قضايا وآراء

دستور قيس سعيد.. والممكن المستحيل

الشاذلي بن عمر
1300x600
1300x600
في ظل الترقب والتخبط الإعلامي والتطورات السياسية والأخبار والتسريبات والتخمينات الخاصة بدستور قيس سعيد، وصلنا الكثير ولم نعرف بعد شيئا عن وظائف الرئيس وموقعه من الدستور الجديد، فلو أنه كان واثقا من خطواته ومن نفسه لقال لنا أين هو من الدستور. وأظن أن صلاحيات الرئيس لم تزل موضع تفكير، ذلك أن الرئيس يريد أن يحصل على أكبر قدر من الصلاحيات، بدون إثارة الرأي العام بالتذاكي على النص، لذلك هو لم يزل ينمق قصيدته، لينتهي منها في اللحظات الأخيرة. وغبي من يظن أن في الدستور فكرة واحدة لم ينص عليها رئيس الأمر الواقع، حين سلم اللجنة اقتراحاته أو إملاءاته.

وقد حسم الرئيس وليس لجنة الدستور حذف المادة الأولى التي تنص على أن تونس دولة إسلامية، مستبدلا بها "التونسيون أمة دينها الإسلام"، وهو هنا لم يضف شيئا ولم يقدم معنى جديدا؛ فدين التونسيين الإسلام هو أمر بديهي، ولا قيمة لوجوده في الدستور، فهو نوع من الضحك على الذقون، حتى إن تبريراته للأمر مضحكة وفيها الكثير من التذاكي الغبي.

إلى ذلك؛ فقد أقر دستور سعيد نظاما جديدا، ليس رئاسيا ولا برلمانيا؛ ولا أدري ما نوع هذا الاختراع الجديد؟ لكنني أتصور أنه سيصدم التونسيين بكونه نظاما رئاسيا مشوها، فيه الكثير من الخداع والالتفاف على المفردات والمصطلحات والمفاهيم، وسيكون مثار سخرية الداخل والخارج، والأيام بيننا؛ فشخص مريض مثل سعيد، يسعى إلى الإمساك بكل خيوط اللعبة، إما مباشرة أو من خلال مؤسسات خاضعة له بالكامل؛ فدستوره سيدفع بالمؤسسات الخاضعة له إلى التمكن والفاعلية، وإلى البرلمان والقضاء ومرافق المجتمع المدني التي لا تعمل ضمن تصوراته إلى أدنى مستوى من إمكانية الفعل الجاد، بل إنني أتصور بأن البرلمان سيكون مقيدا أو مواليا من خلال انتخابات صورية، ما دام هو من سيتحكم بالقضاء الذي ظل يؤكد على أنه وظيفة وليس سلطة، وهذا يعني أن سلطة القضاء وهي أهم سلطة، ستخضع مباشرة للرئاسة من خلال وزارة الداخلية، بما يؤكد على دكتاتورية مقنعة أو مكشوفة الوجه، حسبما سينص دستور الخيبة.
حسم الرئيس وليس لجنة الدستور حذف المادة الأولى التي تنص على أن تونس دولة إسلامية، مستبدلا بها "التونسيون أمة دينها الإسلام"، وهو هنا لم يضف شيئا ولم يقدم معنى جديدا؛ فدين التونسيين الإسلام هو أمر بديهي، ولا قيمة لوجوده في الدستور

واستكمالا لما سبق عن موضوع الرئاسة، لم تكشف بعد لنا المعلومات المتوفرة عن مدة رئاسة الرئيس، والمرات التي يحق له فيها الترشح. وأظن أن المنقلب سيضع لنفسه نظاما في الدستور يضمن له البقاء في منصبه ردحا من الزمن، وهذا ما ستكشفه الأيام القليلة القادمة.

لم أسمع من قبل أن الدستور يمكن أن يتطرق إلى أسس النهوض الاقتصادي، ولا أظنه إلا نوعا من العبث الكلامي، فالاقتصاد مرتهن بالواقع وتغيراته، ويخضع لخطط زمنية، بناء على الأحوال القائمة، اللهم إلا إذا كان ينص على الضرائب ورفع الدعم ومكاسب الخزينة من المواطنين، وهي التي ستنكل بالفقراء، وربما تدفع المستثمرين إلى الهروب.

