هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثارت حادثة تسرب غاز سام بعد سقوط صهريج في ميناء العقبة جنوب الأردن، ردود فعل شعبية غاضبة، اتهمت حكومة بشر الخصاونة بالتقصير والإهمال والاستخفاف بأرواح المواطنين، مستهجنة عدم إقدام أي مسؤول على تقديم استقالته جراء الحادثة، التي نتج عنها 13 وفاة و332 إصابة.
وكان المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات بالأردن قد أعلن في بيان، أنه "في تمام الساعة الخامسة والربع من عصر الاثنين؛ حدث تسرب لغاز الكلورين في ميناء العقبة، جراء سقوط وانفجار صهريج محتوٍ على هذه المادة"، ما أدى إلى حصول وفيات وإصابات في صفوف "أردنيين وأجانب".
وذكّر الناشط خالد الجهني من محافظة العقبة، بأن "هذه الحادثة واحدة من سلسلة حوادث وقعت في السنوات العشر الأخيرة، كانت تشير في كل مرة إلى ضرورة توفير مستلزمات السلامة العامة، سواء في الموانئ، أو المنشآت الصناعية الموجودة قربها".
وقال لـ"عربي21" إن تكرار هذه الحوادث يدل على وجود إهمال رسمي، لافتا إلى أن هذا الإهمال تجسد بتعامل الحكومة مع كل حادثة بـ"سياسة الفزعة"، وعدم معالجة الأسباب التي أدت إليها، والإعراض عن تطوير الموانئ وصيانة المنشآت المستخدمة فيها، وتغيير الآليات التي انتهى عمرها الافتراضي.
ولفت الجهني إلى أن الميناء الذي وقعت فيه حادثة تسرب الغاز أنشئ حديثا، "ويُفترض أن تكون قد توفرت فيه أحدث الأدوات والمعدات، بالإضافة إلى جميع متطلبات السلامة العامة، ولكن يبدو أن ذلك كله لم يحدث".
اقرأ أيضا: ارتفاع حصيلة وفيات تسرب غاز سام بالأردن.. والخصاونة يعلق
وأكد أن "الشاطئ الجنوبي في العقبة يحوي منشآت مهمة جدا، ويضم مواد خطرة للغاية، ومع ذلك فلا تتوفر فيه مراكز إسعاف مهيأة للتعامل كما يجب مع هذه الظروف الخطيرة، وهذا من الدلائل المتوافرة على وجود تقصير وإهمال رسمي".
وأشار الجهني إلى أن العديد من العمال قضوا في حوادث سابقة، وكانت تجرى تسويات مع الأهالي، ويتم إسقاط القضايا في المحاكم بناءً على هذه التسويات، ولا تتم محاسبة أي مسؤول محاسبة جادة.
وتابع: "سبق أن وقع حادث في صوامع القمح القديمة التي كانت تهيأ للهدم، مات فيه سبعة مواطنين، ولم يستقِلْ أو يُقلْ أو يحاسب أي مسؤول، ولم تعترف الحكومة بأي مسؤولية أخلاقية تجاه الحادث، علماً بأنها الجهة الرقيبة، وهي التي منحت العطاءات لشركات وقعت فيها عدة حوادث مأساوية، بل هي مالكة لبعض هذه الشركات".
قريب أحد المتوفين: قتله المسؤولون المقصّرون
وأثارت حادثة العقبة سخطا شعبيا في صفوف أهالي المتوفين والمصابين، عبّر عنه المواطن خالد الرياطي، ابن عم العامل المتوفى في الحادث عمرو إبراهيم عبدالله (23 عاماً)، قائلا إن ما جرى في العقبة "يدل على أننا نعيش في دولة فساد"، وفق تعبيره.
وأضاف الرياطي لـ"عربي21" أن ابن عمه المتوفى وحيد أمه، وكنا قد رجونا مدير الميناء السابق أن يوظفه كي يتمكن من رعاية والدته، وبالفعل تم توظيفه براتب 270 دينارا (نحو 380 دولارا)، ثم بسبب استهتار المسؤولين غادر الدنيا، وبقيت أمه وحيدة باكية، متسائلا: "من يتحمل وزر ما جرى لهذه الأم المكلومة؟".
