مدونات

قراءة في السلوك البريطاني

محمد صالح البدراني
عربي21
عربي21
مقدمات

لست بصدد الذهاب للحديث عن التاريخ البعيد لبريطانيا، لكن باعتبارها دولة حديثة تماما عندما أعلنت ما بين 1 أيار/ مايو 1707 و1 كانون الثاني/ يناير 1801 عن عقد البرلمان في 22 كانون الثاني/ يناير. ولندع التغييرات التي حدثت في القرن العشرين بعد تراجع بريطانيا واستقلال المستعمرات، فعندما تتأمل ما يذكرك بالسيدة تاتشر وهي تعبر عن موثوقية عندما تقول: هذا دستورنا لكتاب فريدريش هايك، فهذا يحتاج تأملا؛ لأنه يعتبر خارج الحداثة التي تمثلها الولايات المتحدة التي كانت تاتشر تقول عنها؛ إنها نتاج الفلسفة، بينما بريطانيا نتاج التاريخ. فقد تلاقحت بريطانيا وثقافات متعددة لتكون بريطانيا المختلفة عن بقية الدول الغربية، ولتكون عقليتها مميزة في الغرب.

لكن لنتوقف عند نتاج التاريخ والسمعة التي صنعها إعلام الاستعمار حينها في رفع القيمة، وإشعار أهل المستعمرات بالدونية، وهو من مقتضيات السيطرة عليهم، لكنه أيضا من أسباب الثورة؛ لأنه اتخذ منهجا أصم وهو عكس ما يمكن أن أسميه بـ"التماهي الإيجابي"، عندما اندمجت أقوام متعددة من القبائل الأصلية والأنكلوساكسون والنورمانديين، لتكون أمة لا تتردد أن تجعل من تراثها شخصية كريتشارد قلب الأسد الذي لا يتكلم الإنكليزية، وتعتبره ملكا رغم أن بعض المؤرخين يعتبره يمثل دوقية فرنسية؛ لم يستقر على الأرض بقدر ما خاض من حروب لصالح الفرنسيين، أو قبول فكرة أن يكون رئيس الوزراء أصوله من الهند، وهي المستعمرة القديمة.

بريطانيا وأخطاء التاريخ (الاستعمار للعراق نموذجا):

سبق التخطيط لاستعمار العراق من البريطانيين في الحرب العالمية، ولكن تشكيل العراق بشكله الحالي كان نتيجة لإحدى تطبيقات سايكس بيكو في التحول من التقسيم العرضي إلى الطولي. كانت بريطانيا تخطط قبل الحرب العالمية في ضم ما تسيطر عليه، باعتباره ضرورة مع تطور المدنية ومتطلبات التجارة والمواد الأولية. ربما لم تك بغداد في المخطط هذا، ومن خلال حكم ذاتي أو ضمها إلى حكومة الهند الشرقية التي يديرها البريطانيون، لكن حصول الحرب وضغط المتطوعين الجهاديين مع الدولة العثمانية، أوجد حالة ضرورة لاحتلال البصرة الذي لم يستغرق وقتا، فشجع هذا للتقدم إلى الكوت، التي قاتلت ببسالة، فأتت بريطانيا بقوات انكسرت عند المدائن وأعاد العثمانيون البريطانيين إلى الكوت، لكن لم يكملوا فتتابع التقدم البريطاني إلى الفتحة، وهي حدود ولاية الموصل، ومن ثم دخلت القوات البريطانية سلميا بانسحاب الأتراك دون معارك. ولم تنجح بريطانيا بالملخص لاختلاف لغة التفاهم وفقدان الثقة، ولو سعت منذ البداية لتقوية العراق الغني بالموارد البشرية والطبيعية لبقيت في الصدارة.

بريطانيا كمساحة نصف مساحة العراق، رغم أن سكانها الآن ضعفا سكان العراق، لهذا فهي تستعمر وتبني لحاجتها مما في المستعمرات، فاستثماراتها في الموارد البشرية والطبيعية والجغرافية قائمة لحاجتها، فهي استعمار إن أردنا التمييز عن الاحتلال الذي لا يبني، لكن هذا الأسلوب لم يعد صالحا، ويمكن تحقيق علاقات تكاملية لكل الدول من خلال الاستثمار والتنمية بالمشاركات (J.V).

أخطاء بريطانية:

1- لجوء البريطانيون إلى العنف واستقدام أقوام أخرى تبحث عن إقامة وطن أو مكاسب لقتال أهل الولايات، واستخدام الهند الشرقية في البدء بحركة استعمارية، جعلت من بريطانيا محتلا مشكوكا في سلوكه المدني.

2- استخدام الهند الشرقية لنقل تجربة الحاكم البريطاني من الهند إلى العراق؛ تجاهل لاختلاف الشعب في البلدين من حيث الطبائع والانتماء. ففي الهند أتى الإنكليز وقضوا على حكم المغول الذين كانوا يحكمون الهند، وحلوا محلهم واستطاعوا إدارة التشظي وإقناعهم بالحكم الذي استخدمهم في الجيش وفي الحكومة بوظائف ثانوية، هذا مختلف عن قدومهم إلى دولة فيها مسلمون وتحكمهم منظومة، إن اختلفوا مع حكامها فهم لا يختلفون مع شرعيتها، فكان لا بد أن تدار من أناس يعرفون طبائعها، لا أن تأتي بهنود حاولوا أن ينقلوا عوائلهم ليؤسسوا لحكم البلاد، رغم أن بعضهم ترك بعد ثورة العشرين ليذوبوا في المجتمع العراقي.

