تستمر
النقاشات والحوارات في الأوساط العربية والإسلامية حول التطورات الجارية على
الصعيد الدولي والإقليمي، وانعكاساتها على دور وموقع
العالم العربي والإسلامي في
المرحلة المقبلة.
ومن
الأسئلة التي تطرح في هذه النقاشات: هل نتجه اليوم إلى عالم متعدد الأقطاب ونهاية
القطبية الأمريكية الأحادية؟ وما هو تأثير الحرب في أوكرانيا على دور
روسيا
والعلاقات بين روسيا والغرب؟ وما هو تأثير التطورات العالمية على القضايا العربية
والإسلامية وخصوصا القضية الفلسطينية؟ وهل يشكّل الاتفاق السعودي- الإيراني على
عودة العلاقات بين البلدين برعاية صينية بداية مرحلة جديدة في المنطقة سواء على
صعيد الدور الصيني في المنطقة والعالم أو على صعيد الدور السعودي، وكذلك بشأن
العلاقات العربية- الإيرانية؟ وهل يمكن أن نستفيد من كل ذلك لتعزيز دورنا في
العالم ونقدم مشروعنا العربي والإسلامي الجديد للنهضة ومواكبة المتغيرات العالمية؟
شكّل التمرد العسكري الذي نفذته قوات فاغنر بقيادة يفغيني بريغوجين على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (رغم نهايتها السريعة والاتفاق بينهما)؛ إشارة مهمة إلى أن العالم لا يزال يعيش مخاضا جديدا لم ينته ولم تتحدد آفاقه ومستقبله في المرحلة المقبلة، وأن كل الاحتمالات لا تزال واردة بشأن مستقبل الحرب في أوكرانيا ومستقبل روسيا ودورها
وقد
شكّل التمرد العسكري الذي نفذته قوات فاغنر بقيادة يفغيني بريغوجين على الرئيس
الروسي فلاديمير بوتين (رغم نهايتها السريعة والاتفاق بينهما)؛ إشارة مهمة إلى أن
العالم لا يزال يعيش مخاضا جديدا لم ينته ولم تتحدد آفاقه ومستقبله في المرحلة
المقبلة، وأن كل الاحتمالات لا تزال واردة بشأن مستقبل الحرب في أوكرانيا ومستقبل
روسيا ودورها.
وخلال
حلقة نقاش علمية أقامها مؤخرا في بيروت مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي وشارك
فيها عدد من الخبراء والمختصين في الشأن الدولي، طُرحت كل هذه الموضوعات على طاولة
النقاش، وكانت أبرز الخلاصات على الشكل التالي:
أولا:
لقد تغير الدور الأمريكي في العالم في السنوات الأخيرة ونحن أمام مرحلة جديدة لهذا
الدور في ظل ما يشهده العالم من تراجع لهذا الدور وبروز قوى دولية وإقليمية جديدة،
ولا سيما منذ الحرب على أفغانستان والعراق وصولا للحرب في أوكرانيا. ويضاف لذلك
التطورات التي تجري في أمريكا من صراعات وانقسامات سياسية ومجتمعية، إضافة للأوضاع
الاقتصادية في العالم والتي تشير لبروز قوى اقتصادية ومالية جديدة مع الدور الأمريكي
في العالم، مما يعني أننا نشهد نهاية القطبية الأمريكية والاتجاه نحو عالم جديد
غير محدد الأفق حتى الآن.
ثانيا:
على صعيد الدور الصيني في العالم، نحن نشهد تغيرات عديدة على الصعيد الفكري
والثقافي والسياسي والاقتصادي في الصين وفي ظل بروز الدور الصيني في العالم، وصولا
لرعاية الصين للاتفاق السعودي الإيراني وتعزيز دور الصين في العالم، مما يجعل
الصين قوة عالمية جديدة وإن كانت السياسة الصينية حذرة وتتقدم ببطء.
