زار وفد إسرائيلي
السودان الخميس، برئاسة وزير خارجية الاحتلال إيلي كوهين، والتقى رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح
البرهان، وأكد اتفاقهما المضي قدما بالتطبيع.
وأكد كوهين أن الزيارة جاءت وتمت بموافقة أمريكية، وأن الجانبين السوداني والإسرائيلي وضعا اللمسات الأخيرة على نص اتفاقية التطبيع، مضيفا أن حفل التوقيع سيكون بعد نقل السلطة بالسودان إلى حكومة مدنية.
وفيما لم يصدر المجلس العسكري أي تعقيب حول زيارة الوفد الإسرائيلي، فاجأ نائب رئيس المجلس، وقائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو "حميدتي" الجميع، بقوله؛ إنه لم يكن على علم بالزيارة، ولم يلتق الوفد الإسرائيلي.
وكان عبد الفتاح البرهان التقى في شباط/فبراير 2020 برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين
نتنياهو، في مدينة عنتيبي الأوغندية.
كذلك قال البرهان في تشرين الأول/أكتوبر من العام نفسه؛ إنه "لا يمكن الفصل بين التطبيع مع إسرائيل ورفع اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، نافيا تعرض بلاده لابتزاز أمريكي أو ضغوط من الدول الخليجية التي طبعت مع تل أبيب".
ودفع التباين في الموقف بين لقاء البرهان مع كوهين ونفي حميدتي علمه بالزيارة، للتساؤل حول ما إذا كان التطبيع الرسمي بين إسرائيل والسودان قد أصبح وشيكا.
تباين بالتوقعات
رجح المدير الأسبق للشؤون الأفريقية في مجلس الأمن القومي الأمريكي، كاميرون هدسون، أن "يتم التوقيع على اتفاق تطبيع رسمي بين إسرائيل والسودان في وقت قريب جدا".
وأوضح هدسون خلال حديثه لـ"عربي21"، أن "هذا التطبيع سيأتي قريبا؛ لأنه في ظل الحكم العسكري لا داعي للجدل والنقاش من الجانب السوداني، بينما لو كان هناك حكومة مدنية في الحكم، من المفترض أن يكون هناك بعض النقاش العام حول قرار بهذه الأهمية، ولكن هذا أمر يمكن للجيش القيام به وحده".
بالمقابل، يرى المحلل السياسي ومدير المركز السوداني لحقوق الإنسان وحرية الإعلام، أمية يوسف أبو فداية، أن "التطبيع الرسمي لن يحدث قريبا، ولن نرى توقيعا رسميا على هذا الاتفاق"، مؤكدا أن "المجلس العسكري جلس مع الإسرائيليين نتيجة لضغوط ووعود إمارتية".
وأوضح أبو فداية لـ"عربي21"، أن "المجلس العسكري الذي يحكم السودان الآن منفردا منذ عام، رغم توقيعه اتفاقيات ومواثيق مع المكون المدني، يصر على التطبيع الذي ما زال عبارة عن علاقة أمنية فقط، حيث لم تلتقِ أي جهة مدنية سواء وزراء أو غيرهم بالوفود الإسرائيلية".
وأكد أن "العلاقات بين الجانبين حتى الأمس ما زالت في إطار السرية، وهذا دليل على عدم قبول الشارع لها، كذلك الدولة حاليا أضعف من الشعب والشارع، ومن ثم لن تستطيع فرض أي أجندة إلا لو ساعدتها جهة مدنية".
ولفت إلى أن "إسرائيل ليست مستعجلة على توقيع اتفاق تطبيع كامل مع حكومة ضعيفة يمكن أن تغادر في أي لحظة، فهي دائما توقع اتفاقيات مع حكومات شمولية وديكتاتورية ومسيطرة على وضعها الداخلي ومستقرة، بالمقابل المجلس العسكري لا يمتلك أوراق الضغط المطلوبة".
لا ثمار سياسية واقتصادية
الخبيرة السياسية والمديرة المؤسسة لمركز "Confluence Advisory" للأبحاث، خلود خير، رأت أن "التطبيع بين الجانبين قد تم بالفعل، ولكن بشكل جزئي وليس كاملا ورسميا، فعلى سبيل المثال، لم يشارك السودان في منتدى النقب منذ التطبيع اسميا مع إسرائيل في كانون الثاني/يناير2021".
وحول تأثير التطبيع لو أصبح رسميا على الاقتصاد والسياسية السودانية الداخلية، قالت خير لـ"عربي21": "لا أتوقع أن يؤثر اتفاق التطبيع الكامل مع إسرائيل على السودان في الجانب الاقتصادي، فالضمانات الاقتصادية للتوقيع على الاتفاق في المقام الأول لم تصدر من قبل إسرائيل، ولكن من قبل إدارة ترامب".
إظهار أخبار متعلقة
وأضافت: "لكن ربما توقع جنرالات السودان أن هذه الخطوة تساعدهم على إنهاء فتور العلاقة مع واشنطن الذي أعقب الانقلاب، وتقربهم من الإدارة الأمريكية، ولكن في الوقت نفسه مع توقع زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف للخرطوم الأسبوع المقبل، قد لا يكون لاتفاق التطبيع هذا التأثير الاقتصادي المطلوب".
وأشارت إلى أن "وجود جنرالين حاكمين في الخرطوم "البرهان وحميدتي"، وأن لكل منهما سياسات خارجية خاصة به، فإن هذا التباين بينهما ينعكس في زيارة داعميهما للخرطوم، حيث تدعم كلٌّ من مصر وإسرائيل البرهان، بالمقابل تدعم تركيا وروسيا حميدتي".
