كتاب عربي 21

زنقة انتخابات سعيد

نور الدين العلوي
مشاركة محدودة في الانتخابات التونسية- جيتي
مشاركة محدودة في الانتخابات التونسية- جيتي
استكمل الرئيس قيس سعيد أجندته التصحيحية بتنظيم انتخابات 17 كانون الأول/ ديسمبر 2022، وأسفرت الانتخابات عن فضيحة سياسية وأخلاقية، فبعد أن كان الرجل فاز بأعلى تصويت في تاريخ تونس السياسي وتفوق على بورقيبة نفسه في انتخابات 2019 الرئاسية (الدور الثاني)، انتهى به الأمر إلى أقل من مليون ناخب بنسبة 8.8 في المائة (ثم تم نفخ النسبة بقدرة عجيبة لتصبح 11.22 في المائة). لم تكن انتخابات رئاسة ولكنها كانت انتخابات استفتاء على مشروعه للإصلاح السياسي، وقد قاطع الناس المشروع وصاحبه، والآن ستطرح الأسئلة السياسية الأهم عن المستقبل.

كيف ستقرأ الرئاسة ومحيطها المدافع عنها نتائج هذه الانتخابات؟ وكيف ستتصرف معارضة الانقلاب على ضوء النتائج؟ وكيف سيرد العالم الفعل على الانقلاب ومشروعه؟
لم تنتبه الجوقة إلى أن اتهام الانتخابات السابقة بأنها انتخابات مال فاسد تشمل أيضا انتخابات الرئيس، فكأنها تتهمه صراحة لا ضمنا بأنه وصل إلى سدة الحكم بمال فاسد. لكن أبعد من ذلك التذاكي الغبي نلتقط مؤشرا مهما

لا نظنه يفهم ويتراجع

جوقة الإعلام انطلقت منذ ما قبل إغلاق الصناديق في استحلاب وضع الضحية المغدورة، لقد غاب المال الفاسد فتدنت نسبة المشاركة (والتدني عند الجوقة ليس المقاطعة). لم تنتبه الجوقة إلى أن اتهام الانتخابات السابقة بأنها انتخابات مال فاسد تشمل أيضا انتخابات الرئيس، فكأنها تتهمه صراحة لا ضمنا بأنه وصل إلى سدة الحكم بمال فاسد. لكن أبعد من ذلك التذاكي الغبي نلتقط مؤشرا مهما.

ألقي إلى الجوقة أن لا تمهد لأي تراجع أمام النتيجة، وإنما الإيغال في التبرير بسلامة الانتخابات وصحة دلالتها على الموافقة الشعبية على مشروع الرئيس، أي أنه سيمضي قدما في ما انتواه وهو ما يفتح أبواب السخرية على مصاريعها. إذا كان ينوي أن يتقدم دون قاعدة جماهيرية فلماذا نظم انتخابات أصلا؟ فالأرض ملكه والسماء والأنجم، إنه يحتفظ بمقررات الأناشيد المدرسية وبرنامج البكالوريا وهذا كاف كوسيلة للحكم.

ها قد صار له برلمان بعُشر القوة الناخبة فقط، فكيف سيقنع برلمان بهذه الهشاشة شعبا متنمرا بسلامة تشريعاته؟ وجب أن نذكر قبل المرور أن البرلمان في نص الرئيس غير ذي سلطة فعلية، وبالتالي فإن قوة الإسناد الشعبي ترف غير ضروري، فالتشريع الفعلي بيد الرئيس وهشاشة البرلمان تلائمه، لقد مهد لها ليكون الصقر الوحيد.

البرلمان في نص الرئيس غير ذي سلطة فعلية، وبالتالي فإن قوة الإسناد الشعبي ترف غير ضروري، فالتشريع الفعلي بيد الرئيس وهشاشة البرلمان تلائمه، لقد مهد لها ليكون الصقر الوحيد

تكتمل صورته كصقر وحيد أوتي الحكمة، سينقذ خياله من رعب المقاطعة ويقول ما قال أنصاره: العدد غير مهم فالنوع حاضر وزيادة. لن يقف أمام مرآته فالمرايا في قصر الحكام الأوحد جعلت للزينة لا للنقد الذاتي، سيأخذ زينته ويحكم الفراغ الواسع من حوله.. حكمة الشعبوية.

أما المعارضة فمن جنس الرئيس

كتبت منذ الشهر الأول للانقلاب أن قوة الرئيس من ضعف المعارضة لا من قوة ذاتية، فلو قسنا على تجارب قريبة فإن السقوط الانتخابي يعتمد وسيلة كافية للخروج عليه وإنهاء مشروعه بقوة الشارع. لكن البيانات التي راجت حتى اللحظة اكتفت بتمجيد المقاطعة دون إعلان أية خطة للشروع في إنهاء الانقلاب.
قوة الرئيس من ضعف المعارضة لا من قوة ذاتية، فلو قسنا على تجارب قريبة فإن السقوط الانتخابي يعتمد وسيلة كافية للخروج عليه وإنهاء مشروعه بقوة الشارع

تمجيد المقاطعة لا يمتد إلى السؤال؛ هل أن المقاطعين رافضون فقط للانقلاب وبرلمانه (ومشروعه) أم أنها مقاطعة للطبقة السياسية في عنوانها الظاهر الآن وفي عناوينها المتخفية داخل المعارضة أيضا؟ ولا نخالهم إلا واعين بأنهم محل اتهام بالعجز وقلة الحيلة، لذلك يكتفون برشوة الجمهور بمدح وعيه الذي عبر عنه بالمقاطعة.