3- لم تركز على أن ضباط الملك هم ضباط في الجيش العثماني، لهم رؤيتهم الخاصة من منطلق المملكة الكبيرة التي تضم كل البلاد وليس العراق فقط، فعندما حُصروا في العراق بدأت شكوكهم في نوايا المستعمر ووعوده، ولا شراكة بدون نوايا واضحة وشفافة. وكذلك رؤية سلوك بريطانيا المتجاوز لعصبة الأمم وقراراتها بتغطية إدارة الهند الشرقية، بدل الحكم بصيغة مباشرة جديدة ونوع جديد من الاتفاقيات، وليس تطبيق تجربة تكونت من شعب آخر مختلف الثقافة، فكان عداء الإنجليز للوطنيين لأنهم يعتبرونهم ضد هيمنتهم، رغم أن هؤلاء يمكن أن يكونوا شركاء لمصلحة بلادهم. وعداؤهم لطه الهاشمي وياسين الهاشمي المواليين للملك وغيرهما، هدد النظام لأنهم لم يدعموهما بترددهم الكبير أمام حركة بكر صدقي، الذي كان ضد توجه الملكية في حقيقة الأمر، واعتبر الإنكليز شكوك الأخوين وآخرين من النخبة بنواياهم أمرا مبررا للتردد، وهذا سوء إدارة وفهم للثقافة المحلية، أدى بالنتيجة إلى انحسار طموحاتهم بشركة النفط ليُسَلَّم البلد للعسكر.

عقلية المستعمر أضاعت شريكا أكبر حجما وموارد، ولو أنها استمرت مع أحلام الملك الشهيد وعائلته، حيث بدأ دوار الدم، ولم تأت بالمغامرين كما أتت أمريكا بالفاسدين، لكان مفهوما أنها سياسة كما يُزعم وتفوق في التخطيط، لكن ما نراه كنخبة من مستعمرة سابقة، أن هذا ليس فشلا في السياسة وجمودا عن التطور في ميكانيكية إدارة المستعمرات التي ينبغي أن تتحول إلى شراكات، وليس تسليمها بيد المغامرين والفاسدين، بل هو إرادة إبقاء التخلف وعقلية عدمية لا تختلف جوهريا عن محتل لم يأت ببناء.

الفكرة المركزية من المقال: هنالك اختلاف في لغة الفهم من الأجانب مع أهل البلد، والأدهى بين أهل البلد بينهم وأنفسهم، فبناء الدول لا يأتي إلا بالتفاهم وعقد اجتماعي يتخلى الكل عن أفكاره السلبية والفئوية التي تجعله قابلا للانفجار والاستعمار؛ بتثقيف المجتمع على الاندماج، وهو أمر ليس عسيرا، فالمجتمعات كلها خليط (وبريطانيا نموذجا) تنجح مدنيا في ضفاف العدل، وتفشل إن شحنت بالروابط الهابطة براكين الاختلاف. وضربنا في بداية المقال مثالا على اندماج مع الزمن وتجانس خليط متعاد لا يتجانس، كما أن فكرة الهيمنة التي تحكم عقلية الغرب لا بد أن ترتقي كمطلب من متطلبات الزمن، لتلتفت إلى المشاركات المدنية (J.V).
التعليقات (2)
محمدصالح البدراني
الخميس، 02-02-2023 09:50 ص
اجدت واضفت اخ احمد شكرا لمتابعتك
احمد
السبت، 28-01-2023 07:54 م
مقال جميل جدا فشكرا للاستاذ البدراني لكن هناك مشكله تم تجاوزها وهو بنيه المجتمع البريطاني المستفيد من المستعمرات فهؤلاء بدأوا كعائلات متنفذه في بدايه تكوين شركه الهند الشرقيه اتفقوا مع الحكومه البريطانيه و التاج في نفس الوقت على اطلاق سراح السجناء الذين يريدون الانضمام للشركه و من ثم يشاركون في احتلال البلاد الشرقيه كما يطلق عليه حينها و كان الهدف النهائي الهند .. تماما كما ارسلوا المجرمين لاستعمار امريكا . هؤلاء نالوا حرياتهم و رواتب جيده مقابل كسب الثروه بالتجاره و نهبها من المستعمرات الجديده و كانت هذه الاموال هي ارباح المشروع الاستعماري للبرجوازيه و الطبقه الارستقراطيه البريطانيه .. مع مرور الوقت دخلت على الخط الاحزاب و بعض المتنفذين فيها لنهش جزء من الكعكه و لتظهر في الوقت نفسه امام الشعب انهم يعملون من اجل بريطانيا ( العظمى ) لهذا السبب لم تكن العقليه المتنفذه في بريطاني يوما تريد شراكه اوتنظيم علاقه متوازنه مع شعوب المستعمرات بل كانت العلاقه دائما هي القتل و الاهانه و الاذلال و عندما يجدون انها لن تنجح يظهرون نوعا من التنازلات الكاذبه على شكل اتفاقيات كالتي حصلت في مصر و العراق خلال العهد الملكي .. اما من هاجر لبريطانيا فهذا له رؤيه اخرى ان كان من طبقه ارستقراطيه في بلاده بعيده عن الوطنيه بل يؤمن بان البلد التي اتى منها لا تساوي قشر بصله فهذا لربما سيجد مكانا في المجتمع البريطاني و هذا نجده جليا في بعض الوزراء و رئيس الوزراء الهندي الحالي .. يستحيل ان نجد شخصا ينجح في بريطانيا و لديه افكار معاديه للسياسه الاستعماريه البريطانيه .. بريطانيا لا تريد منك الاندماج لكن تريد منك الولاء التام و هكذا يصل البعض لمراكز صنع القرار عكس الذي يحصل في فرنسا مثلا حين تريد منك الاندماج بل الانسلاخ عن ثقافتك و معتقداتك بل حتى شكلك يجب تغييره !!و هكذا يصعب ان يصل المهاجرين او ابنائهم لمركز مهم