كتاب عربي 21

من يحكم تونس فعلا؟

نور الدين العلوي
عربي21
عربي21
لا يستغربنّ قارئ هذا السؤال وإن بدا لوهلة بلا سياق تاريخي، فعلى الورق لا تزال تونس دولة ولها قيادة سياسية وتزعم الدفاع عن سيادتها بين الدول. لكن هل أن القيادة الظاهرة هي القيادة الحقيقية؟ أم أن هناك قيادات خفية؟ وجب قبل ذلك توضيح سبب السؤال.

الجو المخيم في تونس حزين ويزيده حزنا جهل الناس بما يجري حولهم، فالسلطة القائمة شكلا تتصرف طبقا لخريطة لا يفك شفراتها أحد. بما يشعر قطاعا واسعا من المتابعين أن هناك سلطة أخرى تأمر وتنفذ، والأهم أن ما ينفذ يتم في اتجاه تصحير الحياة السياسية وإفقادها كل قدرة ذاتية على التجدد والتطور نحو أفق مفهوم وقابل للعيش. هل هي قوة داخلية ولها خطة، أم هي أيادي داخلية تحركها قوة خارجية؟

تونس الآن وهنا بلد للأسئلة الحائرة لا يكون فيها على يقين إلا غافل أو غبي، سنجمع ما نظنه جوابا ولن ندعي يقينا من شيء.

أزمة ليست خافية وهي مركبة ومعقدة، فظاهرها سياسي وباطنها اقتصادي واجتماعي وكل هذه الأبعاد تراكمت حتى صار الفرز بينها يتطلب جهدا منهجيا كبيرا

الأزمة وتدويلها

الأزمة ليست خافية وهي مركبة ومعقدة، فظاهرها سياسي وباطنها اقتصادي واجتماعي وكل هذه الأبعاد تراكمت حتى صار الفرز بينها يتطلب جهدا منهجيا كبيرا. هناك جانب من الأزمة موروث مما قبل الثورة، ويمكن للمؤرخين تأصيله في دولة الاستقلال نفسها ونمط التنمية غير المتوازن الذي انتهجته وراكمت فوقه سوء الإدارة السياسية لمجتمع شاب ونشط ومتعلم.

ورثت الثورة كل ذلك ولم تعالج جذور الأزمة فراكمت بدورها فوق ما هو موروث، وكان الظن أن انتخابات 2019 تعد بحل وكانت نسبة المشاركة العالية في انتخابات الرئيس خاصة تحمل بشارات حماس وتوافق وطني، لكن الرئيس المنتخب قلب ظهر المجنّ لناخبيه وللبلد وظل يتصرف طبقا لأجندته الخاصة التي تنتهي بالبلد الآن إلى تعميق كل أبعاد الأزمة بما يدفع إلى التدويل. وقد سبق أن كتبنا أن تفكيك كل هذه المعضلات سيكون بيد خارجية وإن تدبرت لها أيد محلية للتنفيذ. هل أن ما يجري الآن هو بعض خطوات الحل الدولي لأزمة محلية في بلد يزعم السيادة؟ نرجح ذلك ونحاول التبيّن.

قوى كثيرة تتصارع حول تونس

اللحظة تظهر أمامنا قوى دولية مؤثرة وتملي أو توجه وتحرك أياديها في الحل بما يجعل رأس السلطة الظاهر في المشهد بلا نفوذ حقيقي وإن رفع صوته بلعن الشعب

قد يكون السؤال في محله من لم يتدخل في الشأن التونسي بعد؟ فحتى حفتر دخل ذات يوم القصر الرئاسي مسلحا وجعل الرئيس الباجي يرتجف، لكن اللحظة تظهر أمامنا قوى دولية مؤثرة وتملي أو توجه وتحرك أياديها في الحل بما يجعل رأس السلطة الظاهر في المشهد بلا نفوذ حقيقي وإن رفع صوته بلعن الشعب.

