تناولنا في
المقال السابق تصعيد الاعتداء على المسجد
الأقصى، بالتزامن مع
"يوم توحيد
القدس"، وهي ذكرى احتلال الشطر الشرقي من القدس المحتلة،
وكيف توظفها "منظمات المعبد" لحشد أكبر أعدادٍ ممكنة من المستوطنين لاقتحام
الأقصى، مرورا بأعداد مقتحمي الأقصى في السنوات الماضية، وأبرز الاعتداءات على
المسجد خلال هذه السنوات. وفي هذا المقال، سنتناول مسيرة الأعلام الاستيطانية
الضخمة، التي تشكل العنوان الملح لمفهوم "السيادة" لدى سلطات
الاحتلال
وأذرعه الاستيطانية. فعلى الرغم من مضي ستة وخمسين عاما على احتـلال الشطر الشرقي
من القدس، ونحو 75 على احتلال شطرها الغربي، ما زال الاحتلال
الإسرائيلي يحاول
السيطرة على القدس عبر الضم والسيطرة، إلا أن فشلها في تحويل القدس إلى عاصمة
يهودية المعالم والسكان، تدفعها إلى المضي في مثل هذه المسيرات في مناسبة وطنية في
ذكرى توحد "عاصمتها الأبدية" المزعومة.
ما هي المسيرة
وكيف بدأت، وما هي الاعتداءات التي
تجري خلالها؟
تُعد "مسيرة
الأعلام" محطة سنوية لدى الاحتلال وأذرعه المختلفة، وعلى الرغم من أنها ليست
المسيرة الوحيدة التي تُنظَّم في القدس المحتلة، فإنها المسيرة المركزية، إن من
حيث عدد المشاركين فيها، أو المسار الذي تمر فيه، ما بين شطري القدس المحتلة.
وتنظم هذه المسيرة في ذكرى "توحيد القدس" بالتقويم العبري، وهو اليوم
الذي احتلت فيه قوات الاحتلال الشطر الشرقي من القدس المحتلة، على أثر حرب حزيران/
يونيو 1967. ويصل عدد المشاركين فيها في بعض
السنوات إلى نحو 30 ألف مستوطن، وهذا ما يعني أنها من أكبر التجمعات الاستيطانية
غير الدينية التي تجري في القدس المحتلة.
تُعد "مسيرة الأعلام" محطة سنوية لدى الاحتلال وأذرعه المختلفة، وعلى الرغم من أنها ليست المسيرة الوحيدة التي تُنظَّم في القدس المحتلة، فإنها المسيرة المركزية، إن من حيث عدد المشاركين فيها، أو المسار الذي تمر فيه، ما بين شطري القدس المحتلة. وتنظم هذه المسيرة في ذكرى "توحيد القدس" بالتقويم العبري، وهو اليوم الذي احتلت فيه قوات الاحتلال الشطر الشرقي من القدس المحتلة.
وخلال السنوات
الماضية كانت "مسيرة الأعلام" تنطلق من شارع يشق مقبرة مأمن الله في
الشطر الغربي من القدس المحتلة، ومن ثم تصل إلى باب الجديد، ومن هنالك تتجه
المسيرة إلى ساحة حائط البراق إما عبر باب الخليل، أو إلى باب العمود (وأحيانا تنقسم قسمين) ومنه إلى البلدة القديمة، وصولا إلى ساحة حائط البراق المحتلّ.
وإلى جانب
"رقصة الأعلام" في باب العمود، تشهد المسيرة العديد من الاعتداءات
والتصرفات الاستفزازية، أبرزها ما يأتي:
- الشتائم التي
يوجهها المستوطنون للفلسطينيين وللمقدسات الإسلامية، وترديدها بشكلٍ جماعي (شتم
الإسلام والنبي محمد صلى الله عليه وسلم وغيرها).
- الاستهزاء بذكرى "النكبة"، وأنهم
يتحضرون لتكرارها.
- الهتافات العنصرية بالعربية وتشمل
"الموت للعرب"، و"لتحترق قريتك" وغيرها.
- الاعتداء على الفلسطينيين في أزقة البلدة
القديمة، وتخريب واجهات المحال التجارية وسرقة أغراضها.
- الاعتداء على الصحفيين الفلسطينيين.
- تمزيق
العلم الفلسطيني ومحاولة إحراقه.
- تعمد رمي القاذورات في الحي الإسلامي.
المسيرة واحدة من شرارات معركة سيف القدس.