ثالثا:
على صعيد الدور الروسي في العالم والحرب في أوكرانيا وتأثيرها على الواقع الدولي
الجديد، فقد شهدنا جملة تطورات في روسيا منذ أكثر من عشر سنوات أكدت خلالها على
تعاظم الدور الروسي ورفض روسيا لمحاصرتها من قبل أمريكا وحلف الناتو، وإن كانت الحرب
في أوكرانيا ستفتح الباب أمام واقع دولي جديد غير معروف اتجاهه حتى الآن، ولكن الأكيد
أن القطبية الأمريكية الواحدة في العالم انتهت. لكن مستقبل الدور الروسي مرتبط
بنهاية الحرب في أوكرانيا، والتطورات التي حصلت في الأيام الأخيرة بعد تمرد قوات
فاغنر تؤكد أن تداعيات تلك الحرب لم تنته، وأننا سنكون أمام تطورات أخرى داخل
روسيا وعلى صعيد نهاية الحرب، وكل ذلك ستكون له تداعيات مهمة على مستقبل العالم.
كل هذه التطورات الدولية والإقليمية ومع بروز قوى أخرى في العالم؛ تؤكد أننا أمام عالم جديد لكنه غير واضح المعالم، وإذا كانت الهيمنة الأمريكية تتراجع فإن ذلك لا يعني أننا دخلنا حاليا في عالم متعدد الأقطاب، بل لا زلنا في مرحلة المخاض، ومن غير الواضح إلى أين يتجه العالم في المرحلة المقبلة. وهناك تحديات كثيرة يواجهها العالم
رابعا:
كل هذه التطورات الدولية والإقليمية ومع بروز قوى أخرى في العالم؛ تؤكد أننا أمام
عالم جديد لكنه غير واضح المعالم، وإذا كانت الهيمنة الأمريكية تتراجع فإن ذلك لا
يعني أننا دخلنا حاليا في عالم متعدد الأقطاب، بل لا زلنا في مرحلة المخاض، ومن
غير الواضح إلى أين يتجه العالم في المرحلة المقبلة. وهناك تحديات كثيرة يواجهها
العالم على الصعد الاقتصادية والفكرية والاجتماعية والامنية والتكنولوجية، وكل ذلك
سيكون له دور في تحديد المسار الذي سيشهده العالم في المرحلة المقبلة.
خامسا:
إزاء كل هذه التطورات والمتغيرات نحن أمام فرصة جديدة لإعادة بلورة المشروع العربي
والإسلامي وتحديد رؤيتنا لمستقبل العالم ودورنا في هذا العالم، وهذا يتطلب تفكيرا
جماعيا وإعادة البحث في واقعنا، والاستفادة من التغيرات الحاصلة والاتفاقات
والتسويات التي تحصل وخصوصا عودة العلاقات العربية- الإيرانية إلى مسارها الصحيح،
والحاجة إلى الاستفادة من بروز دور القوى الإقليمية في المنطقة ولا سيما تركيا وإيران
والسعودية، كي نبني مشروع التكامل العربي- الإيراني- التركي.
لكن
كل ذلك يتطلب أولا وضوح الرؤية والفهم الصحيح لما يجري، وعدم الانجرار وراء الأحداث
السريعة والرهان على القوى الكبرى، إضافة لإعادة التفكير بواقعنا العربي والإسلامي،
وبناء الدولة القوية القادرة على مواجهة مختلف التحديات الداخلية والخارجية، مع إعادة
النظر بالأولويات والتركيز على مواجهة العدو الأساسي وهو العدو الصهيوني، بدل
الغرق في صراعات وحروب داخلية تضّيع الطاقات وتهدر الموارد والإمكانيات وتغرقنا في
بحور من الدماء والعصبيات.
وفي
الخلاصة لكل النقاشات الدائرة في الأوساط العربية والإسلامية، نحن اليوم أمام فرصة
جديدة كي نستفيد مما يجري في العالم من متغيرات كي نقدم مشروعنا العربي والإسلامي،
وأن أمام المفكرين ومراكز الدراسات والقيادات العربية والإسلامية مهمة كبيرة من أجل
وضع رؤيتهم الجديدة لمستقبل العالم ومستقبل المنطقة، من خلال الاستفادة من التجارب
الماضية والخروج من العقليات الماضية.
فهل
من يجرؤ لطرح رؤية جديدة ومستقبلية تتجاوز الماضي وتنظر للمستقبل فقط؟
twitter.com/kassirkassem