قضايا وآراء

هل نضجت الأوضاع في تونس للحوار الوطني؟

هل تكون طاولة الحوار مرة أخرى بديلا للتونسيين عن الاحتراب الداخلي؟ (الأناضول)
هل تكون طاولة الحوار مرة أخرى بديلا للتونسيين عن الاحتراب الداخلي؟ (الأناضول)
بعد أن سادت بين التونسيين منذ 25 تموز (يوليو) 2021 لغة الرفض والتنافي والاتهامات المتبادلة والدعوات العلنية للانتقام والتشفي والاستئصال وخطابات التخوين والتقسيم والترذيل والمزايدات الشعبوية والاستهتار بالرموز والمؤسسات، بدأت تظهر هذه الأيام بوادر العودة إلى منطق العقل ولغة الحوار خاصة بعد وصول البلاد إلى حافة الهاوية اقتصاديا واجتماعيا، وبعد السقوط الانتخابي المدوي من أوهام الصعود الشاهق بعد نسبة المشاركة الشعبية الهزيلة في انتخابات 17 كانون أول (ديسمبر) 2022 البرلمانية ومن ورائها سقوط الشعارات السياسة المرفوعة طيلة الفترة الماضية.. الأمر الذي جعل عديد الأصوات تتعالى بالدعوة لحوار وطني بمشاركة كل الأطراف الاجتماعية والسياسية إلا من استثني نفسه للاتفاق حول خارطة طريق لحلحلة الأزمة التي تزداد تعقيدا يوما بعد يوم .

وقد صدرت الدعوة عن الاتحاد العام التونسي للشغل الذي طالب رئيس الدولة بالمشاركة وباشر المشاورات مع المنظمات الاجتماعية والمهنية والحقوقية. كما صدرت الدعوة للحوار الوطني عن عميد المحامين الذي أعلن عن مبادرة في الغرض دون أن يقدم تفاصيلها ودعمته في ذلك ندوة الفروع التابعة لهيئة المحامين في بيانها الأخير وكذلك صدرت عن الأستاذ غازي الشواشي أمين عام التيار الديمقراطي المستقيل والذي أعلن عن مبادرة وبدأ مشاورات حولها.

فهل نضجت الأوضاع فعلا لإطلاق حوار وطني بين الفرقاء من أجل تجنب الانهيار الاقتصادي والاجتماعي؟ أم هي مجرد دعوات للاستهلاك السياسي؟ وإن سلمنا بصدقيتها وجديتها فهل ستصمد أمام دعوات الرفض والالتفاف والإقصاء؟ وإن صمدت فما هي السناريوهات المرجحة لوضع قطار تونس على سكة الإنقاذ؟

لقد تظافرت في الأيام الأخيرة عدة عناصر تؤشر على صعوبة تواصل الأوضاع على ما هي عليه إن لم نقل استحالتها بما يجعل من البحث عن حل أمرا ضروريا.. ولعل من أهم هذه العناصر :

1 ـ نتائج الدور الاول لانتخابات 17 كانون الأول (ديسمبر) التي يبدو أنها لم تكن متوقعة بذلك الحجم تقريبا 90%عزوف لا من السلطة ولا من رافضي مسارها فضلا عن داعميه ولا من الشركاء الدوليين.

2 ـ تاجيل صندوق النقد الدولي النظر في مطلب القرض بقيمة 1,9 مليار دولار وما له من انعكاسات على التوازنات المالية للدولة لسنة 2023.

3 ـ صدور قانون المالية لسنة 2023 الذي تم بناؤه على توقع الحصول على قرض صندوق النقد الدولي الذي سيفتح الباب لقروض أخرى إضافة إلى الترفيع المشط في الآداءات والذي ينذر بعجز الدولة عن سداد ديونها الخارجية والاضطرار للذهاب إلى نادي باريس .

4 ـ مواقف الشركاء الدوليين التي صدرت إثر التطورات الأخيرة للأوضاع عن الولايات المتحدة الأمريكية أثناء القمة الإفريقية الأمريكية على لسان وزير الخارجية الذي أكد على ضرورة عودة الديمقراطية وكذلك من خلال التصريحات الأخيرة للسفير الجديد أمام الكونغرس الذي اعتبر أن إعادة الديمقراطية إلى تونس أولويته الأساسية عبر استعمال كل نفوذ الولايات المتحدة. وكذلك الموقف الجزائري الصادر عن الرئيس عبد المجيد تبون في تصريحه هذا الأسبوع والذي أكد على ثقته في قدرة الطبقة السياسية التونسية على الخروج من الأزمة بالتنازل لبعضها البعض وعلى الحياد وعدم التدخل في الشأن الداخلي التونسي وعلى الاستعداد للدعم. بقي الشريك الفرنسي الذي لم تصدر عنه تصريحات إلا أن سلوكه يؤشر على دعمه لفكرة البحث عن حل توافقي للأزمة .