نرى فرنسا قوة تدخل وتأثير فعال بعد (وربما أبدي) ولها أنصار أو أياد. كل السلوك السياسي الفرنسي الرسمي والشعبي يثبت أن تونس لا تزال في الذهن السياسي الفرنسي محمية، أو بالأحرى مستعمرة ضمن النفوذ التاريخي للإمبراطورية. لفرنسا أياد اقتصادية تمسك بخناق البلد الاقتصادي ولها في الأجهزة الأمنية ما يجعل تونسيين كثر يقولون الداخلية مُلك فرنسا، وقد سماها برنامج تامر المسحال بالاسم (وما خفي عنا أعظم مما كشف لنا).

لكننا لا نستشعر حركة فرنسا وحدها فهي لم تعد وحدها، فكل الألسن تنطلق الآن بالحديث عن طموح أمريكي في شمال أفريقيا وتونس تمثل نقطة استراتيجية للعبور نحو أفريقيا، وربما تمثل مكانا وسطا في حوض المتوسط تزداد أهميته الاستراتيجية إذا خفف الأمريكيون وجودهم في الشرق وأعادوا الانتشار ضمن خطط تصدي للصين وروسيا. ولا يمكن التحرك الأمريكي في المنطقة بوجود نفوذ فرنسا قوي، هنا يزدهر الحديث عن علاقة الجيش التونسي بأمريكا فهي من تسلح الجيش وتدربه، غير أني لا أستسهل القول الشائع بأن الجيش هو يد أمريكا في تونس ولكن الواضح أن الجيش ليس بيد فرنسا.

لا نستشعر حركة فرنسا وحدها فهي لم تعد وحدها، فكل الألسن تنطلق الآن بالحديث عن طموح أمريكي في شمال أفريقيا وتونس تمثل نقطة استراتيجية للعبور نحو أفريقيا، وربما تمثل مكانا وسطا في حوض المتوسط تزداد أهميته الاستراتيجية إذا خفف الأمريكيون وجودهم في الشرق وأعادوا الانتشار ضمن خطط تصدي للصين وروسيا. ولا يمكن التحرك الأمريكي في المنطقة بوجود نفوذ فرنسا قوي، هنا يزدهر الحديث عن علاقة الجيش التونسي بأمريكا

وليست القوتان العظميان وحدهما، فهناك الجزائر التي يرى بعض قادتها أن تونس مجرد ولاية جزائرية وقد بات من الأكيد أن أكبر داعم لنظام قيس سعيد وربما قبل انقلابه على التجربة الديمقراطية هو حاكم الجزائر الذي يحرك جيشا قويا. والخطاب الرسمي الجزائري وإن أظهر الاحترام لسيادة البلد الآن، فإنه يشي بطموح إلى الهيمنة سواء بتنصيب موالٍ أو بالتدخل المباشر.

وبين القوى الثلاث خلافات حول تشخيص الأزمة وطبيعة الحل، لكنها متفقة على أن الحل لن يكون داخليا وهي تشرع لنفسها التدخل وترى نفسها في موضع الفرض على التونسيين العاجزين.

التدخلات الخارجية هل تفسر الوقائع الداخلية؟

هذا رائج الآن في الساحة التونسية خاصة في غياب إعلام نزيه وشجاع. فرنسا اشتغلت على نخبتها وألفت بداية حل باسم خيام التركي بصفته وجها غير مستهلك ولم يتورط في الحكم في العشرية، فضلا على أنه يملك كاريزما الشكل والثقافة الفرنسية ويعطي انطباعا بأنه شخصية مستقلة. وتوحي الاعتقالات التي أعقبت اجتماعاته التشاورية بأنه وضع يده مع نخبة الساحل الاقتصادية والسياسية ضمن خطة مشابهة لخطة بن علي، أي دون تشريك حزب النهضة (ومن ناصره وخاصة جبهة الخلاص) فعندما تُغيَّب النهضة نستشعر اليد الفرنسية بلا جدال. من أسقط الخطة الفرنسية بالاعتقالات؟ ومن اعتقل من؟

هل هي الجهة الأمريكية والسفير الجديد الذي جاء (بكل حزم) وحرك الجيش ومخابراته؟ هل هي الجزائر التي تستبق الحل الفرنسي لتحفظ حقها في "الولاية التونسية"؟ فالمخابرات الجزائرية نشطة في تونس وهذه معلومة متاحة ومكشوفة للكثيرين.

هنا يزداد الأمر غموضا، فإذا كانت فرنسا وجدت نخبة تؤلف منها حلا فإننا لا نعرف على من ستعتمد الجزائر أو الولايات المتحدة لتؤلف حلها للأزمة. هل علينا توقع اعتقالات أخرى في هذا الصف أو ذاك لنعرف بقية الأطراف الداخلية التي تتحرك ضمن الأجندات الخارجية؟

هل أن "إخضاع" النقابة يأتي ضمن خطة لبرلة أمريكية تريد تحويل البلد عن دولة الريع المسماة دولة اجتماعية ثم تمويلها ضمن هذا الأفق الليبرالي؟ هل يتم ذلك ضمن خطة الرئيس الخاصة لإلغاء كل الأجسام الوسيطة وفرض خياره الشعبوي المباشر؟

المزيد من الريبة

إننا لا نتعمد هنا الإبقاء على الريبة (أو نختلقها) وإنما نحن نكتب في غياب معلومات لا أظنها متيسرة لكثيرين من خارج منظومة الأمن والدفاع ومن خارج نوايا الرئيس، وطبعا من خارج كل نوايا المتدخلين وفاعلية أدواتهم الداخلية المحتملة.

هل أن "إخضاع" النقابة يأتي ضمن خطة لبرلة أمريكية تريد تحويل البلد عن دولة الريع المسماة دولة اجتماعية ثم تمويلها ضمن هذا الأفق الليبرالي؟ هل يتم ذلك ضمن خطة الرئيس الخاصة لإلغاء كل الأجسام الوسيطة وفرض خياره الشعبوي المباشر؟ (وهو الأمر الذي ينسف كل ما ظنناه أو توقعناه من خطط خارجية)؟ ما هي القوة المالية المتاحة للرئيس وحكومته لفرض هذا الخيار الجذري، خاصة والأزمة الاقتصادية تستفحل على أبواب شهر رمضان حيث ترتفع معدلات إنفاق الأسر التونسية؟

