قضايا وآراء

الفارق بين الدوحة ودمشق: ليست الثروة.. بل المشروع

غازي دحمان
هل الأوضاع الحالية في سوريا هي فقط المسؤولة عما يعانيه المواطن السوري؟- جيتي
هل الأوضاع الحالية في سوريا هي فقط المسؤولة عما يعانيه المواطن السوري؟- جيتي
بدت الدوحة عشية افتتاح كأس العالم وكأنها لوحات من الخيال جرى تحويلها إلى واقع، شيء يشبه ماكيت جرى تصميمه على شاشة الكمبيوتر وظل نقيا دون أن تلمسه الشمس ويطاله الهواء والغبار، لوحة مفعمة بالأمل والحياة وعاكسة لقدرة الإنسان على صناعة المعجزات، ومحفزة بدرجة كبيرة للحياة والانطلاق.

في المقابل، وإلى الغرب قليلا، تظهر دمشق وكأنها كابوس جرى تحويله إلى واقع، وخلفية لا تصلح إلا لسينما الرعب، تقتل الآدمية وتحطم كل أمل في هذه الدنيا، ما دفع، ويدفع كل يوم، سكانها إلى الهرب من هذا الكابوس المقيم بحثا عن الخلاص في أمكنة أخرى لإحياء بقية أمل ما زال ينبض في الصدور.

قد يرى البعض أن المقارنة بين الدوحة ودمشق ظالمة، بسبب فوارق الثروة والموقع من الصراعات الجيوسياسية الدولية، وربما حجم السكان، فالدوحة تعوم على بحر من الغاز وفّر لها فوائض مالية كبيرة أتاحت لها إمكانية الاستثمار في عناصر التنمية والرفاهية، وهو ما لم يتوفر لدمشق، كما أن موقع سوريا بالقرب من فلسطين وانشغالها بالصراع العربي الإسرائيلي، وضمن إقليم ملتهب على مدار العقود السابقة، لبنان ثم العراق وسوريا نفسها، كانت له تأثيرات كبيرة على تطوّرها، وهي مخاطر ظلت قطر بعيدة عنها إلى حد ما، على الأقل جغرافيا.
هذه المعطيات، على أهميتها، تبقى شكلية إلى حد بعيد، بالإضافة إلى كونها قابلة للتوظيف في سياق تبرير النتيجة، أو الصورة التي عليها الأوضاع الراهنة، ازدهار الدوحة وخراب دمشق، كما أنها تنطوي على تضليل قبلي بهدف إضعاف المنطق الذي يقول إن حكام دمشق ضيعوها وأوصلوها إلى هذا المآل

لكن هذه المعطيات، على أهميتها، تبقى شكلية إلى حد بعيد، بالإضافة إلى كونها قابلة للتوظيف في سياق تبرير النتيجة، أو الصورة التي عليها الأوضاع الراهنة، ازدهار الدوحة وخراب دمشق، كما أنها تنطوي على تضليل قبلي بهدف إضعاف المنطق الذي يقول إن حكام دمشق ضيعوها وأوصلوها إلى هذا المآل، فيما الطرف الآخر استطاع تثمير إمكانياته إلى أبعد الحدود.

لم تكن سوريا يوما بلدا بدون ثروات، فهي، وبحسب البيانات والجداول الدولية، تقع في الصفوف المتقدمة بين دول العالم في إنتاج القمح والقطن والزيتون والفستق والفوسفات، كما أنها، كانت في مرحلة سابقة، من أكثر الدول في المنطقة امتلاكا للخبرات الفنية والتقنية، وغطت المنتجات السورية أجزاء كبيرة من الأسواق الإقليمية، كما أن الخبرات السورية في مجالات عديدة توزعت على كامل الإقليم، حتى على مستوى إنتاج النفط كانت سوريا، وبحسب تقارير دولية، تصدّر يوميا أكثر من 300 ألف برميل بعد تغطية احتياجاتها المحلية.