لذلك أصبح  الحوار في هذه المرحلة ضرورة وطنية لإنقاذ البلاد من الانهيار الاقتصادي والاجتماعي وإنقاذ السلطة من نفسها ومما جنته على البلاد والدولة وإنقاذ المعارضة من الحلقة المفرغة التي تدور فيها، وذلك بهدف بناء إجماع وطني جديد حول كيفية مجابهة تحديات المرحلة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا ودستوريا .

ولكن أي حوار وما هي السناريوهات الممكنة لمخرجاته؟

لقد اختلفت الصيغ المقترحة للحوار بين من يراه اقتصاديا اجتماعيا تحت إشراف رئاسة الجمهورية وبين من يراه شاملا من حيث القضايا وبإشراف المنظمات الوطنية مع إقصائه لمكونات منظمومة ما قبل 25 تموز (يوليو) 2021، وبين من يراه شاملا من حيث القضايا وبمشاركة جميع الأطراف الاجتماعية والسياسية والمهنية والمجتمع المدنى إلا من استثنى نفسه.

أصبح الحوار في هذه المرحلة ضرورة وطنية لإنقاذ البلاد من الانهيار الاقتصادي والاجتماعي وإنقاذ السلطة من نفسها ومما جنته على البلاد والدولة وإنقاذ المعارضة من الحلقة المفرغة التي تدور فيها، وذلك بهدف بناء إجماع وطني جديد حول كيفية مجابهة تحديات المرحلة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا ودستوريا .
وهي الصيغة الأرجح لحلحة الأزمة رغم وجود العديد من العقبات في طريقها منها موقف رئاسة الجمهورية من انعقاد الحوار والقبول بمخرجاته والموقف من دستور2014  والموقف من مسار 25 تموز (يوليو) ومخرجاته والموقف من مشاركة حركة النهضة ودورها السياسي المستقبلي والموقف من الإصلاحات الاقتصادية وأزمة المالية العمومية.

إلا أن ذلك لا يمنع من وجود مبادرات في اتجاه تذليل العقبات منها المشاورات الحاصلة بين العديد من الأطراف إلى جانب بعض التصريحات الهامة مثل تصريحات الأمين العام لاتحاد الشغل وعميد المحامين وتصريح رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي لـ "عربي21" الذي أيد فيه مبادرة اتحاد الشغل ودوره الوطني وأكد فيه أن النهضة لا تسعى للعودة إلى ما قبل 25 تموز (يوليو) ولا تطرح نفسها بديلا عن الوضع الحالي وهو بصفته رئيسا للبرلمان ليس معنيا بأي مسؤولية في الدولة حاضرا ومستقبلا.. ورغم أن التصريح جاء متأخرا وكما يقال أن تأتي متاخرا خير من ألا تأتي، فإن أهميته تكمن في فتح الباب للحوار لمعالجة سياسية للأزمة بعيدا عن التعقيدات الدستورية إلى جانب المساعدة على كسر حواجز الإقصاء والتنافي والإشارة لإمكانية مراجعة النهضة لخيار المنافسة على الحكم في المرحلة القادمة في اتجاه المشاركة المحدودة أو عدم المشاركة في دورة انتخابية أو دورتين وهو التوجه الأكثر عقلانية والأسلم للديمقراطية وللبلاد ولها أيضا.

أما السناريوهات المحتملة لمخرجات الحوار فستتمحور حول قبول الرئاسة بالحوار اختيارا وإدارتها له أو المشاركة فيه والتأثير في مخرجاته أو الاضطرار للقبول به والالتزام بمخرجاته دون المشاركة فيه أو رفضه ورفض مخرجاته. وتبقي تفاصيل كل سناريو راجعة لدناميكية الحوار أما تفعيل مخرجاته فيرتبط أساسا بقدرات الجهة المنظمة والأطراف المشاركة .

فهل تكون طاولة الحوار مرة أخرى بديلا للتونسيين عن الاحتراب الداخلي؟ وهل تثبت الطبقة السياسية التونسية ما يتوسمه فيها الأشقاء؟ نترك الإجابة للأيام القادمة التي يبدو أنها ستكون حبلى بالتطورات.

*كاتب وناشط سياسي تونسي
التعليقات (2)
محسن
الجمعة، 30-12-2022 06:23 ص
هل المقال تحدث عن الحوار مع قيس سعد ام هو يتحد دينامكية عامة موجودة هذه الايام في الساحة التونسية الرجاء قراءة المقال قبل التعليق !!!!
القاعدون
الخميس، 29-12-2022 08:15 م
كيف نحاور" شيء " إسمه سعيد حتى لولم نسمع عن هرطقته وهلوسته منذ أن أصبح إمبراطور العرب يكفينا اليوم أنه قال أن نتيجة الإنتخابات لا تهمه و أن 11 بالمائة أفضل من 99 بالمائة سابقا، مجرد هذا الكلام يكفي لخلعه عن عرشه الوهمي و سجنه لكن أصبحت كلمة حوار غير مفهومة إلا عند القاعدون