة أساس.
وجاءت الزيادة ضمن مسعى مستمر لرفع أسعار الفائدة تتبعه الحكومة التركية منذ فوز الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان بفترة رئاسية جديدة في أيار /مايو الماضي، وتكليف حافظة جاي أركان بمسؤولية إدارة المركزي التركي.
صعود الليرة والبورصة وانخفاض الذهب
وفي أول رد فعل لزيادة سعر الفائدة قفز سعر صرف الليرة التركية لأعلى مستوى لها في عام، حيث ارتفعت مقابل الدولار بنحو ليرة ونصف الليرة مسجلة 25.71 للدولار الواحد. كما ارتفع مؤشر البورصة التركية بنحو 6 بالمئة خلال تعاملات الخميس.
وفي أسواق الذهب، بتركيا انخفض سعر المعدن النفيس من مستوى 1684 ليرة للغرام الواحد إلى 1554 ليرة، بحسب وسائل إعلام محلية.
كما شهدت تكلفة التأمين على الديون التركية ضد العجز عن السداد لمدة 5 سنوات، انخفاضا إلى أقل من 400 نقطة أساس.
وفي تعليقه على قرار البنك المركزي، قال وزير المالية التركي محمد شيمشك عبر حسابه في "إكس" (تويتر سابقا): نحن مصممون، استقرار الأسعار هو أولويتنا القصوى.
وكان شيمشك، تعهد بمجرد توليه مهامه الرسمية ضمن حكومة أردوغان الجديدة، بمزيد من السياسات التقليدية للاقتصاد التركي بهدف جذب المستثمرين الأجانب الذين فروا منه خلال السنوات الأخيرة.
ورفع مجلس السياسة النقدية في البنك المركزي خلال ولاية جاي أركان أسعار الفائدة إلى 25 بالمئة عبر 3 مراحل امتدت على 3 أشهر، وذلك بعد خفضها إلى 8.5 بالمئة على مدار 18 شهرا ضمن رؤية الرئيس التركي في التقليل من أسعار الفائدة آنذاك.
وفاجأ قرار المركزي التركي الأخير الأسواق، حيث أشارت توقعات 15 اقتصاديا شاركوا في استطلاع أجرته وكالة الأناضول الحكومية، خلص إلى أن المقدار المتوقع للتغيير في سعر الفائدة كان في متوسط 2.5 بالمئة.
ووفقا لنتائج الاستطلاع، تراوحت توقعات سعر الفائدة بين 18.50 بالمئة و20 بالمئة، في حين تراوحت توقعاتهم لسعر الفائدة مع نهاية العام الجاري بين 20 و30 بالمئة. وكان متوسط توقعات الاقتصاديين لسعر الفائدة في نهاية العام 26.50 بالمئة.
اظهار أخبار متعلقة
"خطوة إيجابية"
وقال الخبير المصرفي أحمد أولوهان إن "قرار رفع الفائدة المفاجئ أثر بشكل إيجابي على سعر صرف الليرة التركية على المدى القصير". حيث دفعها إلى الارتفاع أمام الدولار بنحو 1.5 بالمئة خلال الساعات القليلة التي تلت قرار البنك المركزي.
وأشار أولوهان في حديثه مع الأناضول، إلى أن البنك المركزي يخطو "خطوات واسعة في ميدان مكافحة التضخم"، مستبعدا أن ينعكس قرار رفع الفائدة بشكل إيجابي على معدلات التضخم على المدى القريب، مضيفا أن ذلك "سيستغرق وقتا أطول".
وأعلن معهد الإحصاء التركي "TUIK"، بداية شهر آب /أغسطس الجاري ارتفاع معدلات التضخم إلى 47.83 بالمئة، بعد تراجعها لثمانية أشهر لتصل إلى 38.21 في حزيران /يونيو الماضي. ما اعتبر ارتفاعا حاد بعد أسبوع من رفع البنك المركزي توقعاته بأكثر من الضعف لنهاية العام.
في المقابل، أشار مدير مركز البحوث المالية بجامعة بهتشه شهير، إبراهيم أونالميش، إلى أن زيادة أسعار الفائدة التي أقرها البنك المركزي شكلت "خطوة مهمة للغاية لتثبيت توقعات التضخم".
ورأى في حديثه إلى "بلومبيرغ إتش تي" أن رفع أسعار الفائدة مقدار 750 نقطة أساس على خلاف التوقعات التي رجحت أن الزيادة ستكون قرابة 200 نقطة أمر إيجابي من شأنه أن يؤدي إلى انحسار الآثار التضخمية، مشيرا إلى أن "الفترة الأخيرة التي شهدت فيها الأسواق صدمات اقتصادية وزيادة في الضرائب وأسعار الوقود ستجعل فترة التعافي من آثار التضخم تمتد على مدى عام على الأقل".
