بورتريه

كمال جنبلاط.. "صانع الرؤساء" وحليف الفلسطينيين

اغتيال كمال جنبلاط الذي يتكون اسمه من كلمتين "جان" و"بولاد" ومعناهما "روح الفولاذ" أوقف حربه الداخلية على الفساد وأجهض تجربته الإصلاحية- عربي21
اغتيال كمال جنبلاط الذي يتكون اسمه من كلمتين "جان" و"بولاد" ومعناهما "روح الفولاذ" أوقف حربه الداخلية على الفساد وأجهض تجربته الإصلاحية- عربي21
مثقف من طراز رفيع ومؤلف للعديد من الآثار الفكرية والعلمية والسياسية، وكانت له اهتمامات بالطب البديل والمداواة بالأعشاب.

زعيم للطائفة الدرزية ومؤسس "الحزب التقدمي الاشتراكي" الذي لا يزال لاعبا رئيسيا في الساحة السياسية بلبنان عبر الوريث وليد جنبلاط.

كان زعيما للحركة الوطنية اللبنانية خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وأحد الداعمين الرئيسيين للمقاومة الفلسطينية، حتى أن اغتياله، كما كتب عنه، كان نتيجة لمواقفه من السلاح الفلسطيني.

فيلسوف ومفكر عربي كتبت أشعار وأغان في رثائه، كما كتب الشعر باللغتين العربية والفرنسية.

كمال جنبلاط، المولود عام 1917 في بلدة المختارة بقضاء الشوف في لبنان، لعائلة من أصول تركية أو كردية، كان والده قائم مقام لقضاء الشوف أيام الانتداب الفرنسي على لبنان، ووالدته نظيرة جنبلاط التي لعبت دورا سياسيا مهما بعد اغتيال زوجها والد كمال.

التحق بمعهد عينطورة للآباء اللعازاريين في كسروان عام 1926 وظل فيه حتى عام 1937.

وبالرغم من كرهه للسياسة إلا أن ذلك لم يمنعه من المشاركة في مناسبات وطنية عديدة في عينطورة، ففي عام 1933 شكل وفدا طالب بوضع العلم اللبناني على برج معهد عينطورة بدلا من رفع العلم الفرنسي أيام الآحاد والأعياد على برج المدرسة.

ومنذ سنواته المبكرة تعلق بالقضايا العربية، فكان من أشد المعجبين بسعد زغلول، ومن مواقفه ذهابه في عام 1934 عند استقلال مصر إلى رئيس الرهبان في مدرسة عينطورة ليطلب منه أن يعلن ذلك اليوم عطلة احتفاء باستقلال أول دولة عربية، وقد استجاب رئيس الرهبان لهذا الطلب.

نال شهادة البكالوريا (الثانوية العامة) عام 1936، وكانت ميوله علمية وانجذب إلى الرياضيات والعلوم التطبيقية، وكان ينوي التخصص في الهندسة غير أن والدته طلبت من مطران دير القمر أن يقنعه بدراسة المحاماة، فكان لها ما أرادت.

التحق في عام 1937 بجامعة السوربون بفرنسا ودخل كلية الآداب وحصل على شهادة في علم النفس والتربية المدنية وأخرى في علم الاجتماع، عاد في عام 1939 إلى لبنان بسبب الحرب العالمية الثانية وتابع دراسته في جامعة القديس يوسف فنال إجازة الحقوق عام 1940.

لم ينس جنبلاط ميوله العلمية فأنشأ في عام 1942 معملا للكيمياء في المختارة، لاستخراج القطرون  والأسيد وغيرها، وصب آلات المعمل بنفسه في لبنان وقام بتركيبها بنفسه أيضا.

مارس المحاماة بين عامي 1941 و1942 فعين محاميا رسميا للدولة اللبنانية، لكنه ما لبث بعد نحو عام واحد أن ترك المحاماة بعد وفاة ابن عمه حكمت جنبلاط نائب جبل لبنان عام 1943، فجرت مبايعته بالزعامة فور انتهاء مراسم الدفن، وفاز في العام نفسه بالانتخابات النيابية وأعلن بشكل علني معاداته للانتداب الفرنسي في لبنان ووقوفه إلى جانب حكومة الاستقلال.

وواصل بعد الاستقلال خطه السياسي الوطني، مشددا على وجوب المحافظة على الاستقلال، ودخل عدة وزارات في الحكومة. وفي عام 1947، بدأ مرحلة المعارضة السياسية بعد أن اكتشف عمق الفساد والرشوة والفوضى التي تتخبط بها البلاد.

ولترسيخ مكانته السياسية أسس في عام 1949 "الحزب التقدمي الاشتراكي" كما أسس في عام 1951 "الجبهة الاشتراكية الوطنية" لمحاربة الفساد الداخلي في لبنان، وشارك في مؤتمر الأحزاب العربية المعارضة الذي عقد في بيروت عام 1954، وساند كفاح مصر ضد العدوان الثلاثي عام 1956.