وحول التأثير السياسي قالت خير: "تسويق التطبيع مع إسرائيل للشارع السوداني، أسهل بكثير بالنسبة لحكومة مدنية مما هو عليه بالنسبة للمجلس العسكري، ولذلك أعتقد أن العسكر سيطبعون مع إسرائيل أمنيا فقط، بدلا من التركيز على التعاون الزراعي والتكنولوجي بين الحكومات".
وأوضحت، أنه "لذلك سيكون هناك القليل من المكاسب المدنية نتيجة للتطبيع، وكما هو الحال اليوم في لعبة شد الحبل بين البرهان وحميدتي، تعمل الاتفاقية الأمنية بين إسرائيل والسودان على إفادة أحدهما على حساب الأخر، مما يجعله خطرا آخر على احتمالات عودة الحكم المدني".
من جهته، يعتقد أبو فداية أن "المجلس العسكري يريد أن يكون جزءا من الحكم في الفترة المقبلة، ولذلك يراهن على التطبيع مع إسرائيل، ولكن برأيي سيكون تأثير التطبيع على الوضع السياسي الداخلي ضعيفا جدا؛ لأن تل أبيب لم تقدم أي مبادرة سياسية إلى الآن للإصلاح والاستقرار السياسي في السودان".
وتابع: "وعلى الرغم من أن هناك جهات مدنية صغيرة تؤيد التطبيع وتدعم الخطوات التطبيعية للمجلس العسكري، إلا أن الواقع يقول بأن الأخير لا يتعامل مع إسرائيل في الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ولهذا الأثر سيكون صفرا".
وأوضح أن "التأثير الاقتصادي للتطبيع على السودان سيكون ضعيفا جدا، خاصة أنه لا بد من وجود مشاريع اقتصادية وسياسية تُفرض على المنطقة فرضا؛ لأنه في كل الدول التي سبقتنا في التطبيع كان هناك فرض للاتفاقيات، التي لم تصب في مصلحة هذه الدول".
بدوره، أكد الدبلوماسي الأمريكي السابق، كاميرون هدسون، أن "اتفاق التطبيع سيعزز موقف البرهان في المنافسة مع نائبه دقلو "حميدتي"، حيث سافر الزعيمان إلى عدة دول في المنطقة، في محاولة لبناء تحالفات معها، وبهذا الاتفاق يضمن بلدا قويا آخر في صفه، كما أن إسرائيل تدعم وتساعد البرهان مع الإمارات، وربما حتى مع واشنطن".
وأوضح أن "السودان لن يجني مكاسب اقتصادية كبيرة من التطبيع، وذلك لأن إسرائيل لا تمتلك ميزانية مساعدة خارجية كبيرة، ولكن قد يعدون البرهان ببعض الاستثمار التجاري أو الدعم الإنساني المتواضع، إلا أن ذلك سيتم لأسباب سياسية بحتة في السودان".
موقف الترويكا
تشكلت الترويكا التي تضم في عضويتها، (المملكة المتحدة والولايات المتحدة والنرويج) عقب انقلاب البرهان في 25 تشرين أول/أكتوبر 2021، وهي بدورها عارضت الانقلاب وطالبت بعودة الحكم المدني.
ولكن في ظل تقارب المجلس العسكري مع إسرائيل الحليفة لدول الترويكا، كيف سيكون موقف الأخيرة من التطبيع، وكيف ستكون علاقتها مع البرهان والنظام الحاكم حاليا؟
يعتقد هدسون أن "إسرائيل لم تتخذ هذه الخطوة دون التشاور أولا مع واشنطن"، ولا يرى أن "دور الترويكا سيتأثر سلبا هنا، طالما بقيت على اطلاع ويمكنها المساعدة في تقديم المشورة لإسرائيل".
وأكد أنه "لن يكون مفيدا للجيش استخدام هذه الخطوة لإحكام قبضته على السلطة، فالمكون العسكري، وتحديدا البرهان، يسعى للحصول على الشرعية وقوة موازية لطموحات وقوة حميدتي، ولكن إذا استخدم هذا التطبيع لقمع الجماعات المؤيدة للديمقراطية، فهذا شيء ستحتاج الترويكا إلى الرد عليه بقوة".
أما الباحثة السياسية السودانية خلود خير، أشارت لخبر في صحيفة هآرتس، أكد "أن الولايات المتحدة تدعم التحركات الأخيرة للسعي إلى تطبيع أكبر، بعد أن شجعت إسرائيل على التوقف عن السعي إلى التطبيع مع الخرطوم بعد انقلاب 2021".
وأضافت: "إذا كانت الولايات المتحدة تدعم هذه الخطوة الأخيرة، فهذا يعني أن وجهة نظر واشنطن ربما تغيرت، وأن هناك دعمًا أكبر للجهات الأمنية في السودان، من أجل درء الدعم الروسي لجنرالات الخرطوم".
وأوضحت خير بأن "البرهان استطاع إقناع الدول الغربية جيدا بأن روسيا تدعم حميدتي ولا تدعمه هو، وأن الأخير يدعم روسيا، ولكن في الواقع موسكو دعمت كلا من البرهان والقوات المسلحة السودانية وحميدتي وقوات الدعم السريع ، ولكن بطرق مختلفة وبدرجات متفاوتة".
وأعربت عن اعتقادها بأن "الإفراج عن قاتل المواطن الأمريكي جون جرانفيل، الذي تصنفه الولايات المتحدة إرهابيا، وزيارة سيرجي لافروف الأسبوع المقبل، سيؤثران على العلاقات الأمريكية السودانية أكثر من زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي".