قررت حكومة
الاحتلال الإسرائيلي برئاسة بنيامين نتنياهو، تشديد
العقوبات الجماعية ضد
المقدسيين بدءا من حملات الاعتقال وصولا لـ"مجزرة الهدم" التي تصاعدت في الآونة الأخيرة، ضمن مخططات تهويد المدينة المقدسة.
واتخذت حكومة الاحتلال قرار العقوبات الجماعية، بعد مقتل سبعة مستوطنين في عملية إطلاق نار نفذها الشهيد خيري علقم في 27 كانون الثاني/ يناير الماضي.
وبدأت بلدية الاحتلال في
القدس بهدم منازل الفلسطينيين التي كانت جمدت هدمها على مدار الأشهر الماضية لأسباب قضائية، وشرعت بحملة مخالفات مرورية وضريبية وصفها المقدسيون بالشرسة.
كما نفذت حملة اعتقالات طالت مئة فلسطيني من المدينة خلال ثلاثة أيام، فيما قامت بتطبيق قرار إغلاق منزل منفذ العملية بعد ساعات قليلة من استشهاده، علاوة على اعتقال والديه وأفراد عائلته واستمرار احتجاز جثمانه.
ويرى المراقبون، بأن الإجراءات الإسرائيلية تهدف لضرب معنويات المقدسيين بعد العمليات الأخيرة، والتي شكلت ضربة صادمة للأمن الإسرائيلي في أكثر المدن التي يراها خاضعة له بالقوة العسكرية التي يفرضها على أهلها.
وصباح الاثنين، هدمت سلطات الاحتلال منزل المواطن المقدسي إبراهيم بشير في بلدة جبل المكبر شرق القدس المحتلة.
قبل عدة أشهر كانت هددت بلدية الاحتلال في القدس عائلة بشير بهدم منزلها بالجرافات التابعة لها إن لم تقم بعملية "الهدم الذاتي"، وذلك تحت الحجة المعهودة "عدم الترخيص"، رغم رفض البلدية ذاتها إصدار تراخيص لبناء منازل الفلسطينيين في القدس.
اظهار أخبار متعلقة
وأوضح المقدسي إبراهيم بشير لـ "عربي٢١" أنه رفض هدم منزله بيده وبقي يحاول عن طريق محاميه تجميد أي قرار للهدم تتخذه بلدية الاحتلال، ولكنه تلقى اتصالا منها بعد تنفيذ الشهيد حسين قراقع عملية الدهس يوم الجمعة الماضي، والتي أسفرت عن مقتل ثلاثة مستوطنين وإصابة أربعة آخرين.
وأضاف: "كان الاتصال عبارة عن تهديد بهدم منزلي ومنزليْ أبنائي في أقرب وقت، وعلمت بأن البلدية تنوي هدم خمسة منازل في القدس، وأن منازلنا ستكون منها بعد تهديدي بذلك".
على مدار ساعات قام إبراهيم وأفراد عائلته بإخلاء محتويات ثلاثة منازل له ولنجليه المتزوجيْن، حيث تبلغ مساحة منزله ١٤٠ مترا مربعا ويقطن فيه عشرة أفراد معظمهم من الأطفال.
ومع ساعات الصباح الباكر بدأت آليات الاحتلال بالتحرك نحو بلدة جبل المكبر الواقعة إلى الشرق من القدس، وحاصرت منازل عائلة بشير وشرعت بهدم بعضها فيما لم تنجح بالوصول إلى منزل إبراهيم بسبب ضيق الطريق الترابي المؤدي إليه، فقامت الجرافات الإسرائيلية بهدم سور استنادي لجاره أمجد جعابيص كي تتمكن من الوصول للمنزل وهدمه.
وقالت أم أدهم بشير لـ"عربي٢١" إنها شاهدت الجنود منذ ساعات الصباح يحاصرون المنازل فعلمت أن عملية الهدم ستتم، وسمحت لنفسها بسرقة نظرات سريعة في المنزل الذي تحول بعد ساعات إلى ركام.
لم تجد أم أدهم سوى الدعاء والتكبير والهتاف خلال تنفيذ الهدم للتعبير عن غضبها وحزنها، ولكنها في الوقت ذاته أكدت أن ذلك لن يغير شيئا في حياة المقدسيين، "فالهدم يزيدهم قوة وإصرارا على البقاء في مدينتهم رغم كل التحديات التي يفرضها الاحتلال".
ولم تقتصر عملية الهدم على تسوية المنازل بالأرض، بل قام جنود الاحتلال بالاعتداء على العائلات ما تسبب بإصابة ١٥ مقدسيا على الأقل، كما تم اعتقال آخرين بتهمة "محاولة عرقلة القوات خلال عملية الهدم"، أما الشبان في بلدة جبل المكبر فقاموا بإحراق مكاتب تابعة لبلدية الاحتلال ردا على هدم المنازل.
المدينة تحت الإجراءات العنصرية منذ احتلالها
وشدد مراقبون في القدس، بأن الإجراءات العقابية ليست وليدة اللحظة، فالمدينة تعيش تحت الاحتلال وإجراءاته العنصرية منذ احتلالها بأكملها عام ١٩٦٧، ولم تتوقف فيها عمليات الهدم للمنازل أو حملات الاعتقال أو إصدار المخالفات لأسباب غير مقنعة.
ورأى رئيس لجنة أهالي أسرى القدس أمجد أبو عصب بأن الاحتلال يقوم بمثل هذه الإجراءات بين الحين والآخر ولكنه لا يتوقف عنها حتى في الأيام الهادئة نسبيا.
اظهار أخبار متعلقة
وأوضح لـ"عربي٢١" بأن هذه القرارات التي اتخذها الكابينت الإسرائيلي مؤخرا زادت من صعوبة حياة المقدسيين القاسية أصلا، حيث لم تتوقف عمليات الهدم على مدار الأعوام الماضية بل سجلت خلال العام الماضي نسبة متزايدة لوتيرة هدم المنازل أو إخطارها بذلك.
ويعتقد أهالي بلدة جبل المكبر أن تسريع هدم عدد من المنازل فيها بعد عملية القدس ليس إجراء عقابيا بقدر ما هو محاولة لتنفيذ مشروع تهويدي يسمى "الشارع الأمريكي" الذي سيلتهم مساحات من أراضي البلدة، وأن الاحتلال كان ينفذ "بصمت" عمليات هدم مستمرة لمنازل المقدسيين في البلدة لصالح هذا المشروع الذي يخدم المستوطنين.
ويقول أبو عصب إن حملة الاعتقالات التي نفذتها شرطة الاحتلال الإسرائيلي في القدس مؤخرا طالت ما يقارب مئة مقدسي بينهم نساء وفتية، وأن معظمهم اعتقل لأسباب "كيدية" كالترحم مثلا على روح الشهيد علقم أو ذكر مناقبه.
وأضاف أن الاعتقالات في القدس لم تتوقف، فهي المدينة الأكثر تسجيلا للاعتقالات في كل عام، ولكن الحملة الأخيرة تهدف إلى زرع الخوف لدى المقدسيين ومنعهم من التعبير عن رأيهم خاصة الفتية منهم.
"وتلي عمليات الاعتقال عادة إجراءات قضائية بطيئة يتعمد فيها الاحتلال المماطلة من أجل إمعان التضييق على المعتقلين، مثل تمديد اعتقالهم عدة مرات أو تحويلهم في نهاية المطاف وبعد معاناتهم من الاعتقال إلى الحبس المنزلي"، كما يذكر أبو عصب.