مقالات مختارة

هل انتهى دور الإسلاميين في المنطقة العربية؟

بلال التليدي
التليدي قال إن التجربة في مصر كانت مشحونة بأجواء الصدام والافتقاد إلى صيغ لإدارة التوتر، وكانت النتيجة مأساوية- جيتي
التليدي قال إن التجربة في مصر كانت مشحونة بأجواء الصدام والافتقاد إلى صيغ لإدارة التوتر، وكانت النتيجة مأساوية- جيتي
عند الربيع العربي، خرج العديد من الباحثين للظاهرة الحركية الإسلامية بخلاصات حول ما بات يعرف بـ«ما بعد الإسلام السياسي» وتحدث جيل كيبل، وليفيه روا، وآصف بيات عن جيل جديد يتجاوز الإسلاميين ويمضي في اتجاه التوفيق بين التدين والحقوق والحريات، لكن الديناميات التي أعقبت هذا الربيع في مصر وتونس والمغرب، أبانت محدودية هذه الخلاصات، وكشفت عن صعود الإسلاميين إلى مربع الحكم، مع اختلاف في الصيغ بين الاقتسام التوافقي للحكم (تجربة تونس) وبين التوافق مع مؤسسة الجيش (مصر) والمشاركة في الحكم من مؤسسة رئاسة الحكومة في ظل ملكية دستورية يتمتع فيها الملك بصلاحيات واسعة.

خريف الربيع العربي لم يُعد لأطروحة ما بعد الإسلاميين وهجها، وأثبتت تجربة حكم الإسلاميين مع اختلاف صيغها وسقوفها جزءا من أطروحة التحولات، وأنهم يتكيفون ويغيرون من قناعاتهم حسب السياق السياسي، مع تسجيل تفاوت بين تجربة الإخوان الأقل تحولا و«النهضة» الميالة أكثر للمناورة، وتجربة المغرب، الأكثر تكيفا وبراغماتية.

تجربة الخريف الديمقراطي في تونس عرفت تموجات كثيرة، ساهمت فيها ممانعة «النهضة» في تأخير خروجها من السلطة إلى أن أنهت فترة حكم الرئيس قيس سعيّد هذه التجربة، وتمعن اليوم في البحث عن صيغ إنهاء دورها السياسي.

التجربة في مصر كانت مشحونة بأجواء الصدام والافتقاد إلى صيغ لإدارة التوتر، وكانت النتيجة مأساوية، مست أولا الإسلاميين، فأعادتهم تقريبا إلى مرحلة ما قبل السادات (في السجون والمنفى) بينما تجربة المغرب كانت الأكثر نعومة، إذ تأخر وجودهم في مربع الحكم لعقد من الزمن، وكان هناك حرص على أن يتم إبعادهم عبر صناديق الاقتراع، بغض النظر عن منسوب نزاهة الاقتراع.
النتيجة في الحالات الثلاث كانت واحدة من حيث إخراج الإسلاميين من مربع الحكم، وكانت مختلفة من حيث استمرار وجودهم ودورهم السياسي.
الشروط التي تعرفها البيئة السياسية تفسر أكثر من غيرها صعود الإسلاميين أو خروجهم من مربع الحكم، وأن الأمر الحاسم لا يرجع بالضرورة إلى بنيتهم التنظيمية.

بعض الباحثين توقف عند «قدر» الإسلاميين المشترك في هذه التجربة، وأضاف حجة أخرى للحجج السابقة لإثبات نهاية الإسلاميين، لكنهم اليوم يفتقدون إلى الشق الأكثر حجية في أطروحتهم، أي وجود جيل جديد من الشباب المتدين يعبر عن مرحلة ما بعد الإسلاميين بالجمع بين التدين وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، فاليوم، سواء تعلق الأمر بالحالة الأكثر قسوة في التعامل مع الإسلاميين أو الحالة الأكثر نعومة، لا يوجد في الشارع مثل هذه النخب البديلة. ففي مصر، تم كشط الساحة الفاعلين والناشطين من كل الحساسيات.

