قضايا وآراء

صراع الديمقراطية في إفريقيا

حسين عبد العزيز
انقسام إفريقي حول التدخل العسكري في النيجر لإنهاء الانقلاب.. (الأناضول)
انقسام إفريقي حول التدخل العسكري في النيجر لإنهاء الانقلاب.. (الأناضول)
قارة فقيرة، مستوى الأمية فيها عال، مؤسساتها ضعيفة ينخرها فساد مستشري، أنظمتها ذات صبغة عسكرية ضعيفة، أكثر الدول هشاشة في العالم تقع فيها.. ومع ذلك، فقد خطت إفريقيا خطوات مهمة في تدعيم الديمقراطية ومكافحة الانقلابات العسكرية.

لا يركز هذا المقال على تجارب الانتقال الديمقراطية في البلدان الإفريقية، بل يركز على المؤسسات السياسية التي أنشأت ضمن المجال الجغرافي الإفريقي بهدف حل الخلافات الناشئة ورفع مستوى أداء هذا التجمع، بما في ذلك دعم الديمقراطية ومواجهة الانقلابات العسكرية، الظاهرة الأكثر وضوحا في تاريخ القارة الحديث.

الاتحاد الإفريقي

في عام 1963، تبنت الدول الإفريقية ميثاق منظمة الدول الإفريقية وفي المواد الإثنتين والثلاثين، لم تذكر الديمقراطية ولا مرة واحدة.

بعد نحو أربعة عقود، طالب رؤساء أفارقة بتشكيل اتحاد أكثر تكاملا، ليحل الاتحاد الإفريقي محل منظمة الوحدة الإفريقية.

ومع تغير البيئة المعيارية نتيجة إخفاق عقود من التنمية، جاءت الوثيقة الدستورية للاتحاد الإفريقي، الموقع عليها في لومي بـ توغو عام 2000، مليئة بالإشارات إلى الديمقراطية والالتزام بها وبحقوق الإنسان.

حددت الوثيقة أربعة عشر هدفا، منها: تعزيز المبادئ والمؤسسات الديمقراطية والمشاركة الشعبية والحكم الرشيد، رفض أي تغيرات غير دستورية للحكومات، عدم السماح للحكومات التي تصل إلى السلطة بطرق غير دستورية المشاركة في أنشطة الاتحاد.

وعلى الرغم من أن كثيرا من الدول الإفريقية منذ ذلك التاريخ تشهد انقلابات عسكرية وتراجعا في الديمقراطية في بلدان أخرى، إلا أنه لا يجب التقليل من أهمية ميثاق الاتحاد الإفريقي، خصوصا فيما يتعلق بالشق الديمقراطي، لأن الاتحاد الإفريقي كمؤسسة جامعة يستطيع ممارسة تأثير مهم في هذا الاتجاه، بخلاف الجامعة العربية على سبيل المثال، التي تلعب دورا معاكسا من خلال دعم الاستبداد في الدول العربية، وكان آخرها إعادة النظام السوري إلى الجامعة.

وما يلفت الانتباه أن اتحاد المغرب العربي (UMA) يلعب دورا معاديا للتوجه الديمقراطي الإفريقي، فعلى سبيل المثال ركزت الجزائر خلال السنوات الماضية داخل الاتحاد الإفريقي على مسألة الأمن والإرهاب، ولم تول المسألة الديمقراطية أية اهتمام.

بخلاف ذلك، لعبت منظمات إفريقية، (الهيئة الحكومية للتنمية (IGAD)، وهي منظمة تهدف إلى الحفاظ على الأمن والسلام وتعزيز حقوق الإنسان، المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS)، وهي منظمة سياسية واتحاد اقتصادي إقليمي، وتعمل أيضا كقوة لحفظ السلام في المنطقة)، دورا مهما في دعم الديمقراطية ومواجهة الاستبداد.

أمثلة تاريخية

في عام 2003، استهجن الاتحاد الانقلاب العسكري الذي نفذه الجيش ضد رئيس غينيا بيساو، لكن نتيجة ضغط الاتحاد الإفريقي وضغوط دولية، نظمت الحكومة الموالية للجيش الانتخابات، وانسحبت من السلطة خلال عامين.

وفي العام نفسه، نجح الاتحاد في إعادة الأمور إلى نصابها في سان تومي وبرينسيب، عندما جرى انقلاب عسكري، لكن بعد عامين، في عام 2005، لم تسر الأمور كما يرغب الاتحاد الإفريقي في توغو، عندما نصب الجيش بعد وفاة الدكتاتور غناسينغبي أياديما ابنه فور ايسوزيما أياديما رئيسا للبلاد، بخلاف الدستور الذي ينص على تسلم رئيس الجمعية الوطنية رئاسة البلاد بالنيابة إلى حين تنظيم انتخابات خلال ستين يوما.

