كتاب عربي 21

مآلات الإسلاميين الموجعة

محمد هنيد
لن يكون ترميم المشهد السياسي العربي ممكنا دون بحث عميق في شروط الانقسام والتناحر السياسي الذي يميز أداء المعارضة السياسية منذ عقود. (فيسبوك)
لن يكون ترميم المشهد السياسي العربي ممكنا دون بحث عميق في شروط الانقسام والتناحر السياسي الذي يميز أداء المعارضة السياسية منذ عقود. (فيسبوك)
هل يمكن نقد الاسلاميين اليوم؟ أليس من الضروري والملحّ أن نبحث في أسباب الفشل الذريع الذي منيت به كل تجاربهم في الحكم والمعارضة على حد سواء؟ لماذا انكسرت تجارب كل الأحزاب اليمينية المحافظة رغم ما كانت تحظى به من تعاطف شعبي في كل البلاد العربية تقريبا؟ كيف السبيل إلى الخروج من هذا المأزق التاريخي ومن يتحمل مسؤولية ما حدث؟

السياق أولا

لعل طور الثورات الأخيرة التي كُنا شهودا عليها تمثل أنصع النماذج التاريخية دلالة على الفشل المريع الذي منيت به دكاكين المعارضة السياسية العربية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. لن نخوض في تحالف القوميين ومن لف لفهم من جماعة المقاومة والممانعة مع أنظمة الاستبداد بعد أن تحولوا إلى أشرس أدوات القمع تبريرا للطغيان وتشريعا للانقلاب على إرادة الشعوب. ولن نخوض في الأدوار المشبوهة لليسار الوظيفي منذ نشأته الشيوعية جيبا للمشروع السوفياتي ثم ظهيرا لمنوالات الاستئصال وتجفيف المنابع. لن نخوض أيضا في أصناف اللبراليين من دعاة الحداثة الموهومة وصولا إلى التبشير بما بعد الحداثة وما وراء الانفتاح وهم يسندون كل مشاريع النهب وتصفية الثروات الوطنية تحت شعار حرية رأس المال "دعه ينهب دعه يمرّ".

مدار الحديث هنا عن المصير الأليم الذي انتهت إليه تجارب التيارات المحافظة في السلطة والمعارضة بعد أن تحوّلت الثورات التي أوصلتهم إلى الحكم إلى رماد وخراب وبعد أن عاد الاستبداد أشد وأنكى وأثبتُ قدما. كيف فشلت التجربة؟ وما هي الأسباب التي أدت بهم إلى هذا المصير المفجع بعيدا عن البكاء على الأطلال وبعيدا عن نظرية المؤامرة التي يحسن كثير من نخبهم توظيفها؟ لماذا فشلوا في كل الأقطار العربية ولم ينجحوا في أي واحد منها رغم الزخم الثوري الذي أوصلهم إلى الحكم؟

تعليل الفشل

قد يبدو الحكم شديدا قاسيا متطرفا في توقيته ومضامينه فكثير من المحللين يرى أن الفشل نسبيّ وأن الموجة كانت قوية جدا وأن الخارج قد تأمر عليهم وأن النظام العالمي كان لهم بالمرصاد. كثيرة هي الذرائع التي يسوقها الإسلاميون للدفاع عن سلاسل الفشل التي صاحبت مسيرتهم لكنها تكاد تجتمع في ثلاثة أسباب رئيسية كلها خارجية. أولها كما ذكرنا حالة العداء العالمية للأحزاب الإسلامية أو ما تسمية الأدبيات الدولية الإسلام السياسي وصولا إلى التآمر على هذه الأحزاب. ثاني الأسباب هي سياسة القمع والتنكيل المريع التي تمارسها السلطات والحكومات العربية في حق الإسلاميين. أما ثالث الأسباب فيتمثل في تنكر الحاضنة الشعبية العريضة لجهود التيار الإسلامي وتضحياته وعدم دفاعها عنهم مقارنة بما حدث خلال محاولة الانقلاب في تركيا مثلا. 

