هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قبل بضعة أيام، صرّحت المرشحة الأولى لقيادة حزب المحافظين البريطانية ليز تْرَاس بأنها ستكون مستعدة لشن حرب نووية إذا أصبحت رئيسة للوزراء. لكن تراس ليست الوحيدة بين القادة السياسيين في الدول الإمبريالية الغربية التي هددت في الأشهر القليلة الماضية أعداء الغرب بالإبادة النووية في حال تم تهديد هيمنتهم وأرباحهم الإمبريالية من قبل مَن يجرؤ على مقاومة استغلال الغرب وسيطرته على الكرة الأرضية.
ففي شباط/ فبراير 2022، بدأ الغرب في تهديد روسيا بحرب نووية، لا سيما بعد أن أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بيانًا ردًا على التهديدات الغربية لبلاده. وكان بيان بوتين يرد على التجاوزات والتهديدات الغربية للأمن الروسي المستمرة منذ عام 1991 والتي ازدادت وتيرتها بشكل مطرد منذ عام 2014. وقد أعلن بوتين في بيانه أن "على مَن يحاول عرقلتنا، ولا سيما مَن يخلق التهديدات لبلدنا ولشعبنا، أن يعلم أن رد روسيا سيكون فوريًا، وسيقودكم إلى عواقب لم تواجهوها من قبل في تاريخكم". وفي رده على بوتين، هدد وزير الخارجية الفرنسي الرئيس الروسي، الذي لم يذكر الأسلحة النووية مطلقًا في بيانه، بالإعلان أن حلف شمال الأطلسي أو الناتو هو" تحالف نووي " وأن "هذا كل ما سأقوله في هذا السياق."
وبحلول شهر آذار / مارس، انضمت صحيفة نيويورك تايمز إلى هذه الجوقة ونشرت مقالاً يزعم أن الروس قد يستخدمون الأسلحة النووية إذا هددهم الغرب. ومن المفارقات أن المقال استشهد فقط بالخبراء والمسؤولين الغربيين الذين تحدثوا عن حرب نووية محدودة ضد روسيا على أنها احتمال أصبح "بالإمكان البحث والتفكير فيه". وقد نقلت الصحيفة عن الجنرال الأميركي جيمس إي. كارترايت، نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة في عهد باراك أوباما، قوله إن "القدرة التفجيرية المخفضة" للأجهزة النووية الأصغر المتوفرة اليوم قد جعلت كسر المحرمات النووية "قيد البحث" أكثر من ذي قبل. وأضافت أن "خطط الحرب النووية هي من أعمق أسرار واشنطن. ويقول الخبراء إن خطط القتال الحربي بشكل عام تتراوح ما بين إطلاق الطلقات التحذيرية وتسديد الضربات الفردية وعمليات الرد الانتقامية المتعددة وأن السؤال الأصعب هو ما إذا كانت هناك طرق مضمونة لمنع تصعيد النزاع ". وتجدر الإشارة هنا إلى أن فكرة شن حرب نووية "محدودة" في أوروبا ليست بجديدة، بل لطالما كانت أُمنية أمريكية من بنات أفكار رونالد ريغان الذي روّج لها على وجه الخصوص.
وفي نيسان/ أبريل 2022، وبعد نشر مقال النيويورك تايمز، أعرب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن قلقه من تداعيات شن حرب نووية، مؤكداً أنه في حين أن روسيا لا تسعى لحرب نووية، فإن احتمال وقوعها يمثل "خطرًا جديًا". وقد كان رد جوزيف بايدن هو باتهام الروس بالتهديد بحرب نووية بدلاً من فهم ما قاله لافروف على أنه تحذير من شن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي حربًا نووية على روسيا. وقد أوردت شبكة سي. إن. إن. أن "الولايات المتحدة لم تلحظ أي مؤشر على أن روسيا قد اتخذت أية خطوات لإعداد أسلحة نووية لاستخدامها خلال حرب [أوكرانيا]." وبحلول شهر حزيران/ يونيو 2022، انضمت شبكة إن بي سي أيضًا إلى جوقة المروجين للاستخدام المحتمل للأسلحة النووية الأمريكية ضد روسيا.
وفي وقت سابق من الشهر الحالي، أصدر فلاديمير بوتين بيانًا أرسله للمشاركين في مؤتمر الأمم المتحدة الذي انعقد لمراجعة معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، مؤكدًا أنه "لا يمكن أن يكون هناك رابحون في حرب نووية ولا ينبغي إطلاق العنان لها، ونحن نؤيد تحقيق أمن متساو وغير قابل للتجزئة لجميع أعضاء المجتمع الدولي." ولكن وفي نفس اليوم الذي حذر فيه بوتين من حرب نووية، قام رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد يائير لابيد بالتهديد باستخدام الأسلحة النووية الإسرائيلية ضد إيران: "إن ساحة العمليات في القبة غير المرئية فوقنا مبنية على قدراتنا الدفاعية الهجومية، وما تميل وسائل الإعلام الأجنبية إلى تسميته بـ <قدراتنا الأخرى>. هذه القدرات الأخرى تبقينا على قيد الحياة وستبقينا على قيد الحياة طالما نحن وأطفالنا هنا."