لم ينجح الاتحاد في ثني فور ايسوزيما أياديما من استعادة الرئاسة في انتخابات سريعة ومخادعة، مما تسبب في اندلاع الفوضى.

في عام 2015، اقتحم الحرس الرئاسي الموالي للرئيس السابق بليز كومباوري اجتماعا لمجلس الوزراء في بوركينا فاسو وخطفوا الرئيس المؤقت ميشال كافاندو ورئيس، ليعطلوا بذلك فترة انتقالية كان من المقرر أن تنتهي بانتخابات خلال أيام.

نتيجة لذلك علق الاتحاد الأفريقي عضوية بوركينا فاسو وفرض عقوبات على قادة الانقلاب العسكري، وأمهل قادة الانقلاب أربعة أيام لإعادة الحكومة المؤقتة وإلا واجهوا حظرا على السفر وتجميدا للأرصدة.

لم يلجأ الاتحاد الإفريقي والمنظمات الإقليمية إلى اعتماد خيار التدخل العسكري إلا فيما ندر، وتشكل حالة النيجر الأخيرة أحد الأمثلة على ذلك، وإن لم يحدث التدخل حتى الآن على الرغم من موافقة مسؤولي الدفاع في دول غرب أفريقيا على خطة للتدخل في النيجر إذا لم يُعد قادة الانقلاب النظام الدستوري.
في عام 2020، أطاح تحالف عسكري في مالي بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا من السلطة، فعلق الاتحاد الإفريقي عضوية مالي، لكنه أعادها بعد أسابيع قليلة إثر الإعلان عن إدارة انتقالية جديدة بقيادة مدنية.

وفي العام التالي عاد الاتحاد الإفريقي وعلق عضوية مالي بسبب قيام الجيش بالقبض على الرئيس المؤقت باه نداو ورئيس الوزراء مختار وان، مما عرقل مسيرة انتقال سياسي عبر انتخابات ديمقراطية.

وفي العام نفسه، أي في 2021، أعلن الاتحاد الإفريقي تعليق عضوية غينيا، ووقف كل أنشطة الاتحاد الأفريقي وهيئات صنع القرار التابعة له فيها، بسبب قيام تنفيذ انقلاب عسكري بقيادة مامادي دومبوي وإلقاء القبض على الرئيس ألفا كوندي، أول رئيس منتخب بشكل ديمقراطي في البلاد منذ عام 2010.

التدخلات العسكرية

لم يلجأ الاتحاد الإفريقي والمنظمات الإقليمية إلى اعتماد خيار التدخل العسكري إلا فيما ندر، وتشكل حالة النيجر الأخيرة أحد الأمثلة على ذلك، وإن لم يحدث التدخل حتى الآن على الرغم من موافقة مسؤولي الدفاع في دول غرب أفريقيا على خطة للتدخل في النيجر إذا لم يُعد قادة الانقلاب النظام الدستوري.

ومن الأمثلة الناجحة ما حدث عام 2017، عندما أرسلت إيكواس سبعة آلاف جندي إلى جامبيا لإجبار الرئيس يحيى جامع على الذهاب إلى المنفى والتنازل عن الرئاسة لأداما بارو الفائز في الانتخابات.

وما حدث في غينيا بيساو عام 1999، عندما أرسلت إيكواس جنودا لمراقبة الحفاظ على اتفاق سلام استولى متمردون في انقلاب عسكري على السلطة.

وفي عام 1998 تدخلت قوة من مجموعة المراقبة التابعة لـ إيكواس في الحرب الأهلية في سيراليون لطرد مجلس عسكري وحلفاء متمردين من العاصمة فريتاون وإعادة الرئيس أحمد تيجان كباح، الذي أطيح به في انقلاب قبل ذلك بعام.

تشير تجارب السنوات الثلاثين السابقة، إلى أن ثمة تحول مهم جرى في القارة الإفريقية على صعيد مؤسساتها الإقليمية باتخاذ الديمقراطية هدفا تسعى إلى تحقيقه في كافة البلدان.

وعلى الرغم من محدودية قدرات الاتحاد الإفريقي من جهة، واستمرار أنظمة سلطوية في الحكم من جهة ثانية، إلا أن الاتحاد الإفريقي راكم خبرات مهمة في هذا الاتجاه، وهو يسعى إلى تنفيذ خطة بعيدة المدى، عندما وقع زعماء القارة وثيقة تناولت رؤيتهم للخمسين عاما القادمة (رؤية أفريقيا 2063)، وتهدف إلى جعل إفريقيا سالمة آمنة، عن طريق إنهاء جميع الحروب والنزاعات الأهلية، والقضاء على ممارسات العنف القائم بسبب العرق أو الجنس أو اللون، ومنع جرائم الإبادة الجماعية.
التعليقات (0)