خسر الإسلاميون جولات كثيرة ولم تكن الخسارة دائما بسبب الخارج كما يدّعون بل ساهمت فيها بقوة أخطاء كارثية داخلية وغياب القدرة على قراءة السياق وتبيّن خريطة التحالفات. اليوم تطرح عليهم سياقات جديدة أشد تعقيدا خاصة بعد فقدانهم جزءا هاما من تعاطف القواعد الشعبية مما يفرض عليهم بناء نسق جديد للمشاركة في ترميم مشهد محطم كانوا هم أحد أهم مكوناته.
كل هذه الأسباب أسباب منطقية وجيهة لكنها تتمتع بخاصيتين : أما الأولى فهي كونها ثلاثتها أسبابا خارجية تتعلق بالخارج ولا تحمّل المسؤولية للداخل. وتتجلى الخاصية الثانية في كونها أسبابا سياقية موضوعية تتصل بالسياق التاريخي والاجتماعي والسياسي الذي تتحرك فيه عملية الأداء السياسي نفسه. بعبارات أوضح فإن التيارات الإسلامية المحافظة تعمل جاهدة على وضع مسؤولية فشلها على الخارج من جهة وتنكر من جهة ثانية أن أسباب الفشل التي تقدمها تمثل عناصر سياقية موضوعية هي جزء من الحقل الذي تتحرك فيه وعليها أخذها بعين الاعتبار كما هو حال كل فاعل سياسي.

يخفي هذا التعليل سعي الحركات الإسلامية إلى تفادي النقد الذاتي بما ينجر عنه من تحمل شجاع لمسؤولية الفشل وما يطرحه من ضرورة تغيير المنهج وتغيير العاملين عليه. إن تعنت الإسلاميين في رفض الواقع والتمادي في تعليق فشلهم على الخارج ليس إلا مؤشرا على مواعيد جديدة من الفشل القادم ما لم تتغير القيادات والمناهج والأطروحات.

ما بعد الفشل

منطلقات جديدة تفرض نفسها اليوم على التيارات اليمينية المحافظة في المنطقة العربية بعد سلسلة الأحداث الجسام التي عرفتها هذه التيارات والبلاد ككل. أولها مراجعات عميقة لمجمل الخيارات التي اتخذتها الحركات الإسلامية خلال السنوات العشر الأخيرة على الأقل وتحميل المسؤولية للأطراف التي كانت وراءها. لا ينفصل عن هذه المنطلقات حقيقية دامغة تنكرها معظم الأحزاب اليمينية وهي حتمية تغيير القيادات والوجوه التي قادت مشاريعها السياسية خلال العقود الأخيرة. وهو خيار لا يتعلق بالإقصاء بل يفرض نفسه سياقيا بقانون تجدد الأجيال وضخ دماء جديدة أكثر وعيا بالواقع ومتغيراته وأكثر قدرة على استبطان التحديات الجديدة والتفاعل معها.

دون ثلاثية "المراجعة والمحاسبة والتجديد" فإن التيارات اليمينية المحافظة ستبقى حبيسة نفس النسق الذي تتحرك فيه منذ عقود. تحتاج المراجعة والمحاسبة شجاعة كبيرة وإقرارا بالمسؤولية وتحميل أصحابها أخطاء كارثية أدت في جزء كبير منها إلى الوضع الذي تعيشه هذه الحركات السياسية. أما التجديد فيُطرح في نطاق أوسع ضمن رؤية أكبر لمستقبل عمل هذه الحركات وطرق أدائها السياسي وإدراكها لمضامين السياق وإكراهاته التي سلف ذكرها.

هذه القراءة النقدية تتأسس على الوعي بأهمية الطيف المحافظ وضرورته للمسارات السياسية الحزبية والفكرية الحضارية العربية أمام دعوات الإقصاء والاستئصال والقمع التي لم تخلف غير الخراب والفتن وفوضى السلاح. إن ترميم المشهد السياسي العربي ينطلق قبل كل شيء من وضع أسس صلبة لتعامل المكونات السياسية مع بعضها البعض وفق شروط الاحترام وقبول الآخر المختلف من أجل المصلحة العليا للوطن. لكن ذلك الشرط لا يُعفي كل الأطياف السياسية من حتمية المراجعات العميقة التي تهدف إلى تفادي وضعيات التصادم والتناحر في حالات الأزمات فتقطع الطريق أمام التدخلات الخارجية.

