هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تتصاعد بشكل ملحوظ دعوات إجراء انتخابات برلمانية مبكرة في العراق، بعد انسحاب التيار الصدري من البرلمان، الذي حقق المرتبة الأولى في انتخابات 10 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بواقع 73 مقعدا، لكنه أخفق في تشكيل حكومة أغلبية سياسية مع حلفائه من السُنة والأكراد.
وكان الصدر قد شكل تحالف "إنقاذ وطن" (نحو 160 مقعدا) مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، وتحالف السيادة السني، مخيرا الإطار التنسيقي بين أن يشكل هو وحلفاؤه الحكومة أو الذهاب للمعارضة وهم يشكلونها، إلا أنه لم يتحقق أي من ذلك طيلة الـ9 أشهر التي تلت الانتخابات.
انتخابات جديدة
ومنذ نحو أسبوع، تطالب العديد من القوى السياسية بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وذلك بعد عقد اتفاق سياسي بين جميع الأطراف يفضي إلى التعديل على القانون الانتخابي وتغيير المفوضية العليا للانتخابات، وإلغاء العمل بنظام الانتخاب والعد والفرز الإلكتروني.
وقال زعيم "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، الجمعة، تعليقا على استقالة نواب الصدر، إن "الخلل الآن أعمق وأكثر تعقيدا، ولا يمكن تشكيل حكومة في ظروف هادئة وتستطيع أن تنجح"، داعيا إلى "اتفاق سياسي لإعادة الانتخابات بعد تعديل قانون الانتخابات وإلغاء التصويت الإلكتروني وإجراء تغييرات مهمة في المفوضية".
وعلى نحو مماثل، طرح تحالف "قوى الدولة" الذي يجمع تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم وائتلاف النصر بقيادة حيدر العبادي، مبادرة سياسية، الجمعة، تفضي إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
ونصت المبادرة على أن "المرحلة القادمة انتقالية، تنتهي بانتخابات جديدة، يُتفق على مدتها وتشكيل معادلة حكم وسطية متزنة، ومحل قبول إقليمي دولي، ومحل اطمئنان للقوى السياسية المشاركة وغير المشاركة بالحكومة، ضمانا لوحدة الصف الوطني والمهام الأساس للحكم القادم، وإدارة المرحلة الانتقالية التي تنتهي بانتخابات جديدة، لإعادة ثقة الشارع بالنظام السياسي".
وكذلك أعلنت كتلة "حقوق" البرلمانية التابعة لـ"كتائب حزب الله" في العراق عن استقالة نوابها الستة من البرلمان، وأكد رئيس الكتلة حسين مؤنس، الخميس، أن "العملية السياسية مرت بأزمة معقدة ناتجة عن التباين في توجهات الأطراف الفاعلة في إدارة الدولة".
وفي موازاة ذلك، طالبت حركة "الجيل الجديد" الكردية على لسان زعيمها شاسوار عبد الواحد، بضرورة حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، الأمر الذي كان قد أيده سابقا تحالف عزم السني، حيث أكد النائب عنه محمود القيسي، بقوله: "إننا نتعامل جديا مع أطروحة إعادة الانتخابات، فالاحتقان السياسي قد وصل إلى مراحل حرجة".
وفي هذا الصدد، تستعد قوى شعبية للخروج بمظاهرات مطلع الشهر المقبل من أجل "إسقاط البرلمان"، إذ دعا المرشح السابق للانتخابات البرلمانية عن التيار الصدري الإعلامي منتظر الزيدي الناشطين إلى الاستعداد والجهوزية للخروج بمظاهرات شعبية تسقط البرلمان.
— الصحافي منتظر الزيدي (@muntazer_zaidi) June 23, 2022
مشهد ضبابي
وتعليقا على إمكانية إجراء انتخابات مبكرة، قال رئيس مركز "بغداد" للدراسات الاستراتيجية مناف الموسوي لـ"عربي21" إن "المشهد في العراق معقد وضبابي، خصوصا بعد فشل مشروع التغيير الذي تقدم به التيار الصدري، وانسحابه من العملية السياسية والبرلمان".
وقال الموسوي إن "بعض العقلاء يعلمون جيدا أن تشكيل حكومة توافقية معناه نهاية العملية السياسية، وربما يتسبب ذلك في مواجهة حقيقية مع الجمهور الذي خرج بمظاهرات في 2019 وقدم الشهداء في سبيل أن يحصل على تغيير، وكان من نتائج ذلك استقالة الحكومة وتغيير القانون الانتخابي والمفوضية العليا للانتخابات".