إن حيرتنا لفهم ما يجري تزداد ونرتبك إذ ننقلها لقارئ محتمل يحاول فهم الوضع التونسي، لكن هناك يقين بأننا لسنا وحدنا، أي أننا لن نحل أزمتنا بأيدينا وقد نكتفي بدعاء ابن أبي الضياف ذات أزمة حكم سبقت (نسأل الله حسن العاقبة).
التعليقات (3)
عماد
الأربعاء، 22-02-2023 04:49 م
القضية متشعبة ولكن حلها يكمن خاصة لدى الأحزاب السياسية. لو تنازلت هذه الأحزاب عن نرجسيتها تجاه حزب النهضة لوجد حل توافقي باسرع وقت. ولكن غباء هذه الأحزاب التي تدعي اللائكية والشيوعية خاصة مشكلتها ودائها العضال متمكن منها. فعداءها للنهضة وما سمي بجبهة الخلاص لأن فيه حزب النهضة لا مبرر له. يكف مثلا أن تسمع حمة الهمامي في كشف ميديا ينادي باستئصال النهضة دون تبرير ولا تحاور على رؤوس الملأ. ليتبين جلية الخطر المتأتي من توجه حمة الهمامي، هذا لعمري في القياس غريب بل ولا يتماشى لا مع مبدء اللائكية ولا المنطق ولا العلمانية نفسها. والاغرب يريد فرض حل تقدم به سابقا المنصف المرزوقي المنضوي في جبهة الخلاص، ورفض "طلب عدم تسديد تونس لديونها لمدة ما ". لماذا إذا إعادة ما اقترح ؟ أما غازي الشواشي قبل مغادرته خماسي الأحزاب : لا للنهضة، سمعته في شهر أكتوبر على أمواج اذاعة منتكرلو يؤكد للمذيعة، أنه سوف لن يشارك في مسيرة 15 أكتوبر 2022, وانه وخمسته سيقوما بمسيرتهما في الأسبوع القادم ! ولكنهما عدلا عن ذلك ولم يبرهنا عن السبب ! من الناحية الأخرى، رئيس الإنقلاب لا بد وان له سند لمساندة تصرفه الأخرق هذا وضنناها فرنسا في الأول المساندة الخفية لهذا الإنقلاب ! خاصة بعد هزيمتها في ليبيا وارسال اللقاح ضد الكوفيد مباشرة بعد الإنقلاب ! واذا بنا نكتشف أن المتدخلين كثر على رأسهم مخابرات العسكر المصرائيلي، والإمارات المنتهية، والجزإئر ... في الأخير تعسون بصدد استغلال العداء المرضي للنهضة، ورغم محاولة تقزيم القضاء لم يظهر تورطها في أي قضية الى الآن، لمحاولة فرض وجوده مع جوقته من الوطد والوطش والوطز والفاشية ومن يختفي ورأها ورأينا في مسيرات تعسون يظهر زبانية التجمع المساندين له. بقيت النقابة التي كانت تمول من طرف النظام المقبور وجدت نفسها بعد سقوطه بلا عائل. فأخذت تفتش عن مكان لها فقامت بما يعادل الأربع وثلاثين ألف إضرابا فيما سموها "العشرية السوداء. و رغم ذلك لم تجد لنفسها مكانا. و اذابرئس الإنقلاب يحاول تقزيمها هي الأخرى ، بإثارة ملفات فساد ضدها (خمسة نقابي ادينوا مؤخرا بتهمة : “تزوير” وتلاعب بالأموال: السجن في حقّ 5 نقابيين حسب موقع الرأي الجديد بتاريخ 21/02/2023) . هذا رئيس الإنقلاب الذي خان ثقة منتخبيه و "قلب ظهر المجنّ لناخبيه وللبلد وظل يتصرف طبقا لأجندته الخاصة" لا يمكن إيقافه عند حده إلا الاحزاب السياسية مع احترام المواطنين و تقديم مصلحتهم قبل مصلحة الأحزاب ولا يكون هذا إلا بإرجاع الممثل خير تمثيل للشعب ولا لسياسة تعسون ولجماعته المفسدين في الأرض ألا وهو البرلمان.
العرض و الطلب
الأربعاء، 22-02-2023 07:15 ص
عندما نقتنع آننا آمام أسواق و ليست دول يسهل علينا فهم من يحكمها المشكلة آن الجيوش و الشرطة يقومون بالبيع والنهب و ليس بحراسة الأسواق.
متابع
الثلاثاء، 21-02-2023 06:28 م
التوقعات كثيرة، في ظل الغموض الذي تحدثت عنه، ولا أظن أن القادم سيكون أفضل مما هو كائن، سيأتي رئيس آخر تابع لفرنسا أو بالتوافق مع الولايات المتحدة، لكن المؤكد الوحيد كما أظن أن قيس سعيد لن يبقى على رأس الدولة، وسوف يتم إنهاء حكمه، لا سيما وهو يتحدى الولايات المتحدة، ويرفض أي توجيه أو تذكير أو تنبيه أو نصيحة تأتي من البيت البيض أو البيوت الصغيرة الأخرى في أمريكا، ناهيك عن رفضه لكل ما يصدر عن هيئات الأمم المتحدة.. أتخيل بأن فرنسا لن تستطيع الوقوف في وجه أمريكا أو منازعتها في الشأن التونسي، وهذا ما سنجده قريبا حقيقة واقعة والله أعلم.