وفي تونس، يخوض الرئيس معركة دونكيشوتية ضد الجميع، ويعتقد أن الأمن والجيش في صفه، وأن معركته مع «الخونة» الذين يقفون ضد مصالح تونس الحيوية، ولا يهمه بعد ذلك أن يكون حكاية الدعم الخارجي. أما المغرب، فالحياة السياسية أضحت مسكونة بالفراغ المقلق بسبب ضعف الحكومة، وأيضا بسبب كشط الساحة من جيل الشباب المتطلع للحرية والعدالة، وضعف تمثيلية المعارضة السياسية داخل المؤسسات ومحدودية تأثيرها.

الحاصل أن أطروحة «التحولات» لم يعد لها كبير فائدة، إذ يتبرر جدواها بالحاجة إلى تبديد التخوفات الغربية من وجود الإسلاميين في مربع الحكم، وهم اليوم خارجه، ولا يتصور على المدى القريب أو المتوسط عودتهم من جديد للمواقع التي تصدروها. كما أن أطروحة «ما بعد الإسلاميين» تعيش عطبا قاتلا، إذ لا يكتمل شقها الأول (فشل الإسلاميين) إلا بشق ثان، يثبت تجاوزهم من قبل نخب جديدة تتبنى جزءا من خطابهم (المرجعية) وتتصالح مع قضايا الحريات والحقوق والعدالة الاجتماعية دون أن يكون لهم انتساب للبرادغم الحركي.

يحتاج فك هذه المعضلة إلى إدخال عنصر ثالث في المعادلة، لا يخص بالمطلق الإسلاميين، وإنما يخص البيئة السياسية ومتطلبات تجديد النسق السياسي، وهل تحتاج مرة أخرى إلى الإسلاميين، أم يتعمق الطلب على تيارات مجتمعية أخرى لخلق شرعيات سياسية جديدة، أو العمل على اختلاقها إن لم تتوفر الشروط لتخلقها بشكل طبيعي من رحم المجتمع.

التجارب السابقة تقول الكثير حول هذا الموضوع، ففي الحالة المصرية، عاش الإخوان واقعا أشبه بالحالة التي يعيشونها اليوم، فقد تعرضوا في عهد جمال عبد الناصر، لمحن كثيرة كانت آخرها محنة 65 و66، ودخل على إثرها معظم قيادات الإخوان السجن واختار الآخرون المنفى. لكن التحول الذي حصل في بنية الحكم، غير البيئة السياسية تماما، وفرضت الرهانات الجديدة، أن يكون للإسلاميين دور في حقل السياسة، فتتوج هذا المسار، بالإفراج عن قياداتهم وفسح أجواء الحرية للدعوة، نتج عنها لاحقا توجه الإخوان للمشاركة السياسية من بوابة التحالف السياسي سنة 1984.

التجربة التونسية كانت ربما الأكثر دلالة، فتجربة استئصالها من حكم بن علي، فككت التنظيم وقضت على وجوده في الداخل وعزلته في الخارج، حتى جاءت لحظة الربيع العربي، ولعب الفراغ دورا مهما في إتاحة الفرصة لإعادة تجميع التيار، وبناء لحمته وتحويل وجهته إلى السياسة، لكسب معركة التغيير.
المغرب ربما يشكل الاستثناء في هذه الحالات، فقد عرفت الحركة الإسلامية مسارا مطردا في الصعود منذ أول مشاركة في العملية السياسية (1997) واستمر هذا المسار إلى قيادة الحكومة سنة 2012 لعقد من الزمن، إلى أن تم إسقاطهم انتخابيا في اقتراع الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2021.