وأوضح أن "محاولة إعادة القانون الانتخابي السابق، وتغيير مفوضية الانتخابات وجعلها ضمن المحاصصة، حسب أهواء ومزاجيات الأحزاب لن يكون ذا فائدة فعلية، خصوصا مع النسبة القليلة التي شاركت في انتخابات 2021.. وإذا حصل تغيير في القانون الانتخابي فإن النسبة ستقل كثيرا في الانتخابات المقبلة وربما تقتصر على الجمهور المتحزّب".
ورأى الموسوي أن "دعوات إعادة الانتخابات ربما يكون سببها الخشية من عودة خروج الجمهور إلى الشارع، لذلك فإنه يبدو أن هذه الكتل السياسية تحاول استباق الأحداث من خلال تقديم مبادرات والحديث عن الذهاب لانتخابات مبكرة".
وأعرب رئيس "مركز بغداد للدراسات" عن اعتقاده بأن "خروج الجماهير إلى الشارع هذه المرة سيكون أكثر بكثير مما حصل في تشرين 2019، وقد تكون نتائجه وخيمة على هذه الأحزاب".
وبخصوص مشاركة تيار الصدر بالانتخابات، قال الموسوي إن "الصدر صرّح بأنه لن يشارك في الانتخابات المقبلة إذا شارك الفاسدون فيها، وهذه إشارة إلى أن هذه الأحزاب إذا غيّرت قانون الانتخابات والمفوضية، فلن يشترك فيها، وذلك سيحدث خللا بنسبة المشاركة وبالتالي تفشل الانتخابات".
تحديات محتملة
وفي السياق ذاته، رأى الباحث في الشأن السياسي العراقي نذير محمد أن "الانتخابات المبكرة قادمة لا محالة لأن الوضع السياسي ليس طبيعيا، فثمة كتلة لها امتداد واسع في الشارع انسحبت من البرلمان متمثلة بالتيار الصدري، وانسحابها لا يعني مقاطعة العملية السياسية".
وقال محمد لـ"عربي21" إن "القوى السياسية الحالية وتحديدا الإطار التنسيقي الشيعي همّه الوحيد الآن التخلص من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي يخالف توجهاته، وتشكيل حكومة أخرى تمهد لانتخابات برلمانية مبكرة، وربما تكون بعد عام واحد فقط".
وأضاف الباحث أن "قوى الإطار التنسيقي الشيعي أصبح لديها نحو 150 نائبا في البرلمان وباستطاعتها تغيير قانون الانتخابات واستبدال المفوضية العليا، وستعمل على ذلك حتى لا تمنى بخسارة مشابهة لما حصل لها في انتخابات عام 2021".
وأشار إلى أن "تغيير قانون الانتخابات والمفوضية ليس بالأمر السهل لأن الصدر باستطاعته تحريك الشارع واقتحام قبة البرلمان كما حصل في مرات سابقة لمنع سن أي قانون يصب في مصلحة الأحزاب المناوئة".
اقرأ أيضا: هل ينهار النظام السياسي الذي أنشأته واشنطن في العراق؟
ونوه محمد إلى أن "القوى السياسية اليوم تستشعر خطر تواجد التيار الصدري خارج البرلمان بعدما فشل الإطار التنسيقي في احتوائه، لذلك فهي لن تهنأ بحكومة تستطيع أن تمارس مهامها بشكل طبيعي، حتى وإن جرى تسويق مصطلح حكومة خدمات للشارع".
ورجح الباحث أنه "إذا أعيدت الانتخابات فإن الحجوم البرلمانية للقوى السياسية ستتغير ومنها التيار الصدري الذي لن يحصل على عدد المقاعد ذاته إذا شارك في الانتخابات، لكنه كما هو ظاهر يريد للشارع أن يضغط لإبعاد قوى سياسية بعينها من الانتخابات، والتي وصفها بالفاسدة قبل مدة".
وكان الصدر قد أبلغ نوابه المستقيلين خلال اجتماع عقده معهم في مقر إقامته بمدينة النجف منتصف شهر حزيران/ يونيو الجاري، أنه لن يشترك في أي انتخابات مقبلة إذا شارك فيها الفاسدون، في إشارة إلى الطبقة السياسية التي تتصدر المشهد ومنعته من تشكيل حكومة أغلبية سياسية.