مقالات مختارة

هل الأزمة الأوكرانية فرصة عربية؟

مثنى عبد الله
1300x600
1300x600

تباينت مواقف الدول العربية إزاء الحرب الروسية على أوكرانيا، بين مؤيد لموسكو تأييدا كاملا كسوريا، ومؤيد للطرف الأمريكي كالكويت ولبنان، في حين ارتأت مصر والسعودية ودول خليجية أخرى، الوقوف على الحياد، داعية إلى حل دبلوماسي للأزمة.
وعند التمعن في هذه المواقف يبدو أنها متلائمة مع مصالح هذه الدول، فسوريا على سبيل المثال تحكمها علاقة خاصة مع الروس، من خلال الحرب جنبا إلى جنب في الساحة السورية، أيضا الموقف المصري ينسجم مع تحركاتها الخارجية الرامية إلى تنويع علاقاتها مع مختلف الأطراف الدولية، وهي حريصة على عدم الانحياز إلى أي طرف على حساب آخر، خاصة أن القاهرة تضررت من هذه الأزمة في مجالات السياحة، وكذلك في مجال إمدادات الغذاء كالحبوب. كذلك الموقف الخليجي نابع من كون هذه الدول لديها علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة والغرب وروسيا والصين، ويبدو أنها لا تريد التفريط بعلاقاتها مع طرف على حساب آخر. لكن ما هي حسابات الربح والخسارة في هذه الحرب؟
يبدو أن الإفرازات السلبية لهذه الأزمة وتداعياتها، أبعد ما تكون عن دول الخليج من غيرها من الدول العربية، بل إن الأثر المباشر للحرب ما زال حتى الآن يتمثل في تدفق المزيد من الأموال عليها بسبب ارتفاع أسعار النفط، بما يفوق ما قدّرته هذه الدول عندما وضعت ميزانياتها، لذلك نجد مواقفها تقوم على الاتزان، ويعزز هذا الموقف الحرص على البقاء في الصفوف الخلفية، رغبة منها في الاستفادة القصوى من الأزمة، وقد يتحقق لها ذلك ليس بسبب قفزات أسعار النفط وحسب، بل لأن العقوبات على مصادر الطاقة الروسية عزز من أهمية الدول المُصدّرة للطاقة، لكن ذلك لا يعني في أي حال من الأحوال أن التداعيات على المديين المتوسط والبعيد دائما سالمة، فارتفاع الأسعار قد يقود إلى البحث عن مصادر طاقة بديلة، أو في أسوأ الأحوال توقف الطلب على الطاقة، وهذا الأخير سوف يدفع باتجاه حدوث أزمة مالية عالمية على غرار ما حصل في عامي 2008 و2009، ولا أحد من الدول المصدّرة للنفط يرغب في حدوث هذا السيناريو، لكن هل الحياد العربي في الأزمة الأوكرانية، سيكون مقبولا من الغرب والولايات المتحدة؟

