قضايا وآراء

النظام السوري بين المبادرات العربية

حسين عبد العزيز
 الجامعة العربية لم تقطع نهائيا مع النظام السوري، ولم تذهب نحو المطالبة بإسقاطه، بل كان الحل الذي قدمته يندرج ضمن مقاربة إصلاحية تقبل ببقاء النظام في الحكم. (الأناضول)
الجامعة العربية لم تقطع نهائيا مع النظام السوري، ولم تذهب نحو المطالبة بإسقاطه، بل كان الحل الذي قدمته يندرج ضمن مقاربة إصلاحية تقبل ببقاء النظام في الحكم. (الأناضول)
ليست السياسة في العالم العربي استمرارا لرؤية استراتيجية طويلة الأمد، بقدر ما هي ردود فعل مستعجلة على متغيرات آنية، إنها سياسة متغير بتغير الأمزجة والأهواء والمصالح الضيقة على حساب المصالح الواسعة والعميقة.

إن غياب الديمقراطية في العالم العربي، وغياب الشعوب في مراقبة حكامها ومحاسبتهم، جعلت الأنظمة العربية تدير سياسة بلدانهم وفق معادلة المكاسب المتوقعة للأنظمة لا للشعوب.

بين المبادرة العربية حول سوريا عام 2011 والمبادرة المسربة مؤخر، فاصل زمني تجاوز الـ 12 عاما، مدة كانت كافية لحدوث انقلاب في المواقف العربية حيال النظام السوري، وهو انقلاب غير مرتبط بالتأكيد بزوال الأسباب التي دفعت الجامعة العربية عام 2011 إلى تقديم مبادرتها.

المبادرة الأولى

تقدمت جامعة الدول العربية بمبادرة لتسوية الأزمة في سوريا مطلع أيلول (سبتمبر) 2011، تتكون من 13 بندا.

نصت المبادرة على إصدار إعلان مبادئ واضحة ومحددة من قبل الأسد يحدد فيه ما تضمنته خطاباته من خطوات إصلاحية، كما يؤكد التزامه بالانتقال إلى نظام حكم تعددي وأن يستخدم صلاحياته الموسعة الحالية كي يعجل بعملية الإصلاح والإعلان عن إجراء انتخابات رئاسية تعددية مفتوحة للمرشحين كافة الذين تنطبق عليهم شروط الترشيح عام 2014 موعد نهاية الولاية الحالية للأسد.

كما دعت النظام السوري إلى الوقف الفوري لكل أعمال العنف ضد المدنيين وسحب كل المظاهر العسكرية من المدن حقنا لدماء السوريين وتفاديا لسقوط المزيد من الضحايا، وتجنيب البلاد الانزلاق نحو فتنة طائفية أو إعطاء مبررات للتدخل الأجنبي.

وطالبت المبادرة بتعويض المتضررين وجبر كل أشكال الضرر الذي لحق بالمواطنين، وبإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين أو المتهمين بتهم المشاركة في الاحتجاجات الأخيرة.

يُلاحظ في هذه المبادرة أن الجامعة العربية لم تقطع نهائيا مع النظام السوري، ولم تذهب نحو المطالبة بإسقاطه، بل كان الحل الذي قدمته يندرج ضمن مقاربة إصلاحية تقبل ببقاء النظام في الحكم.

المبادرة الثانية

طرحت الجامعة العربية بداية تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2011 مبادرة تضمنت سحب النظام السوري الجيش من المدن، والإفراج عن السجناء السياسيين، وإجراء محادثات مع زعماء المعارضة خلال 15 يوما كحد أقصى.

لكن عندما جاء 16 نوفمبر والخطة لم تنفذ بعد، اتخذت الجامعة قرارا بأغلبية ساحقة يقضي بتجميد عضوية سورية في الجامعة العربية وإعطائها مهلة ثلاثة أيام للتوقيع على بروتوكول لإرسال مراقبين عرب إلى البلاد، ثم تمددت المهلة حتى يوم 25 تشرين الثاني (نوفمبر)، ومع إصرار النظام على عدم التوقيع فرضت عليه عقوبات اقتصادية عربية في 27 تشرين الثاني (نوفمبر).

تمددت مهل الجامعة العربية لاحقا حتى 5 كانون الأول (ديسمبر)، ثم استمرت التمديدات لأسبوعين كاملين تاليين، وفي 19 ديسمبر وافق النظام أخيرا على توقيع المبادرة بعد شهر ونصف من المهل والجدالات، ووصلت طلائع البعثة إلى البلاد في 22 ديسمبر، فيما بلغ إجمالي عدد المراقبين الذين كان يُفترض قدومهم 150 إلى 200 مراقب.

المبادرة الثالثة

في 22 كانون الثاني (يناير) عام 2012 عقد اجتماع لوزراء الخارجية العرب في مقر الجامعة بالقاهرة لإيجاد حل للأزمة، انتهى بمبادرة جديدة، يُمنح النظام السوري بموجبها أسبوعين لإجراء حوار سياسي مع المعارضة، بهدف تشكيل حكومة وحدة وطنية خلال مدة أقصاها شهران، كما طالب الأسد بتفويض نائبه للتفاوض مع الحكومة الوطنية، ومن ثم إقامة انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة.

لقد كشفت المبادرة العربية الجديدة والهرولة العربية تجاه نظام الأسد أن الدول العربية لا تمتلك مقاربة سياسية حقيقية، وكل ما تقوم به هو ردات فعل على متغيرات سياسية في المنطقة، ما يجعل المقاربة العربية فارغة من محتواها، وتدفع النظام السوري إلى الثقة بنفسه أكثر فأكثر.
كما توجهت الجامعة إلى مجلس الأمن الدولي لطلب دعم المبادرة الجديدة، وأكدت على رفضها التدخل العسكري في الأزمة، إضافة إلى موافقة الجامعة العربية على تمديد مهام بعثة المراقبين وطالبت السلطات مُجددا بسحب جميع القوات العسكرية من المدن.

