رغم فجوة المواقف التي
ظهرت في الاجتماع الوزاري العربي الذي عقد في جدة، لبحث عودة النظام السوري
للجامعة العربية، إلا أن هناك توجها رسميا تقوده أطراف عربية
بزعامة كل من
السعودية والجزائر والعراق والأردن ومصر للمضي في الجهود المبذولة
لهذا الغرض تحت مسمى "البحث عن حل سياسي للأزمة السورية وينهي
تداعياتها". وهذا مطلب كانت طرحته بالأساس كافة أطراف المعارضة السورية ونادى
به السوريون منذ البداية وجوبه بالقمع والقتل وتشريد ملايين الضحايا، وفرض معه
النظام السوري وحلفاؤه سياسة الأمر الواقع على الأرض.
وبرفضه تطبيق القرار
الدولي 2254 الذي ينص على الانتقال السلمي للسلطة، أخذ النظام السوري على عاتقه
تدمير الحل السياسي وتسويف وتزوير مأساة الشعب السوري، وكل الأطراف الرسمية
العربية تعرف حق المعرفة على من تعود مسؤولية ضرب أمن السوريين ووحدتهم، وتكاثر
مليشيات الإرهاب والتفريط بالسيادة السورية ووحدة التراب التي يتباكى عليها العرب
في
سوريا.. هي الجهات نفسها التي ترعى عودة النظام للجامعة العربية، إيران وموسكو،
وهما قائدتا الجهود في هذا المجال وهما من يمتلك القواعد العسكرية والمليشيات في
سوريا، وهما من يستحوذا على ما تبقى من مقدرات السوريين الاقتصادية، وهما من يمتلك
مفاتيح القرار في دمشق.
التعويل العربي هو على استعادة النظام السوري لمكانته في دائرة العمل العربي المشترك، في ظل أجواء عربية متشرذمة في الاقتصاد والسياسة والأمن، مع مجتمع يرزح تحت القمع والاستبداد
التعويل العربي هو على
استعادة النظام السوري لمكانته في دائرة العمل العربي المشترك، في ظل أجواء عربية
متشرذمة في الاقتصاد والسياسة والأمن، مع مجتمع يرزح تحت القمع والاستبداد. وبنظرة
عربية لمفهوم السيادة والتراب الوطني واستعادة الأمن من ثقب سيطرة
الاستبداد
المطلقة على المجتمع كبقية أقرانه في الأسر العربية الحاكمة، تبقى الحالة السورية
طافحة بقيح الجرائم المنسوبة للنظام في دمشق، ومحاولات محوها عربياً والقفز عنها
ببكائيات "الهوية العربية والسيادة والأمن ومكافحة الإرهاب" هي محاكاة
لرواية النظام وحلفائه المُحتلين على الأرض؛ ممن دمروا البلاد ونهبوا الاقتصاد
وقتلوا العباد، بنفس الذرائع التي يسوقها اليوم الخطاب العربي لنجدة
الأسد من حبل
العدالة الدولية. أما التمجيد بأهمية موقع سوريا عربياً من الناحية السياسية
للخطاب التطبيعي مع الأسد، فإنه لا يتعدى الموقع الذي احتله النظام السوري طيلة
العقود الماضية في الملفات "ذات الاهتمام المشترك" والقضايا التي تهم
النظام وتجمعه بالوظيفة المشتركة للسياسات العربية البعيدة عن كل البعد عما يهم
الشعب العربي، فهذه الملفات هي التي تدفع بهرولة عربية لعودة النظام لسياقه "الطبيعي"
لتبوؤ مكانته المهتزة في هرم الاستبداد العربي.