أليست هذه ثروات؟ ولماذا لم يظهر أثر لتراكم الثروات في سوريا؟ ولماذا بقيت دمشق، حتى ما قبل الثورة، أقل تطورا من جارتها عمان حيث لا ثروات تحت الأرض ولا فوقها. وبالمقارنة مع الدوحة، فعندما تمنى رئيس وزراء ماليزيا في الخمسينات أن تصبح كوالالمبور مثل دمشق، كانت الدوحة ما زالت تكافح للتحرّر من الاستعمار البريطاني الذي سيرحل في بداية السبعينيات من القرن الماضي، وكانت الدوحة في حينها تقتصر على أحياء محدودة وبميزانية ضعيفة جدا لا تكفي سوى للكفاف وتوفير الضرورات الحياتية.

ولم تكن سوريا البلد الوحيد الذي واجه تحديات ومخاطر، إذ أن قطر أيضا كانت تقع في وسط إقليم غير مستقر، بسبب أطماع إيران وسياساتها، حتى ما قبل الثورة الإسلامية، بالإضافة إلى خلافاتها الحدودية مع الجيران، وخلافاتها السياسية التي وصلت إلى مراحل خطرة في السنوات الماضية، والتي نتج عنها تحويل جزء من الميزانيات لشؤون الدفاع والأمن.

إذا، المسألة ليست مسألة ثروات وحسب، وإلا لكانت دول مثل كوريا الجنوبية وتايوان، التي تفتقر للثروات، في ذيل قائمة الدول المتطورة، ولكانت الكونغو الديمقراطية، التي تملك ثروة من القصدير والنحاس والكولتان تُقدر قيمتها بـ24 تريليون دولار، من أغنى بلدان العالم وأكثرها تطورا، وليس العكس؛ بلد من أفقر بلدان العالم وأكثرها تخلفا.
بالإضافة إلى الإدارة السليمة للثروات ومعرفة أفضل الطرق للاستفادة من عوائدها، ثمة عامل مهم وحاسم في هذا الصدد، ويتمثل بموقع الحاكم والنخبة الحاكمة في المشروع الوطني لبلدهم

وبالإضافة إلى الإدارة السليمة للثروات ومعرفة أفضل الطرق للاستفادة من عوائدها، ثمة عامل مهم وحاسم في هذا الصدد، ويتمثل بموقع الحاكم والنخبة الحاكمة في المشروع الوطني لبلدهم، فهل هم جزء أصيل من هذا المشروع؛ الأمر الذي يمنحه قيمة إضافية تتمثل بإعطاء المشروع الوطني زخما من خلال صيرورته قوّة تحويلية؟ أم هم فئة منعزلة هدفها تحقيق الربح لسلالاتهم، وغير مندمجين في المشروع الوطني لبلدانهم، الأمر الذي يحوّل المشروع الوطني برمته إلى مسألة كاريكاتورية بالنظر لتناقض الأفعال واتجاهها صوب تحقيق أهداف مختلفة؟

لقد كشفت الثورة السورية، بما لا يدع أي مجال للشك، حس التعالي الفائض عند عائلة الأسد، وأتباعها، تجاه السوريين وأحلامهم وطموحاتهم ورؤيتهم لمستقبل بلادهم، وتحت هذا الإحساس بالفارق جرى القتل بدون هوادة، وجرى تدمير المدن بدون أدنى إحساس بالكارثة الوطنية التي يتم إلحاقها بسوريا الوطن والشعب. وكشفت الثورة السورية أن العائلة الحاكمة وأتباعها ليس لديهم سوى مشروع واحد وهو إخضاع المحكومين لسلطتهم، وما عدا ذلك، من مسائل التطوير والتحديث والتنمية، فهي قضايا على الهامش يمكنها أن تنتظر، شرط أن تصب عوائدها المادية في جيوب العائلة وأتباعها.

ليست الثروات وحدها من صنع الحلم القطري أو تسببت في إنتاج الكابوس السوري، ثمّة عوامل كثيرة وقفت خلف إنتاج المشهدين المتناقضين إلى حدود مذهلة، ربما أهمها مدى حب النخب التي تتحكم بالثروات لبلدها، وما إذا كانت تعتبر رقي البلد ونجاحه مصدر فرحها وفخرها الأساس.

twitter.com/ghazidahman1
التعليقات (0)