لكن، مع الاستثناء الذي تشكله هذه الحالة، فإنها لا تشذ بأي حال عن قاعدة أن تغير البيئة السياسية، يملي في سياقات مخصوصة ولاسيما في الأزمات إلى تعزيز الطلب على النخب المجتمعية التي بإمكانها تعبئة موارد الشرعية للحكم، فقد أثبت التاريخ السياسي المغربي، وجود قدر عال من البراغماتية السياسية لنظام الحكم، وميله في أكثر من مناسبة لتعزيز الطلب على المعارضة السياسية وإشراكها في الحكم للجواب عن أزمات سياسية مختلفة.

حدث ذلك مع المعارضة التي كان يقودها حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بزعامة عبد الله إبراهيم الذي تقلد رئاسة الحكومة ما بين سنتي 1959 و1961، ومع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي تقلد زعيمه رئاسة الحكومة على رأس تجربة تناوب سنة 1998 بعد إعلان الملك الحسن الثاني دخول البلاد مرحلة السكتة القلبية، وأيضا مع العدالة والتنمية الذي قاد أمينه العام عبد الإله بنكيران الحكومة على إيقاع حراك حركة 20 شباط/ فبراير.

استقراء السياقات السياسية لهذه التجارب الثلاث يثبت أن الشروط التي تعرفها البيئة السياسية تفسر أكثر من غيرها صعود الإسلاميين أو خروجهم من مربع الحكم، وأن الأمر الحاسم لا يرجع بالضرورة إلى بنيتهم التنظيمية.

فقط ما يدعو للالتباس، هو التقاء لحظة الإسقاط مع لحظة تراجع الشعبية، والتقاء تعزز الطلب على الإسلاميين مع لحظة الصعود السياسي.

فك هذا الالتباس، أن أنظمة الحكم، حين تتعرض لأزمات تفرض تعبئة موارد شرعيتها، تلتفت دائما إلى النخب السياسية التي تتمتع بمصداقية أكثر لدى الشعب، كما أنها تميل في سياق الحاجة للتكيف مع معيطات البيئة السياسية الدولية والإقليمية إلى البحث عن شرعية لإسقاط الإسلاميين، تستمد غالبا من رصيد الغضب على سياساتهم ومواقفهم من داخل التجربة الحكومية.

ولذلك، لا أطروحة «فشل الإسلاميين» ولا «تحولاتهم» ولا «ما بعد الإسلاميين» أضحت تتمتع بالمصداقية العلمية، وإنما الذي يصمد أمام حقائق السياسة والبحث العلمي، أن وضع الإسلاميين الخامد أو الكامن، قد يطول، وقد يتكسر، وذلك حسب تغيرات البيئة السياسية وطبيعة الأزمة التي تتعرض لها نخب الحكم وحسب ارتهاناتهم الدولية والإقليمية، والخيارات المتاحة أمامهم.
التعليقات (1)
احمد
الجمعة، 24-02-2023 08:11 ص
مشكله الاسلاميين انهم عندما يصلوا للحكم لن يختلفوا عن اي حزب طامع في السلطه بل حتى اليساريين انظف منهم فلقد باعوا القيم و نكثوا بالوعود و لعل أقذر صفحه من صفحات الاخوان هي في العراق حين باركوا احتلال العراق و شاركوا بحكوماته و في النهايه اصبحوا عبيدا بيد خامنئي اما في مصر فلا ينسى لمرسي اوامره بقصف سيناء بالطائرات بحجه الحرب على الارهاب فكان غالب من قتل عامه الناس فيهم نساء و اطفال اما جبن أخوان مصر فهو من جعل السيسي يحكم !! في تونس ارجعوا للحكم زبانيه بن على و بسبب ترددهم و سوء تدبيرهم ضاعت البلاد و يحكمها اليوم رجلا من اغبى خلق الله !! اما في المغرب فكانت حكومتهم هي طبعت مع اسرائيل ولو كانوا مخلصين لما ينادون به لانسحبوا ... لكن الكرسي اسمى أمانينا !!! لذلك يمكن القول ان الاسلاميين انهوا دورهم و أثبتوا انهم ليسوا اهلا للحكم والعيب ليس في الاسلام