شكلت المبادرة الثالثة تحولا جذريا في الموقف العربي: من مقاربة تدعو النظام إلى الإصلاح، إلى مقاربة تطالب بإبعاد الأسد عن الحكم، مع ما يعنيه ذلك ضمنيا، القبول بتغيير النظام.

المبادرة الرابعة

مع التراخي الأميركي حيال المنطقة بشكل عام والملف السوري بشكل خاص أولا، واستياء عربي ـ خليجي من السياسة الأمريكية في عموما المنطقة والعالم، لا سيما بعد الحرب الأوكرانية ثانيا، وقرار السعودية تصفير المشاكل الخارجية أو تهدئتها على الأقل ثالثا، نشأت مقاربة عربية حيال الوضع السوري، مفادها أن استمرار الوضع على ما هو عليه سيؤدي إلى أضرار استراتيجية كبيرة على هذا الدول ليس فقط في الأجل القريب، بل أيضا، وهذا هو الأهم، في الآجل البعيد، من حيث أن استمرار هذا الوضع سيؤدي إلى تفريغ السنة من سوريا، ما يشكل انقلابا ديمغرافيا في بلاد الشام، انعكاساته السلبية ستعم مصر والخليج.

تسارع الحراك السياسي العربي تجاه النظام بعيد الزلزال، لكن بداية الحراك السياسي هذا بدأ قبل أكثر من عامين، حمل لواءها الأردن من خلال ما سمي "اللاورقة" التي تضمنت تغيير سلوك النظام السوري تدريجيا بمنحه حوافز يقابلها إجراءات مطلوبة منه وصولا إلى تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254 المتعلق بوقف إطلاق النار والوصول إلى تسوية سياسية من جهة، ووقف النفوذ الإيراني في دمشق من جهة أخرى.

ظلت المبادرة الأردنية في حالة ستاتيكو سياسي بسبب التردد السعودي، لكن المبادرة أخذت زخما قويا قبل أشهر حين باركت السعودية مسار الانفتاح على النظام السوري، وهو ما أعلنه وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في سبتمبر الماضي.

لم يعلن الأردن ولا أية دولة عربية رسميا تفاصيل المبادرة، لكن جوهرها سرب إلى الإعلام.

تطلب المبادرة من النظام السوري البدء بمكافحة عمليات تهريب المخدرات، وإظهار خطوات جدية وملموسة لمعالجة الوجود العسكري الإيراني في سوريا، مقابل انخراط عربي محدود في البداية بتقديم المساعدات المالية والإنسانية، على أن يبدأ بعد ذلك في تنفيذ خطوات بناء الثقة مع المعارضة، وعلى رأسها إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والكشف عن مصير المفقودين، وتوفير ضمانات جدية لعودة من يرغب من اللاجئين والنازحين إلى دياره، وضمان تطبيق القرار 2254 بشكل كامل، بما في ذلك إجراء انتخابات عامة بعد تهيئة المناخ اللازم الذي يشمل إطلاق سراح المعتقلين وعودة من يرغب من اللاجئين والنازحين إلى ديارهم مع ضمان سلامتهم، إلى جانب وضع خطة زمنية واضحة لمغادرة كافة القوات الأجنبية البلاد، مقابل التعهد بإعادة إعمار سوريا وتنميتها.

بالنظر إلى المبادرة، يُلاحظ أنها تركز على البعد الخارجي أكثر من البعد الداخلي، فالمطلوب أولا وقف تهريب المخدرات للأردن والسعودية، وهو مطلب سهل التحقق.

أما المطلب الثاني المتعلق بإيران، فلم تعد المطالبة العربية محصورة بإخراج إيران من سوريا، فهذا أمر مستحيل بسبب الترابط الوجودي بين النظامين، لكن المطلب تخفيف القبضة الإيرانية في سوريا.

أما المستوى الثالث من المطالب العربية، فنلاحظ أن المبادرة عاكست مقررات الشرعية الدولية (تطبيق القرار الدولي 2254، أي القيام بخطوات سياسية لتغيير بنية الحكم، ثم الانتقال إلى عودة السوريين) لجهة الانطلاق من تهيئة المناخ اللازم الذي يشمل إطلاق سراح المعتقلين وعودة من يرغب من اللاجئين والنازحين إلى ديارهم مع ضمان سلامتهم، ثم الذهاب إلى المستوى السياسي، وهذا يعني أن بقاء النظام في الحكم لم يعد محل نقاش، وما هو مطلوب عودة سوريا إلى ما كانت عليه قبل عام 2011.

خاتمة

من الواضح أن هذه المبادرة لن يكتب لها النجاح على الرغم من تواضعها، فباستثناء الشق الأول المتعلق بتهريب المخدرات، أصبحت مسألة إيران في سوريا معقدة كثيرا، ويحتاج حلها لسنوات طويلة، وأما فيما يتعلق بعودة اللاجئين، فهذه مسألة لا يمكن أن تحل قبل حصول تطور سياسي ـ دستوري حقيقي.

لقد كشفت المبادرة العربية الجديدة والهرولة العربية تجاه نظام الأسد أن الدول العربية لا تمتلك مقاربة سياسية حقيقية، وكل ما تقوم به هو ردات فعل على متغيرات سياسية في المنطقة، ما يجعل المقاربة العربية فارغة من محتواها، وتدفع النظام السوري إلى الثقة بنفسه أكثر فأكثر.
التعليقات (0)