شهدت المسيرة في
السنوات الماضية تطورات عدة، ففي عام 2020 لم تنظم بفعل تداعيات جائحة كورونا، أما
في عام 2021 فقد أربك تدخل المقاومة الفلسطينية المسلحة على خط الأحداث في القدس
المحتلة مستويات الاحتلال الأمنية، فقد حذرت فصائل المقاومة من استمرار الاعتداء على المسجد
الأقصى وحي الشيخ جراح وإقامة "مسيرة الأعلام"، فقامت أذرع الاحتلال بمنعها ولم يتم
تنظيمها في 10 أيار/ مايو 2021 بالتزامن مع "يوم القدس"، ولكن أذرع
الاحتلال عادت وأعلنت " في 4 حزيران/ يونيو 2021 أنها ستعيد تنظيمها في 10
حزيران/ يونيو 2021. وعلى إثر الإعلان، بدأت أذرع الاحتلال بمناقشة أثر المسيرة على
الصُعد الأمنية، فقد ألغتها شرطة الاحتلال تحسبا من أن تتحول إلى شرارة تصعيد
للهبة الفلسطينية، ونتيجة مطالبات اليمين المتطرف بتمريرها، قرر المجلس الوزاري
المصغر "الكبينت" تأجيلها إلى يوم الثلاثاء في 15 حزيران/ يونيو 2021.
وعلى
إثر تأجيل المسيرة مرتين والنقاشات الأمنية والسياسية، شددت قوات الاحتلال
انتشارها في شوارع القدس وأزقّتها في 15 حزيران/ يونيو 2021، وحولت البلدة القديمة
إلى ثكنة عسكرية، مغلقة عددا من الشوارع بالحواجز المعدنية، ومنعت الفلسطينيين من
الدخول إلى هذه الشوارع، واعتدت على المقدسيين الذين عملوا على عرقلة المسيرة، واعتقلت
قوات الاحتلال عددا منهم.
وأشارت
معطيات مقدسية إلى أن عدد المشاركين في المسيرة قليلٌ جدا بالمقارنة مع المسيرات
التي جرت خلال الأعوام الماضية، وأن أكثر من 2500 عنصر أمني شاركوا في تأمين
الحماية للمشاركين في السيرة. وقد استطاع المقدسيون حينها إشعال عدد كبير من نقاط
المواجهة داخل شوارع القدس، ما أجبر الاحتلال على أن تكون المسيرة مقتضبة، وألا
تستمر أكثر من ساعة واحدة.
المسيرة
في عام 2022
شهد "يوم القدس" في 29 أيار/ مايو 2022 اقتحامات
حاشدة للأقصى، وشهدت القدس المحتلة "مسيرة أعلام" عدت الأكبر منذ سنوات عدة.
وقد استبقت سلطات
الاحتلال المسيرة بنشر آلاف عناصر الشرطة وحرس الحدود، إضافة إلى شن حملات اعتقال. ففي 25 أيار/
مايو 2022 أعلنت سلطات الاحتلال عن اعتقال نحو مئة فلسطيني من القدس والداخل
الفلسطيني في أقل من 24 ساعة، بذريعة تخطيط المعتقلين لعرقلة المسيرة.
على الرغم من مرور المسيرة عبر مسارها المعتاد، ومشاركة آلاف المستوطنين فيها، فإن ثبات المقدسيين وصمودهم، ونشر الأعلام الفلسطينية في أزقة القدس المحتلة، أحبط مشهد الانتصار الذي حاولت سلطات الاحتلال تحقيقه.
وفي
29 أيار/ مايو 2022 شارك في "مسيرة الأعلام" آلاف من المستوطنين، إلى
جانب أعضاء في "الكنيست" وحاخامات الاحتلال. ومع وصول المسيرة إلى ساحة
باب العمود، اندلعت مواجهات مع الفلسطينيين في أكثر من نقطة في المدينة المحتلة،
ورفع الفلسطينيون أعلام فلسطين عبر الطائرات المسيرة والبالونات وفي ساحات المدينة
وأزقتها. وعلى الرغم من مرور المسيرة عبر مسارها المعتاد، ومشاركة آلاف المستوطنين
فيها، فإن ثبات المقدسيين وصمودهم، ونشر الأعلام الفلسطينية في أزقة القدس
المحتلة، أحبط مشهد الانتصار الذي حاولت سلطات الاحتلال تحقيقه.
المسيرة في 2023.. جنون اليمين المتنامي
شهدت الأسابيع
الماضية تطورات كثيرة، ولم تكن المواجهة مع قطاع غزة آخرها، وفي ظلال تلك التطورات، تأتي ذكرى "توحيد القدس" لهذا العام، وقد بدأت أذرع الاحتلال ومسؤولوه الاستعداد
لتنظيم مسيرة الأعلام، والتشديد المستمر على أنها ستتم في موعدها. ففي 5 أيار/
مايو 2023 أعلن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بأن مسيرة الأعلام ستُنفَّذ كما
هو مخطط لها، قائلا: "لن نخشى التصعيد مع قطاع غزة كما في السنوات
السابقة"، على الرغم من أن التصعيد مع غزة اندلع في 9 أيار/ مايو 2023، وهذا ما
يجعل تصريحات بن غفير محاولة استباقية لحشد المستوطنين.
