قضايا وآراء

في ذكرى التدخل الروسي العسكري في سوريا

سلوى أكسوي
1300x600
1300x600
لا شكّ أن الثورة السورية التي انطلقت في آذار/ مارس عام 2011 تحولت الآن إلى أكثر القضايا تعقيداً في العصر الحديث. التعقيدات لا تتعلق بأسباب انطلاق الثورة أو أهدافها، بل هي نتيجة تعدد الأطراف المنخرطة من خارج سوريا بما يحدث في داخلها. فالثورة التي بدأت تطالب بإصلاحات سياسية واقتصادية وتمحورت بين الشعب والنظام في سوريا، ما لبثت أن تحولت إلى صراع مصالح بين عدد ليس بالقليل من اللاعبين الإقليميين والدوليين.

القمع العنيف للمظاهرات واللجوء للتعذيب والاعتقال التعسفي والخطف والقتل المنهجي للمدنيين؛ دفع السوريين لحمل السلاح لحماية أرواحهم وممتلكاتهم من فظاعات جيش تحكمه عائلة الأسد بدعم من حكومات ديكتاتورية مثل إيران وروسيا، واندفع الثوار لتحرير الأراضي السورية، ومع الوقت أحرز الثوار السوريون انتصارات ملموسة على النظام في الجبهتين الجنوبية والشمالية على السواء، وأصبح الثوار في الجنوب على حدود محافظة السويداء، بينما دخلت مجموعات من الثوار بالفعل إلى مشارف ريف اللاذقية في الساحل السوري، بعد تحرير محافظة إدلب وجزء كبير من محافظة حلب، وإحراز تقدم ملموس في ريفي حمص وحماة.

بوادر التدخل الروسي في سوريا

كان الشعب السوري يضحي بأغلى ما يملك غير مدرك لما سيواجهه لاحقاً، واستمر التقدم الشعبي بمواجهة الآلة الحربية لنظامي الأسد وإيران. لكن في 26 آب/ أغسطس من العام 2015، أي قبل شهر واحد من التدخل العسكري الروسي في سوريا، أعلنت موسكو احتضان مجموعة من اللقاءات عالية المستوى بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعاهل الأردن الملك عبد الله الثاني، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وحسب ما أعلن الكرملين، فقد بحث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع ضيوفه "الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي وحل النزاع السوري وعملية السلام في الشرق الأوسط".
التدخل الروسي العسكري في سوريا ما زال يمثل إشارة استفهام لدى الباحثين في مجال السياسات الخارجية في السياسات العالمية. فحروب موسكو الحديثة كانت حتى الآن في محيطها الجغرافي

نتيجة هذه اللقاءات لتهيئة الظروف المواتية، وفي 30 أيلول/ سبتمبر من العام 2015، أعلنت موسكو انضمامها رسمياً كطرف أساسي داعمٍ لسلطات بشار الأسد في سوريا، حيث بدأت الطائرات الحربية الروسية بشن غارات جوية في شمال وشمال غربي سوريا. وخلال الأسبوع الأول من العمليات، ارتفع معدل الغارات الروسية من حوالي العشرين إلى أكثر من ستين غارة جوية في اليوم، تركزت معظمها على المدنيين في مواقع سيطرة الثوار السوريين من كافة المجموعات.

ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن تستمر موسكو بكل قوتها الحربية الجوية بقصف المدنيين السوريين بشكل مباشر، واستهداف المنشآت المدنية الحيوية كالمشافي والمدارس والمنازل، حسب ما أثبتت التقارير الأممية والمؤسسات السورية مثل الشبكة السورية لحقوق الإنسان.

لكن التدخل الروسي العسكري في سوريا ما زال يمثل إشارة استفهام لدى الباحثين في مجال السياسات الخارجية في السياسات العالمية. فحروب موسكو الحديثة كانت حتى الآن في محيطها الجغرافي، بمعنى أنها ليست كدول أوروبية أخرى تقود حروباً في قارات أخرى. روسيا تقضم أراضي تعتبرها حقاً شرعياً لها، بالضبط مثلما فعلت في الشيشان وشبه جزيرة القرم وما تفعله الآن في أوكرانيا. فما الذي دفع روسيا لحرب واسعة في دولة شرق أوسطية وهي سوريا، على الرغم من انشغال روسيا في حماية مصالحها القومية في كل من القرم وآسيا والحدود مع أوروبا؟