ورغم أنه أوصل كميل شمعون إلى منصب رئيس الجمهورية في مواجهة بشارة الخوري، إلا أنه قاد انتفاضة شعبية عامي 1957 و1958 ضد كميل شمعون الذي حاول ربط لبنان بالأحلاف الاستعمارية، وكان يستند في ذلك إلى الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وأيد انتخاب فؤاد شهاب رئيسا للجمهورية عام 1958، فعمل معاونا له ومن بعده معاونا للرئيس شارل الحلو حتى عام 1973. وواصل فيما بعد حسم من هو رئيس لبنان القادم.

وعندما وقعت حرب حزيران /يونيو عام 1967، وقف جنبلاط إلى جانب مصر وسوريا والأردن، وأيد القضية الفلسطينية، وانتخب في عام 1973 أمينا عاما للجبهة العربية المشاركة في الثورة الفلسطينية. وتصدى ما بين عامي 1975 و1976 للمؤامرة الصهيونية الانعزالية في لبنان، وقاد نضال الحركة الوطنية اللبنانية معلنا برنامج إصلاح مرحلي للنظام السياسي، وتأسيس المجلس المركزي للأحزاب الوطنية التقدمية.

وفي منتصف السبعينيات، خاض جنبلاط حربا ضد المسيحيين الموارنة في لبنان تأييدا للفلسطينيين، متهما الموارنة بالعمل لصالح "إسرائيل" لتصفية القضية الفلسطينية، قبل أن يدخل لبنان في حرب طائفية استمرت حتى بداية التسعينيات.

ومع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975 وخاصة بعد تقدم الفلسطينيين والحركة الوطنية اللبنانية بزعامة كمال جنبلاط بشكل كبير في الداخل اللبناني، بدأ النظام السوري بالتحرك العسكري نحو لبنان بغطاء عربي لما يسمى بـ"قوات الردع العربية"، وهو أمر عارضه جنبلاط كثيرا وخاصة في ظل صدامه المباشر مع الرئيس السوري حافظ الأسد، الأمر الذي شكل نقطة تحول كبيرة في حياة جنبلاط.

ومع احتدام المعركة بين جنبلاط ومحيطه اللبناني والعربي والاحتلال الإسرائيلي، توفرت كل الظروف للقيام بعملية اغتياله في ظل زيادة الأعداء الذين كانوا يعتبرونه خصما عنيدا يجب التخلص منه.

وكانت النهاية لهذا الصدام الثلاثي في 16 آذار/مارس من عام 1977 حين استفاق اللبنانيون على خبر اغتيال كمال جنبلاط، فقد أظهرت تفاصيل وثائق التحقيق الجنائي أنه بعد أن غادر جنبلاط  قصر المختارة باتجاه بيروت، نصب له كمين بعد أن اعترضت سيارة من نوع "بونتياك"، تحمل لوحة عراقية، لونها أسود وأحمر، سيارة جنبلاط المرسيدس التي تحمل الرقم (5888)، في محاولة لاختطافه، لكنهم فشلوا ما دفعهم لإطلاق النار عليه من الخلف.

بعدها حاول الجناة الفرار من المكان لكنهم تفاجأوا بتعطل سيارتهم ما دفعهم لسرقة سيارة لبناني ومن ثم توجهوا إلى مكتب تابع للمخابرات السورية كان يديره آنذاك النقيب إبراهيم حويجة، الذي تم تعيينه قائدا للمخابرات الجوية بعد ترفيعه إلى رتبة لواء، وأقاله الرئيس السوري بشار الأسد فيما بعد.

وبعد أكثر من 40 عاما على اغتيال كمال جنبلاط، لم يصدر قرار واضح حول الجناة الحقيقيين وبقيت القضية طي الكتمان في أدراج الدولة اللبنانية، وخاصة في ظل عدم تقديم الجناة للمحاكمة رغم وجود الكثير من الشهود والأدلة.

وكان وليد كمال جنبلاط، الذي تقدم في عام 2015 بإفادة رسمية للمحكمة الدولية الخاصة بكشف ومحاكمة قتلة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري (المحكمة الدولية الخاصة بلبنان) قد قال إن التحقيق اللبناني بمقتل والده كمال، قد انتهى إلى مكتب الاستخبارات الجوية السورية في لبنان.
وأوضح جنبلاط: "التحقيق وصل إلى أن مكتب المخابرات (السورية) في بيروت هو الذي قام بعملية الاغتيال، الذي كان يترأسه العميد أو العقيد إبراهيم حويجة".

اغتيال كمال جنبلاط الذي يتكون اسمه من كلمتين "جان" و"بولاد" ومعناهما "روح الفولاذ" أوقف حربه الداخلية على الفساد وأجهض تجربته الإصلاحية، كما أن اغتياله أنقذ المليشيات المارونية من هزيمة نهائية كانت سترسم صورة مغايرة للبنان عما هي عليه الآن.

كان روح المقاومة الوطنية وجدار الفولاذ الذي اتكأ عليه الفلسطينيون الذين وجدوا أنفسهم بعد سنوات قليلة في مواجهة الغزو الصهيوني للبنان.
التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم