تعيش
المنطقة العربية والإسلامية حاليا في أجواء الزلازل والهزات الطبيعية، ولا سيما
تلك التي أصابت
تركيا وسوريا مؤخرا، ووصلت ارتداداتها إلى لبنان وفلسطين ومصر والأردن،
كما تشهد دول أخرى زلازل وفيضانات، مثلما شهدنا قبل عدة أشهر الفيضانات الكبيرة في
باكستان، وتترك هذه
الكوارث الطبيعية نتائج مؤلمة في الأرواح والأملاك وعلى الصعيد
الاقتصادي والسياسي.
وحتى
كتابة هذه الصدور لم تتوقف النتائج الكارثية لهذه الزلازل، في ظل بلوغ الضحايا
عشرات الألوف والجرحى أكثر من 200 الف والمشردون من بيوتهم بالملايين، كما لم يتم
تحديد رقم نهائي للآثار المالية والعمرانية لذلك، كما انتشر الخوف من موجات
تسونامي من البحر وبروز ظواهر غير طبيعية على شواطئ تركيا وسوريا وبعض دول البحر
المتوسط.
ورغم
حالات التضامن والتكافل الاجتماعي والتعاون بين العديد من الدول والمجتمعات
لمواجهة آثار هذه الكوارث الطبيعية، فإن المعاناة كبيرة جدا وتحتاج لخطط طويلة
الأمد، ورؤية جديدة في كيفية إعادة إعمار المناطق المهدمة وإيواء المشردين
واستعادة نبض الاقتصاد الطبيعي ومعالجة آثار ما جرى وإعادة بناء ما تهدم على أسس
قوية.
تضاف إلى الزلازل والهزات الطبيعية التي تواجه دول المنطقة، هزات سياسية واقتصادية ومالية واجتماعية، تعاني منها معظم الدول العربية والإسلامية منذ أكثر من عشر سنوات، حيث تنتشر الأزمات والحروب والصراعات، وقد تركت هذه الصراعات مئات آلاف الضحايا وخسائر بمئات مليارات الدولار وآثارا كبيرة على البنى التحتية
وتضاف
إلى الزلازل والهزات الطبيعية التي تواجه دول المنطقة، هزات سياسية واقتصادية
ومالية واجتماعية، تعاني منها معظم الدول العربية والإسلامية منذ أكثر من عشر
سنوات، حيث تنتشر الأزمات والحروب والصراعات، وقد تركت هذه الصراعات مئات آلاف
الضحايا وخسائر بمئات مليارات الدولار وآثارا كبيرة على البنى التحتية. ولا زلنا
إلى اليوم نعيش في كل هذه الأزمات، ومعظمها من صنع الحكام أو القوى السياسية والحزبية
أو الحكومات المتسلطة على الشعوب وبسبب غياب الحكم الصالح والحريات وحقوق الانسان
الحقيقية.
وفي
قلب هذه الزلازل والهزات الطبيعية والسياسية، نعيش أيضا في ظل صراع مستمر في
فلسطين المحتلة، حيث تشكّلت حكومة يمينية متطرفة وهي من أشد الحكومات الصهيونية
تطرفا، حيث نشهد تصاعد أعمال المقاومة في مواجهة أعمال التهويد والاستيطان
واستهداف المقاومين والأسرى؛ ووضع قوانين جديدة تتيح قتل المقاومين وممارسة أعمال
عدوانية جديدة ضد الشعب الفلسطيني.
كل
هذه الأجواء تؤكد أن المنطقة كلها تعيش في حالة غليان، ولا يمكن لبلد معين أن يكون
بعيدا عن آثار هذه الزلازل والهزات الطبيعية أو السياسية. وقد تأكد لنا بالأدلة
الواضحة والتي لا يمكن إنكارها أننا جميعا في مركب واحد، وما يحدث في بلد عربي أو إسلامي
ينعكس على كل دول المنطقة، سواء شهدنا تطورات سياسية أو أمنية أو طبيعية، وكأننا
مرتبطون بشريان حيوي واحد لا يمكن قطعه مهما برزت من حدود سياسية مصطنعة أو كيانات
سياسية أنشأها الاستعمار في بدايات القرن العشرين؛ بعد إسقاط الخلافة العثمانية واتفاق
سايكس بيكو وقيام الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة من خلال وعد بلفور البريطاني.