لن يكون ترميم المشهد السياسي العربي ممكنا دون بحث عميق في شروط الانقسام والتناحر السياسي الذي يميز أداء المعارضة السياسية منذ عقود. بل إن خيارات الانسحاب وتحويل الجهد والطاقة نحو مجالات اجتماعية وثقافية وفكرية تربوية قد يكون في سياقات كثيرة خيارا صائبا يجنّب الفاعل السياسي كل مخاطر المواجهة والتصفية في حالات كثيرة شبيهة بما تعيشه الحالة العربية اليوم والتي يغلب عليها منطق السلاح.

خسر الإسلاميون جولات كثيرة ولم تكن الخسارة دائما بسبب الخارج كما يدّعون بل ساهمت فيها بقوة أخطاء كارثية داخلية وغياب القدرة على قراءة السياق وتبيّن خريطة التحالفات. اليوم تطرح عليهم سياقات جديدة أشد تعقيدا خاصة بعد فقدانهم جزءا هاما من تعاطف القواعد الشعبية مما يفرض عليهم بناء نسق جديد للمشاركة في ترميم مشهد محطم كانوا هم أحد أهم مكوناته.
التعليقات (5)
ريان
السبت، 22-04-2023 12:16 م
وهل كان الإسلاميون بالسذاجة لكي يتوقعوا أن النظام العالمي القائم سيستقبلهم بالورود والرياحين ؟؟ لو كانو يفكرون هكذا فهم ليسو بالكفاءة ولا بالنضج الكافي ليقيمو مشروعا سياسيا في كفر أو نجع فما بالك بأمة كاملة أما بالنسبة لانفضاض الحاضنة الشعبية عنهم فهذا لم يحدث إلا بعد أن أثبت الإسلاميون فشلهم وتخبطهم وتمسكهم بنفس الأساليب التي أوصلتهم إلى الفشل الذريع وإصرارهم عليها بدون أي نية للمراجعة فكيف تطلب مني أن أتبعك وأنت نفسك لا تدري إلى أين تذهب ولا ماذا ستفعل وليس لديك رؤية ولا خطة اللهم إلا مهادنة العسكر حتى تمر العاصفة بسلام كل الشماعات اللي ذكرت هي فقط للاستهلاك الداخلي ولتصدير فكرة أن الفشل كان قدرا ولم يكن بالإمكان أفضل مما كان
حفيظ
الجمعة، 21-04-2023 01:35 ص
قراءتك سطحية لا تمت للواقع بصلة، هدفها تبرئة الغرب المنافق من دوره في دعم الانقلابات التي تقع في المنطقة و سكوته الوظيفي على التنكيل بالديمقراطية، و تبرئة دول رعاة الابل من قيادتها للثورات المضادة و انفاق أموال البترودولار على الانظمة المنقلبة.
علي خلايلة
الخميس، 20-04-2023 06:16 م
اسلاميو اليوم لا علاقة لهم بالاسلام سوى الاسم .. لهذا يتركهم الله تعالى الى سوء تدبيرهم. يأمرنا الله بالولاء والبراء وجهاد الكافرين .. لكنهم يظنون أن أضغاث التقارب والتوافق والمواطنة هي الاصلح. نسوا الله تعالى فنسيهم.
عبد الله
الخميس، 20-04-2023 02:11 م
بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء لا يظن من حارب الاسلام أنه انتصر فإنما الله ممهل أعمارهم ليأخذهم في قمة طغيانهم فيكون مصيرهم خلود في النار و بئس المصير. و كل من كان لهم عونا حتى من الذين يدعون رفع راية الاسلام فسيكونون لهم رفقاء في قاع الجحيم. أغبى الناس من يعادي ربه الذي خلقه و يبقيه حيا و يتبع شياطين الانس و الجن.
طه العقاد
الخميس، 20-04-2023 11:52 ص
هل هو فشل أم إفشال؟