وإذا كانت أوزان السياسة
العربية لدول كبرى مثل مصر والسعودية والعراق تخضع لشروط الإيراني والروسي بعد 12
عاما من عمليات القتل والجرائم التي ارتكبت في سوريا، وبعد إفشال كل المحاولات لضبط
إيقاع النظام على المسار السياسي، فإن مستقبل العمل السياسي العربي لن يكون بأفضل
حالا في عودة النظام للحضن العربي العاجز أصلاً عن استحداث حلول لأزمات مستعصية
بين دول العالم العربي، وأخذ مواقف حقيقية من قضايا كبرى مثل قضية فلسطين والعدوان
الإسرائيلي المستمر على الشعب الفلسطيني، على العكس، مؤشر السياسة وأوزانها فقد
الكثير من مصداقيته في العقد الأخير، وفي خطوة الاقتراب من رأس الطاغية السوري
ستكون الخسائر أعمق وأفدح للقضايا الأساسية المتعلقة بالشعوب العربية وملفاتها
المتعددة، خصوصاً أن نظام بشار الأسد يعود للسياسة العربية مفلساً من كل شيء، وفتح
الأذرع له وتبادل العناق لن يضيف لهذا الإفلاس سوى الانحدار أكثر بالسياسة
العربية.
احتضان العرب لنظام الأسد، لن يعيد سوريا محررة من قواعد المحتلين في سوريا، ولن يطهر أرضها من المليشيات المذهبية والطائفية، ولن يحافظ على الموارد الاقتصادية التي منحها النظام للمحتلين كعربون على مساعدتهم له في قتل وتشريد ملايين السوريين، ولن يمدوا النظام بترسانة أسلحة كي يحرر الجولان المحتل، والأهم التطبيع العربي لن يبني مستقبل السوريين المنشود
واحتضان العرب لنظام
الأسد، لن يعيد سوريا محررة من قواعد المحتلين في سوريا، ولن يطهر أرضها من
المليشيات المذهبية والطائفية، ولن يحافظ على الموارد الاقتصادية التي منحها
النظام للمحتلين كعربون على مساعدتهم له في قتل وتشريد ملايين السوريين، ولن يمدوا
النظام بترسانة أسلحة كي يحرر الجولان المحتل، والأهم التطبيع العربي لن يبني
مستقبل السوريين المنشود في ظل نظام وحشي غارق حتى أذنيه في جرائم الحرب وضد الإنسانية.
إذاً، ما الذي تأمله
السياسة العربية من نظام الأسد؟ وما الذي بين يديه يخدم قضاياها، خصوصاً للدول
التي لها ثقل ووزن اقتصادي وسياسي؛ إذا افترضنا وجود هذا الوزن ويعول عليه فيما
بينهم؟
لم يبق في الإجابة على كل
الأسباب والأسئلة المتعلقة بالهرولة العربية نحو الأسد سوى الثابت من حقائقها،
وعلى رأسها إجهاض وقتل ثورة السوريين وأحلامهم بالخلاص من طاغيتهم، ومحاصرة
الضحايا والضغط عليهم للعودة تحت وحشية النظام هو انهيار لما تبقى من سياسة عربية إلى
ما دون الصفر.
وعليه فإن مستقبل السياسة
العربية بالتطبيع مع الأسد نزيف مستمر للمواقف والسياسات العربية التي ترسم
مستقبلها بالتكاتف مع الطغاة ووكلائهم المحتلين على الأرض، فكيف سيكون هناك عمل
سياسي عربي أحد أطرافه متهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ومسؤول عن قتل
وذبح مئات الآلاف في أقبية التعذيب الخاضعة لسلطاته؟ وكيف يتنادى العرب بالخشية
على وحدة الأرض المفرّط بسيادتها والخوف على إنسان ما زال يُذبح في زنازين الأسد؟
نعرف أن كل ما سبق لا يهم المتداعين بالزحف لعناق النظام السوري، لأن السبب
الجوهري بعيد عما يُطرح للاستهلاك المنتهية صلاحيته منذ أكثر من عقد، مع سياسة عفا
عنها زمن الاستبداد العربي.
twitter.com/nizar_sahli