نقرر أن معارضة الانقلاب أضعف من أن تنتبه إلى لحظة الهشاشة التي يمر بها الانقلاب؛ مثلما لم تبن على فشل زيارته للولايات المتحدة ولا على خطورة إقدامه على اللعب في علاقات البلد الاستراتيجية بالجنوح إلى المعسكر الشرقي على حساب ثوابته الدبلوماسية منذ الاستقلال، والقائمة على عدم الثقة في المعسكر الاشتراكي وفي من خلفه بعد سقوط الاتحاد السوفييتي.

لا ينفك الانقلاب يكشف لمعارضيه عن نقاط ضعفه ومقاتله السياسية، لكن عدم اغتنام هذه الفرص بل تفويتها الواحدة تلو الأخرى يكشف هوان المعارضة أيضا. لذلك وإن كانت توقعاتها سليمة بخصوص ضعف الإقبال الشعبي على المشاركة، فإنها لم تلق إلى المقاطعين بأية بارقة أمل.

إننا نرى المعارضة محكومة دوما بعقل استئصالي، ولا نراها بعد الانتخابات المسخرة تتحرر من الرعب الذي يسكنها بأن مشهد ما بعد الانقلاب سيكون فيه بالقوة مكون إسلامي. إنها لا تزال مرابطة في موقفها الاستئصالي المعلن (تفضيل الانقلاب الفاشل على مشاركة النهضة الحكم)، والانقلاب يعرف ذلك جيدا لذلك نراه غير خجل ولا وجل من نتائج انتخاباته (ولم نشر هنا إلى نوعية النواب الفائزين ولا مستواهم). سيكون لنا وقت كاف للسخرية من برلمان بلا أفكار فردية ولا مشروع جماعي.

إحالة أمر البلد إلى القوى الخارجية
لم يبق لعموم الناس في الداخل إلا السخرية السوداء من شخص الرئيس وحزامه ومن معارضيه واللهث وراء المواد المعيشية الضنينة، أما مصير البلد فواقع بين أيدي القوى الدولية

لم يبق لعموم الناس في الداخل إلا السخرية السوداء من شخص الرئيس وحزامه ومن معارضيه واللهث وراء المواد المعيشية الضنينة، أما مصير البلد فواقع بين أيدي القوى الدولية. يغمز المعسكر الشرقي (الصيني والروسي والإيراني) إلى الانقلاب فيدعوه إلى القمة الصينية العربية، ويغمز له المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة فيدعوه إلى القمة الأمريكية الأفريقية. يعود الانقلاب من القمتين خالي الوفاض، لكنه يضع البلد في أتون معركة بين المعسكرين مفتوحة منذ ما قبل ميلاد البلد نفسه.

هل قرأ الرئيس وحزامه التاريخ القريب؟ لا نراه فعل ولا نراه يفعل، وإن محاولات اللعب على تناقضات المعسكرين انتهت بمن حاول قبله إلى الدمار الشامل.

لقد أرسل له الأمريكيون رسالة واضحة تتمثل في تخفيض المساعدات العسكرية السنوية للجيش التونسي إلى النصف، ولم يقدم المعسكر الشرقي أية مساعدة للتعويض (ولا حتى إعلان نوايا بالمساعدة). كما تأجّل النظر في ملف إقراض تونس من صندوق النقد الدولي إلى أجل غير مسمى، وهو ما يعني قطع الإمداد عن موازنة رفض الرئيس تأشيرها. ولم يخفَ على المراقبين سوء المعاملة التي قوبل بها من قبل الإدارة الأمريكية التي تقدر بشكل مختلف احتمال حضور الصين في حوض المتوسط ومراقبة سمائه.
تتسع الحفرة من حول الرئيس وحزامه، ويُعزلون في الداخل ويقصيهم الوضع الدولي عن المشاركة في تقرير مصير البلد. ولأن المعارضة لم ترتق إلى مستوى تحمل المسؤولية التاريخية في هذه المرحلة، فإن الخارج (القوى الدولية) ستقرر للبلد القاصر ما يلزمه وستأمر من يطيعها في الداخل

هذه القوى الدولية تتربص بالبلد، وهي تقدر بشكل مختلف أهميته الإستراتجية في الجغرافيا العسكرية على الأقل. لذلك نتوقع انشغالها بتآكل قاعدة النظام واحتمال انهيار الدولة، بما يرجح احتمالات تدخلها بوسائلها التي تراها مناسبة لإنهاء الوضع غير المستقر والذي لا يعد بالاستقرار، خصوصا بعد مهزلة انتخابات 8.8 في المائة.

تتسع الحفرة من حول الرئيس وحزامه، ويُعزلون في الداخل ويقصيهم الوضع الدولي عن المشاركة في تقرير مصير البلد. ولأن المعارضة لم ترتق إلى مستوى تحمل المسؤولية التاريخية في هذه المرحلة، فإن الخارج (القوى الدولية) ستقرر للبلد القاصر ما يلزمه وستأمر من يطيعها في الداخل بالتصرف طبقا لأجنداتها لا طبقا لمصلحة البلد.

الباقي الآن هو توزيع حصص كل قوة دولية في البلد، وهو الوضع المطابق لما كان قبل أن نكون من حصة فرنسا ذات يوم.. ومن يهن يسهل الهوان عليه.
التعليقات (1)
الطبل
الثلاثاء، 20-12-2022 06:35 م
يعرف الجميع و حتى الحجر و الشجر في تونس أن السعيد(صم، بكم، عمي) لكن ما لم يكن يعلمه أن حزب النهضة أجهرها صوتا و أعضمها جثة إذن الحمد لله حان وقت الجد حان وقت التغيير على شباب النهضة و غيرهم النزول إلى الأرض و العمل كبشر