إن الولايات المتحدة والغرب الإمبريالي، وليس إيران ولا روسيا، هم الذين وما زالوا يشكلون أكبر تهديد محتمل لانقراض البشرية وإبادتها. لكن المفارقة الحقيقية تكمن في أن بإمكان القادة الغربيون والصحافة الغربية أن يتخيلوا بسهولة وأن يخططوا لنهاية العالم، ولكن ليس لنهاية الهيمنة الإمبريالية للغرب على كوكبنا.
افترضت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية اليمينية أن تهديد لابيد غير المقنَّع بتدمير إيران نوويًا يشير إلا أن ما قصد قوله هو التالي: "ما تعتقدونه يا آيات الله بأنكم ستنجزونه بالضبط بمحاولتكم اختراق قنبلة واحدة أو اثنتين من قنابلكم [لدفاعاتنا] والذي على الأرجح أنكم لن تتمكنوا من تحقيقه، والذي قد يقودنا بسهولة إلى حرق أجزاء كبيرة من بلدكم وتحويلها إلى رماد؟" وليست هذه المرة الأولى التي تهدد فيها إسرائيل باستخدام أسلحة نووية ضد جيرانها. بل في الواقع، كانت قد استعدت لاستخدام أسلحتها النووية مرتين قبل اليوم، في عام 1967، وفي عام 1973 عندما أعدت 13 قنبلة نووية حينها لإلقائها على مدينتي القاهرة ودمشق.
أما الدولة الوحيدة على وجه كوكب الأرض التي استخدمت القنابل النووية ضد المدنيين فليست سوى الولايات المتحدة، التي أسقطتها على هيروشيما وناغازاكي في عملية إبادة جماعية تواصل الولايات المتحدة الدفاع عنها حتى يومنا هذا، باعتبار أن استخدامها للقنابل النووية قد حال دون سقوط المزيد من الضحايا. أما لب ما تقصده الولايات المتحدة هو أن استخدامها القنابل النووية لقتل مئات الآلاف من المدنيين كان عملاً أخلاقياً رفيعًا هدفه إنقاذ أعداد أكبر من المدنيين من القتل! وهذا هو نفس المنطق المثير للدهشة والاشمئزاز الذي تستخدمه الولايات المتحدة اليوم لتبرير استخدامها المستقبلي للأسلحة النووية. فبينما دبت جريمة هيروشيما وناغازاكي الرعب المطلق من الأسلحة النووية في نفوس معظم شعوب وحكومات العالم، إلا أنها أثارت شهية الأمريكيين لاستخدامها من جديد. وتظهر الوثائق التي تم الكشف عنها مؤخرًا أن الولايات المتحدة نظرت بجدية وخططت لاستخدام الأسلحة النووية ضد الصين في عام 1958، أثناء ما سُمي بـ "أزمة مضيق تايوان."
مع ذلك، وعلى الرغم من استخدام الولايات المتحدة للأسلحة النووية لقتل مدنيين والتهديدات الغربية المستمرة بالقضاء على البشرية جمعاء إذا تعرضت أرباح الغرب ومصالحه "الأمنية" والإمبريالية للتهديد، فقد اضطررنا لسنوات طويلة لسماع الدعاية الغربية المستمرة حول التهديد الذي يُزعم أن إيران، التي لا تمتلك أي أسلحة نووية، تمثله حيال الغرب. فعندما هددت إسرائيل، التي تمتلك ربما ما يصل إلى 200 سلاح نووي (والتي ترفض التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي)، بتدمير إيران بقنابل نووية قبل بضعة أسابيع، تم تجاهل تهديدها في الصحافة الغربية ومن قبل المسؤولين الغربيين، الذين كانوا ولا يزالون مشغولين للغاية في محاولة القضاء على التهديد النووي الوهمي، الذي يُزعم أن إيران تشكله على إسرائيل ـ وهو الوهم الذي أدى إلى إطالة أمد إعادة التفاوض الجاري حول المعاهدة النووية بين الولايات المتحدة وإيران.
إن الولايات المتحدة والغرب الإمبريالي، وليس إيران ولا روسيا، هم الذين وما زالوا يشكلون أكبر تهديد محتمل لانقراض البشرية وإبادتها. لكن المفارقة الحقيقية تكمن في أن بإمكان القادة الغربيون والصحافة الغربية أن يتخيلوا بسهولة وأن يخططوا لنهاية العالم، ولكن ليس لنهاية الهيمنة الإمبريالية للغرب على كوكبنا.