وعلى غرار اقتحام
الأقصى، أعلنت أذرع الاحتلال أنها ستنظم مسيرة الأعلام في
18 أيار/ مايو 2023 ما
بين الساعة الرابعة والسادسة عصرا، أي في اليوم السابق للذكرى التي ستقع في 19
أيار/ مايو 2023، ويأتي هذا التراجع لأن يوم الذكرى يتزامن مع يوم الجمعة، الذي
يشهد وجودا إسلاميا كثيفا في البلدة القديمة وفي المسجد الأقصى، وفي محاولة
لعدم إظهار هذا التغيير، تروج أذرع الاحتلال بأنها ستقيم المسيرة "في
موعدها"، في محاولة لتمويه تغيير وقت المسيرة نتيجة أسباب عدة.
ويسعى اليمين
المتطرف في حكومة الاحتلال إلى أن يحول المسيرة إلى محطة لتهويد المدينة المحتلة،
فعلى إثر إقرار موعد المسيرة، أعلن عدد من
وزراء الاحتلال المشاركة في المسيرة من
بينهم وزير الأمن القومي بن غفير، ووزيرة المواصلات ميري ريغيف، ووزير المالية بتسلئيل
سموتريتش، إضافة إلى وزير النقب والجليل يتسحاق فاسرلاف. وبالتزامن مع هذه المشاركة، أطلقت شرطة الاحتلال استعداداتها لتأمين
المسيرة، ومن أبرز هذه التحضيرات حشد العناصر الأمنية من قوات الشرطة وحرس الحدود
لتأمين مسارات المسيرة، وتنفيذ حملات اعتقال بحق الفلسطينيين في المناطق المحتلة.
يمكن أن تكون هذه المخاطر وما سيجري في اليومين القادمين، شرارة معركة جديدة على غرار معركة "سيف القدس"، فالمقاومة المسلحة لم تغب عن القدس المحتلة، وسقف اليمين الحالي لاستهداف المدينة ومقدساتها يتصاعد في كل مناسبة يهودية أو وطنية، والتطورات في الأيام القادمة ستظل مفتوحة على جميع الاحتمالات.
وحول مسار المسيرة لهذا العام، أعلن نائب رئيس بلدية الاحتلال في
القدس أريه كينج، عن ثلاثة مسارات جديدة لمسيرة الأعلام، وهي طريق جبل المشارف
خروجا من مستوطنة "بيت أوروت" في قرية الطور، وطريق جبل الزيتون خروجا من مستوطنة "هار هزيتيم" في حي رأس العمود، إضافة إلى تنظيم لقاءات
مباشرة مع جنود الاحتلال الذين شاركوا في احتلال الشطر الشرقي للقدس في عام 67، على
أن تكون اللقاءات في أكثر من نقطة في المدينة المحتلة.
أخيرا، وفي سياق
الجنون المتنامي لليمين المتطرف في دولة الاحتلال، كان الطلب الذي قدمته
"منظمات المعبد" لإدخال مسيرة الأعلام
إلى داخل المسجد الأقصى، وهو أكثر
التطورات خطورة من حيث عدد المقتحمين المفترضين، الذي حددته المنظمات المتطرفة
بنحو 7500 مستوطن، وإمكانية الموافقة على الطلب أو غض الطرف عنه في حال مشاركة
أعداد كبيرة في المسيرة، وتمكن خطورة الطلب بتحويله إلى سياسة عامة يمكن أن تتكرر
سنويا، ويصبح اقتحام المسجد الأقصى جزءا من المسيرة وما تتضمنه. أما الخطر
الثاني، فهو أن المسيرة والطلب يأتيان على إثر تصعيد مع المقاومة؛ حرص خلاله
الاحتلال على معركة محدودة مع جزء من المقاومة، وحاول وقف التصعيد قبل وقت من
المسيرة، وهذا ما يؤكد أنه يسعى إلى رفع حدة ما يمكن أن يجري فيها.
ويمكن أن تكون
هذه المخاطر وما سيجري في اليومين القادمين، شرارة معركة جديدة على غرار معركة
"سيف القدس"، فالمقاومة المسلحة لم تغب عن القدس المحتلة، وسقف اليمين
الحالي لاستهداف المدينة ومقدساتها يتصاعد في كل مناسبة يهودية أو وطنية،
والتطورات في الأيام القادمة ستظل مفتوحة على جميع الاحتمالات.