وتساءل: "كيف يقوم مدير الميناء، ورئيس سلطة العقبة، ورئيس تطوير المدينة، بتقديم شباب أغرار ليست لديهم ثقافة وقائية كافية، ولم يتم توفير وسائل السلامة العامة لهم للعمل في تحميل وتنزيل هذه المواد السامة؟ ولماذا لم يستجيب هؤلاء المسؤولون لمناشدات العديد من العمال والموظفين بضرورة تغيير الحبال التي تسبب انقطاع أحدها بهذا الحادث المأساوي؟".
وحمّل الرياطي رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة، ورئيس سلطة العقبة، ورئيس شركة تطوير العقبة، وإدارة تشغيل المدينة، مسؤولية الحادثة الأليمة، مؤكدا أن "ما جرى لن يمر بسلام هذه المرة، وسنقوم بملاحقة كل هؤلاء قانونيا، ولن نتراجع عن ذلك".
وقال إن ابن عمه الراحل كثيرا ما تحدث عن وجود أخطاء وتقصير في الميناء، وعن الآليات القديمة التي قد تتسبب بمصيبة في أي وقت، مضيفا: "هؤلاء المسؤولون المقصرون قتلة.. قتلوا أولادنا لأنهم أمنوا العقوبة".
تحذيرات سابقة دون جدوى
من جهته، قال رئيس اللجنة النقابية لعمال الموانئ، أحمد سعود العمايرة، إن سبب الحادثة هو انقطاع الوَيَر، وهو حبل الآلية التي تحمل المادة السامة، مؤكدا أن اللجنة والعاملين في الميدان يحذرون منذ سنتين من ضعف هذه الحبال واهترائها، ولكن دون جدوى.
وأضاف العمايرة لـ"عربي21" أن من المفروض أن يتم "التشييك" على هذه الحبال قبل التحميل، ولكن حتى لو تفقدها العامل وأبلغ المسؤول بأنها متهالكة وأن من الخطر الاعتماد عليها؛ فإن الرد المعتاد من قبل المسؤول هو "هذا الموجود.. سلِّك أمورَك"!
وبيّن أنه بعد وفاة أحد العاملين العام الماضي في حادث إهمال شبيه بما جرى الاثنين، عقدت نقابة عمال الموانئ أكثر من اجتماع مع رئيس مجلس مفوضية العقبة، ومدير شركة العقبة لتشغيل الموانئ، ورئيس شركة تطوير العقبة، وكان محور الاجتماع إجراءات السلامة العامة، ووضعية الأدوات والآليات القديمة والمتهالكة، ولكن لم نقابل بأي استجابة لمطالبنا.
وأضاف العمايرة أن أياً من المسؤولين لم يقدم استقالته إثر الحادث؛ لأن الجميع يتنصل من المسؤولية ولا يعترف بخطئه، "وكأن الميناء الذي وقع فيه الحادث في سريلانكا، وليس في الأردن".
ولفت إلى أن العمال والموظفين في موانئ العقبة بحاجة إلى توفير أسباب السلامة العامة، وتحسين مستوياتهم المعيشية، والتأكد من سلامة الأدوات والآليات التي يتعاملون معها، مؤكدا أن "100 ألف دينار أردني فقط كفيلة بتجديد جميع هذه الأدوات المتهالكة، من جنازير وأسلاك وويَرات وما شابه".
وأوضح العمايرة أن شركة العقبة لإدارة وتشغيل الموانئ (الذراع التطويري لسلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة) حققت العام الفائت أرباحا بلغت 22 مليون دينار، متابعا: "لو أن الشركة خصصت مليونا واحدا لتطوير الأدوات، وتحسين أدوات السلامة، وتوفير متطلبات العمال؛ لحُلَّت جميع المشاكل".
وحاول مراسل "عربي21" التواصل مع نايف البخيت رئيس سلطة منطقة العقبة ورئيس مجلس إدارة شركة موانئ العقبة، ولكن دون جدوى، فيما رفض المدير التنفيذي لشركة موانئ العقبة خالد المعايطة الإدلاء بأي تصريح.
وتأسست شركة تطوير العقبة في العام 2004، وهي شركة مساهمة خاصة مملوكة مناصفة بين الحكومة الأردنية وسلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة. أما شركة العقبة لإدارة وتشغيل الموانئ، فهي مملوكة بشكل كامل للحكومة.