في العلاقات الدولية لا يوجد شيء بلا ثمن حتى الحياد له ثمن، قد يذهب البعض للقول بأن الولايات المتحدة مستاءة جدا من الحياد العربي في هذه القضية، كما أنها مستاءة أكثر من حفاظ بعض دول الخليج على التنسيق مع روسيا في أوبك، وإعلان احترامها للاتفاقيات النفطية الموقعة معها، ورفضها زيادة التصدير إلى الحدود التي طلبتها واشنطن، في سعيها لتجفيف مصادر التمويل لروسيا، من خلال العقوبات التي فرضتها على صادراتها من الطاقة، لذلك كان هناك تصور يرى أنه قد يعود شعار من لم يكن معنا فهو ضدنا من جديد إلى الساحة. عندها يمكن لواشنطن الاستثمار فيه، ودفع الدول العربية الحليفة لها للدخول في معترك الأزمة الأوكرانية. لكن المُنظّرين لهذا الرأي يتجاهلون حقيقة الظرف الذي ولد فيه هذا الشعار، واختلافه كليا عن اللحظة الراهنة، آنذاك كانت الأزمة فيها مخاطر فقط، ما دفع الكثير من الدول مختارة أو مجبرة على الوقوف إلى جانب الولايات المتحدة، كما كان عصر القطبية الأحادية طاغيا على المشهد الدولي. أما اليوم فالأمر مختلف تماما، لأن الأزمة الحالية تنطوي على فرص ومخاطر في الوقت نفسه، والموقف الدولي تبدو التعددية القطبية تطل برأسها فيه. كما أن هذه الحرب هي صناعة غربية تم رسم مسرحها في أوكرانيا، وعليه فإن كل هذه العوامل تعطي للدول حرية اتخاذ مواقف، بعيدا عن الابتزاز الذي ينطوي عليه هذا الشعار. إن ما تجدر الإشارة إليه، أن الغرب كان دائما حريصا على حشد إمكانيات العرب الاقتصادية والسياسية في معاركه، في حين كان بعيدا جدا عن القضايا والمصالح العربية، فعلى مدى عقود كان يقدم كل أنواع الدعم إلى الكيان الصهيوني، وغزا واحتل العراق عام 2003، فأطاح بمعادلة الردع العربي ضد إيران. وصمت عندما تدخلت روسيا في سوريا. ورفع اسم الحوثيين من قائمة الإرهاب عند وصول بايدن إلى البيت الأبيض. وفضّل مصالحه مع إيران على مصالحه مع العرب، لذلك لا بد من أن يتبلور موقف عربي بالحياد في الأزمات الغربية، خاصة أن العامل الرئيسي في الأزمة الأوكرانية الحالية هو الاقتصاد. فالأزمة الاقتصادية بدأت تطل برأسها على أمريكا والغرب، لذلك على الأطراف الدولية أن تفهم اليوم، أن العرب لن يكونوا خزائن مال ومصادر طاقة تحت الطلب ومن دون مقابل، وعليه يبدو أن الحياد العربي ليس خيارا، بل ضرورة في هذه الأزمة، التي ليس للعرب فيها ناقة ولا جمل، وهو مطلوب كذلك لأنها فضحت ازدواجية الغرب في تعامله مع العرب وبقية شعوب آسيا وافريقيا، وأسقطت الكثير من القيم التي كانوا يساوموننا بها، حيث تم إعلان الحرب على السياحة والاقتصاد ووسائط النقل العام كالخطوط الجوية والبرية، والرياضة، والتطبيقات الغربية في الاجهزة التكنولوجية، وحتى القطط الروسية طالها الحصار أيضا، وهذه كلها قيم أوروبية كان الغرب يجعل منها مسارات مطلوب أن تسير عليها الدول الأخرى، كي تحصل على شهادات حسن السلوك منه.
يقينا أن الازمة الأوكرانية الحالية تمثل فرصة ذهبية للعديد من الدول العربية لتنويع خياراتها، فالتركيز على قوة دولية بعينها يقيّد حرية الحركة السياسية، وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أن الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، باتوا يشكون من أن حليفهم هذا لم يعد مستقرا في مواقفه الداعمة لهم، ولم يتحرك لمساندتهم ضد التهديدات الخارجية التي يتعرضون لها، وذهب للتفاوض مع إيران، من دون الأخذ بنظر الاعتبار هواجسهم ومصالحهم ومخاوفهم، في الإدارات السابقة والحالية. في المقابل هنالك روسيا التي أصبح لها نفوذ في سوريا والسودان وليبيا وغيرها من الدول العربية، وبينها وبينهم علاقات أمنية وعسكرية، وتلتقي معهم في سوق تصدير الطاقة، وعليه تصبح الأزمة الحالية بين روسيا والغرب فرصة عربية لتأكيد حياد العرب في الأزمات التي ليسوا معنيين بها. وهذا الموقف ليس مُعيبا ولا جديدا في العلاقات الدولية، فالدول حين تحاول تخفيف الخسائر والمخاطر تذهب إلى أمساك العصا من المنتصف.

(القدس العربي)

 
0
التعليقات (0)