نحن إذن
نعيش في عالم واحد تتداخل فيه الهموم والأزمات وتنعكس علينا جميعا نتائج الهزات
الطبيعية والسياسية، وكل ذلك يتطلب منا مقاربة جديدة لواقعنا وكيفية مواجهة كل هذه
التحديات، لأن العالم لا يهتم بنا وغير مستعد للتخلي عن مصالحه من أجل الوقوف إلى جانبنا،
بل إن الدول الكبرى تستغل دولنا وشعوبنا لتحقيق مصالحها وخوض حروبها على أراضينا،
ونحن ندفع الثمن من ثرواتنا وشعوبنا وممتلكاتنا.
نعيش في عالم واحد تتداخل فيه الهموم والأزمات وتنعكس علينا جميعا نتائج الهزات الطبيعية والسياسية، وكل ذلك يتطلب منا مقاربة جديدة لواقعنا وكيفية مواجهة كل هذه التحديات، لأن العالم لا يهتم بنا وغير مستعد للتخلي عن مصالحه من أجل الوقوف إلى جانبنا، بل إن الدول الكبرى تستغل دولنا وشعوبنا لتحقيق مصالحها وخوض حروبها على أراضينا
وإذا
كان من الصعب العودة إلى توحيد هذه المنطقة ضمن دولة واحدة، كما كان يحلم الكثيرون،
سواء من دعاة الوحدة الإسلامية أو الوحدة العربية أو إعادة الخلافة الإسلامية، فإنه
على الأقل علينا إعادة البحث مجددا في كيفية التعاون والتكامل كي نكون قادرين على
مواجهة مختلف التحديات الطبيعية والسياسية.
وللأسف
فإن المنظمات الإقليمية أو القومية أو الإسلامية كجامعة الدول العربية ومنظمة
التعاون الإسلامي والمجالس العربية المتنوعة، لم تنجح في تقديم الحلول المطلوبة
حتى الآن، وهي فشلت في مواجهة مختلف التحديات، مما يتطلب إعادة تقييم دورها
وفعاليتها، لكن تضامن الشعوب فيما بينها بأشكال مختلفة كان أقوى من الحدود
والكيانات، وهذا برز بوضوح خلال الأيام الماضية في مواجهة الزلازل والهزات، وسابقا
في التضامن مع الشعب الفلسطيني خلال مونديال قطر وفي مواجهة التطبيع مع الكيان
الصهيوني، وكان يبرز دائما في أوقات الحروب والصراعات. وقد يكون هذا التضامن بين
الشعوب تراجع أحيانا بسبب الأزمات التي تعرضت لها الدول العربية والإسلامية، ولكن
رغم ذلك فإن هذا الشعور التضامني والتكاملي يعود ويبرز مجددا.
نحن
اليوم بحاجة إلى إعادة قراءة التطورات والأحداث، وينبغي أن تشكّل هذه الهزات
والزلازل الطبيعية والسياسية رسالة لنا بإعادة التفكير في كيفية مقاربة التطورات
والأزمات، وهي رسالة للحكام والحكومات والأحزاب والحركات وكل شعوب المنطقة بأننا جميعا
في مركب واحد، وسقوط دولة يعني سقوط المنطقة كلها، والأزمات التي تواجهها دول
المنطقة تنعكس عليها جميعا.
والعالم
اليوم مشغول عنا بهمومه ومشاكله ولا يفكّر بنا إلا كمصدر للغاز والنفط، طبعا لا
يعني ذلك التخلي عن دورنا الإنساني والعالمي، لكن علينا على الأقل إعادة ترتيب
أوضاعنا بمنطق جديد وأسس جديدة تقوم على قاعدة التكامل والتعاون ونبذ الخلافات
والصراعات، وبناء دولنا على أسس سليمة تؤمن للشعوب حقوقها الكاملة من حريات وتنمية
والحق في اختيار من يمثلها والعيش بكرامة.
إن ما
يجري من هزات وزلازل طبيعية وسياسية يجب أن يدفعنا جميعا للتفكير بعقل جديد
ومقاربة جديدة للأوضاع، فهل تكون هذه الكوارث رسالة لنا للخروج من هذا المأزق وإعادة
بناء أوطاننا ودولنا على أسس جديدة؟ أم إنها الإشارة إلى أن ما وصلنا إليه من أزمات
هو نتيجة لممارستنا وأعمالنا، ونحن بحاجة لهزات أخرى تعيدنا إلى وضعنا الطبيعي كأمة واحدة لا تقف الحدود السياسية مانعا أمام توحد وتعاون شعوبها فيما بينها؟
twitter.com/kassirkassem