لماذا استخدام القوة في سوريا؟

إن العلاقات بين سوريا وروسيا متجذرة وقديمة ولا يمكن مقارنتها مع علاقات باقي الدول العربية بموسكو، والحفاظ على نظام بشار الأسد قائماً في سوريا هو هدف استراتيجي روسي لحماية مصالحها في الشرق الأوسط، وبالتالي دعم معركتها الكبرى، وهي المعركة ضد نفوذ الغرب وأمريكا في المحيط الجغرافي لروسيا.
استخدام القوة العسكرية المميتة في سوريا، فهي ضمن سياسة خارجية شاملة وافق عليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أيلول/ سبتمبر عام 2022، وفيها نلاحظ التأكيد على عنصر القوة في العلاقات الخارجية الروسية

في كتابها بعنوان "حرب بوتين في سوريا"، تقول الباحثة "آنا بورشيكفايا" إن البرلماني الروسي الأرمني الأصل (سيميون باجداساروف) قال في مقابلة على التلفزيون الحكومي: "لو لم تكن هناك سوريا، لما كانت هناك روسيا"، مضيفاً: "إن الرهبان الأوائل في روسيا كانوا سوريين بالولادة، وبدونهم لن تكون هناك كنيسة أرثوذكسية يبني عليها الروس هويتهم التاريخية". سواء كانت ادعاءات باغداساروف صحيحة أم مزيفة، فإنه يؤكد على حقيقة واضحة وهي أن روسيا تعتبر سوريا مهمة للغاية لأمنها القومي.

أما عن استخدام القوة العسكرية المميتة في سوريا، فهي ضمن سياسة خارجية شاملة وافق عليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أيلول/ سبتمبر عام 2022، وفيها نلاحظ التأكيد على عنصر القوة في العلاقات الخارجية الروسية من خلال المبادئ التالية:

1- أصبحت القوة عاملاً متزايد الأهمية في العلاقات الدولية في ظل تزايد عدم اليقين في النظامين السياسي والاقتصادي العالميين.

2- التحالفات العسكرية والسياسية الحالية ليست قادرة على مواجهة مجموعة كاملة من التحديات والتهديدات التي يواجهها العالم حالياً.

3- إلى جانب القوة العسكرية، تحتل عوامل أخرى مهمة تسمح للدول بالتأثير في السياسة الدولية، بما في ذلك القدرات الاقتصادية والقانونية والتكنولوجية وتكنولوجيا المعلومات.

4- أصبحت "القوة الناعمة" جزءاً لا يتجزأ من الجهود المبذولة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية.

فموسكو تشرعن رسمياً استخدام القوة العسكرية في سياستها الخارجية، وهذا ما يظهر واضحاً في كل من سوريا وأوكرانيا حالياً.
معركة السوريين ليست فقط مع نظام بشار المجرم، بل هي أكبر من ذلك بكثير. وليس من الخطأ أن يشعر السوري بالخذلان من أقرب الناس إليه، لأن هذا أيضاً حقيقي جداً

بالإضافة إلى حماية أمنها القومي ومصالحها ومناطق نفوذها، لا ننسى هنا عامل "بيع السلاح" في سياسة روسيا الخارجية، وهو عامل مهم في حرب روسيا في سوريا. ففي 2012 قال الرئيس الروسي بوتين: "إن تصدير السلاح هو أداة فعالة لتعزيز المصالح القومية لموسكو". وبعدها بعام قال نائب رئيس الوزراء الروسي ديمتري روغوزين: "إن المؤسسة الاتحادية للتعاون الفني العسكري هي الوكالة الثانية في السياسة الخارجية الروسية"، مضيفاً أن الهدف الأساسي وراء تصدير السلاح الروسي هو التأثير في دول أخرى.

وللبرهان على ذلك، وبُعيد أيام من التدخل الروسي العسكري في سوريا عام 2015، أطلقت موسكو 26 صاروخ كروز من سفينة حربية صغيرة في بحر قزوين باتجاه أهداف في سوريا. وموسكو أعلنت وتفاخرت بهذا الإنجاز؛ ليس فقط لإظهار قوة روسيا العسكرية، بل أيضاً لتبرهن للدول الأخرى أنها ليست بحاجة لشراء سفن حربية ضخمة لاستخدامها في إطلاق الصواريخ، وعرضت روسيا مساعداتها العسكرية لباقي الدول في هذا المجال.

أخيرا، أول ما علينا مواجهته هو حقيقة الواقع وصعوبته وتعقيداته، فمعركة السوريين ليست فقط مع نظام بشار المجرم، بل هي أكبر من ذلك بكثير. وليس من الخطأ أن يشعر السوري بالخذلان من أقرب الناس إليه، لأن هذا أيضاً حقيقي جداً. لو أراد المجتمع الدولي إسقاط نظام الأسد لتم ذلك منذ زمن بعيد، لكن المعركة لتحقيق دولة المواطنة والكرامة مستمرة، وعلينا أن نواجهها بكل ما نملك.
التعليقات (0)