وكانت الحكومة التركية رفعت الضريبة على البنزين منتصف شهر تموز /يوليو الماضي بهدف سد عجز الميزانية الذي بلغ 263.6 مليار ليرة خلال الأشهر الأولى من العام الجاري، التي شهدت البلاد فيها زلزالا مدمر ضرب 10 ولايات في جنوب البلاد وخلف دمارا واسعا وعشرات الآلاف من القتلى.
اظهار أخبار متعلقة
"انتعاشة مؤقتة"
رجح شينول بابوشجو، نائب المدير العام لبنك زرعات التركي، وعضو المجلس التنفيذي في بنك "الشعب"، إمكانية أن يكون الانخفاض الحاصل في سعر صرف الليرة "مؤقتا" حيث اعتبره ردة فعل طبيعية على رفع أسعار الفائدة بنحو 7.5 بالمئة.
وأشار عبر حسابه على منصة "إكس" إلى أنه "في وقت قصير سيعود السعر إلى مستوياته السابقة ومن المرجح حتى أن يتجاوزها"، محذرا من "الوقوع في براثن المعاملات الاقتصادية التي تتصف بالذعر" على حد تعبيره.
من جهته، عقب الصحفي المهتم بالشؤون الاقتصادية بورهان كاراتاش على كلام بابوشجو بالقول إن "الزيادة في أسعار الفائدة ستستمر في الفترة المقبلة بنسب أقل بهدف خفض سعر الصرف مقابل العملات الأجنبية حتى يتمكن البنك المركزي من تغطية تكاليف انخفاض قيمة الودائع المحمية".
وكانت الحكومة التركي أقرت في أواخر عام 2021 خطة مكلفة لحماية الودائع من تقلبات أسعار الصرف وتشجيع المواطنين على إيداع أموالهم في البنوك دون الخوف من فقدان قيمتها، ما تسبب بتزايد تلك الودائع إلى نحو 3.1 تريليون ليرة تركية.
والأحد، أعلن البنك المركزي تراجعه عن خطة حماية الودائع، وحث البنوك على تحويل الودائع المحمية بالعملة الأجنبية إلى ودائع بالليرة التركية لا تتمتع بالحماية. لاسيما بعد أن دفع المركزي نحو 300 مليار ليرة تركية خلال الشهرين الماضيين إثر تراجع قيمة صرف الليرة، كما قدرت تكاليف الشهر الجاري بمحو 350 مليار ليرة، بحسب وسائل إعلام محلية.
تعديل مسار
قال الاقتصادي التركي أوزغور ديميرتاش، تعليقا على رفع سعر الفائدة: لقد انتهى الشيء المسمى بنموذج الاقتصاد التركي اعتبارا من اليوم.
وذلك في إشارة إلى النهج الاقتصادي الذي اتبعته الحكومة التركية سابقا على مدى نحو 18 شهرا في خفض أسعار الفائدة إلى معدلات غير مسبوقة، قبل أن يعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التراجع عنه لصالح التحول نحو سياسات اقتصادية أكثر تقليدية بما في ذلك رفع أسعار الفائدة.
وقبل فوزه بولاية جديدة، اتبع أردوغان سياسة خفض أسعار الفائدة بشكل تدريجي إلى خانة الآحاد في مواجهة التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة، ما دفعه إلى عزل أكثر من محافظ للبنك المركزي خلال سنوات قليلة في سبيل ذلك. إضافة إلى تأكيده على مساهمة خفض الفائدة بالنمو الاقتصادي عبر تحريك الاستثمار وضخ المال في شرايين الاقتصاد عوضا عن تجمده في البنوك.
لكن تلك السياسة التي اتبعها أردوغان لسنوات لم تكبح جماح تراجع سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار وارتفاع معدلات التضخم التي أدت إلى إقرار زيادات متتالية في الأجور بهدف تقوية القدرة الشرائية المتراجعة لدى المواطن التركي في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة.
وعقب فوزه بالانتخابات الرئاسية الأخيرة، بدأت ملامح تغيرات اقتصادية جوهرية في تركيا بالظهور، خصوصا مع تعيين محمد شيمشك وزيرا للمالية ضمن تشكيلة الحكومة التركية الجديدة، ومنح مسؤولية إدارة البنك المركزي إلى حافظة جاي أركان.
هذان الاسمان شكلا عماد السياسة التركية الاقتصادية الجديدة الرامية إلى التحول عن سياسة أردوغان القديمة والعودة إلى اتباع سياسات أكثر تقليدية تتضمن رفع أسعار الفائدة تدريجيا، مع التعهد بالتخلي عن عشرات اللوائح السابقة لكبح التضخم وتقليل العجز التجاري، ومنح الثقة الكافية للمستثمرين الأجانب للعودة إلى السوق التركية.