ويستهدف الدستور الجديد بالدرجة الأولى البرلمان والقضاء، فلا ندري بعد -على وجه الدقة- كيف سيكون البرلمان، أما القضاء؛ فقد فهمنا تماما أنه قضاء مسير لا مخير، وأن القاضي عبارة عن موظف دولة، بلا أدنى استقلالية، حيث يمكن نقله وإقصاؤه ومحاكمته وسجنه ببساطة، إلا أن يخضع للداخلية وأحكامها الجاهزة كما يحدث في مصر.

والمضحك أن رئيس لجنة الدستور الصادق بلعيد يصرح بأن الدستور يؤكد على أنه لا عودة لحكم الفرد. والحقيقة أن هذا التصريح أثار فضولي كثيرا وبت أنتظر بفارغ الصبر نشر الدستور لأرى كيف يكون الحكم غير فردي. ربما يقصد كما أشرت أعلاه إلى الحكم من خلال المؤسسات التابعة للداخلية والمحكومة بالطاعة والولاء لسيد البلاط المريض بشهوة الحكم والتسلط، فمن المستحيل ألا يحيط نفسه بمواد تحصنه وتجعله حاكما بأمره.
في ظل هذه الأجواء، يصر قيس سعيد منذ الانقلاب حتى اليوم على الترقيع الذي لن يصمد طويلا، فقد توقف مؤخرا عن ضخ السلع الضرورية للمزودين كما وعد، وهو ما سينذر بأزمة اجتماعية بدأت ولن تنتهي ما دام المنقلب لا يمتلك رؤية مستقبلية وحلولا عاجلة

وفي الأثناء يواصل الدينار التونسي هبوطه إلى أدنى المستويات، إضافة إلى ارتفاع نسبة التضخم بين شهر وآخر، في ظل تآكل احتياطات العملات الأجنبية، وهذا ما سيفاقم خدمة الدين، ويجعلها أكثر كلفة، وسيؤدي إلى تراجع القوة الشرائية، ويزيد من عجز الميزانية. وفي ظل هذه الأجواء، يصر قيس سعيد منذ الانقلاب حتى اليوم على الترقيع الذي لن يصمد طويلا، فقد توقف مؤخرا عن ضخ السلع الضرورية للمزودين كما وعد، وهو ما سينذر بأزمة اجتماعية بدأت ولن تنتهي ما دام المنقلب لا يمتلك رؤية مستقبلية وحلولا عاجلة، وهو لا شك عاجز عن الرؤية والرؤيا في آن معا، فهل سيكون دستور المنقلب قادرا على تجاوز هذه الأزمات من خلال "أسس النهوض الاقتصادي" التي يشتمل عليها الدستور؟

لا يراودني أدنى شك في أن المستفتين على الدستور لن يزيدوا كثيرا عمن شاركوا في المشورة الإلكترونية، اللهم إلا إذا تم تزوير النتائج، وهو ما لا أستبعده، فما كانت بدايته تزويرا وكذبا واحتيالا، فلن يكون آخره صدقا وانضباطا؛ وذلك ما سيجعل الموقف من ألاعيبه يزداد سخونة، وربما يؤدي إلى ثورة شعبية، خصوصا إذا تحول آخرون عن تأييدهم له جراء عملية التزوير التي ستكون مكشوفة، فيما لو فعلها.

كان بإمكان المنقلب أن يستثمر حججه ومبرراته للانقلاب استثمارا أكثر حصافة، إلا أنه بات مكشوفا، وبات واضحا أنه لا يسعى لشيء أكثر من تحصين نفسه والاستمرار في رئاسة البلاد، لكن المؤشرات كلها تشير إلى أنه لن يفلح في مساعيه، وأن المسألة مسألة وقت ليس إلا.. وإن غدا لناظره قريب..
التعليقات (1)
الورفلي
الجمعة، 24-06-2022 04:08 م
قيس سعيد ذئب متعطش للسلطة مسكون بعقد الظهور فهو صغير يكبر على حساب آلام شعبه و مآسيه..الثورة قادمة لا محالة و ستجرفه سيول الغضب