هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تصاعد التوتر مجددا بين الأردن والاحتلال الإسرائيلي، عقب تصريح رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت، الأحد الماضي، بأن "جميع القرارات المتعلقة بالمسجد الأقصى ومدينة القدس سيتم اتخاذها من قبل إسرائيل"، التي اعتبرها "صاحبة السيادة على المدينة، بغض النظر عن أي اعتبارات خارجية".
تصريحات بينيت أعقبها بيوم إعلان الحكومة الإسرائيلية، موافقتها على طلب أردني بزيادة عدد حراس المسجد الأقصى بـ50 عنصرا، بشرط التخلي عن حراس حاليين محسوبين على حركة "حماس" الفلسطينية وفق زعمها.
وأثار هذا الإعلان وزارة الأوقاف الأردنية، التي صرّح مصدر مسؤول فيها بأن مسؤولية تعيين الحراس والموظفين في الأقصى "لا تقبل المشاركة أو الإملاء من أية جهات كانت، بما فيها حكومة الاحتلال الإسرائيلي".
اقرأ أيضا: الاحتلال يرفض طلبا أردنيا بزيادة 50 حارسا في المسجد الأقصى
"عائق أمام المشروع الصهيوني"
ورأى وزير الإعلام الأردني الأسبق، سميح المعايطة، أن الوصاية الهاشمية "تمثل عائقا أمام المشروع الصهيوني لتهويد القدس والمقدسات، وكل عمليات العدوان والتجاوزات الصهيونية تعبر عن هذا المشروع".
واستدرك في حديثه لـ"عربي21" بالقول: "لكن الوصاية الهاشمية الموجودة قبل قيام كيان الاحتلال جزءٌ من معاهدة السلام، وإذا كان هناك أي إجراء حقيقي ضد الوصاية؛ فهذا يعني القفز عن المعاهدة".
ولفت المعايطة إلى أن "الحكومة الصهيونية تعاني من وضع داخلي صعب، وهناك تربص قوي ضدها من قبل المعارضة، وعلى رأسها نتنياهو، ولهذا فهي تحاول أن تذهب إلى أقصى درجات التطرف، وأن تبدو أمام المجتمع الإسرائيلي أنها قوية، بعكس الصورة التي يرسمها رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق بنيامين نتنياهو لها".
وأضاف أن "إسرائيل، ورغم كل سياساتها العدوانية، إلا أنها معنية بالعلاقة مع الأردن، وهناك مراكز قوى في كيان الاحتلال تدرك أن خسارة هذه العلاقة - رغم كل التوسع في علاقات إسرائيل في العالم العربي - تعد خسارة كبيرة، نظراً لاعتبارات عديدة".
وأكد أن "الحكومة الصهيونية تريد أن تبقى، وتريد أن تُفشِل جهدَ معارضيها، وتريد علاقات مع الأردن، وتريد إرضاء المتطرفين الصهاينة، وتريد الاستمرار في مخطط تهديد القدس، وهذه متناقضات من الصعب الجمع بينها، ولهذا نرى التناقض بين بعض مواقفها".
ويخشى بينيت من حدوث مزيد من الانقسام داخل حزبه، أو أن يفقد موقعه في اليمين الإسرائيلي، مما قد يؤدي إلى انهيار الحكومة، وهو ما يدفعه لإطلاق تصريحات متشنجة بين فينة وأخرى، وفق مراقبين.
اقرأ أيضا: هل يسقط الأردن حكومة بينيت بعد تصريحاته بشأن إدارة الأقصى؟
"مقامرة خطيرة"
ويرى المحلل السياسي حازم عياد أن هناك محاولة لتسويق مواقف بينيت وتصريحاته في أمريكا والأردن، على أنه محاولة لمنع انهيار حكومته، لكنه في الحقيقة يمثل تهديدا مباشرا للوصاية الأردنية على المقدسات.
وقال لـ"عربي21" إن سكوت الأردن على هذه التصريحات مسألة خطيرة جدا؛ لأن تهويد المسجد الأقصى وتقسيمه زمانيا ومكانيا، وإسقاط الوصاية الأردنية؛ هي سياسة عابرة للحكومات الإسرائيلية، "وكل ما يجري هو عبارة عن تكريس لها".
وأكد عياد أن "التعويل على كل من وزيري الخارجية يائير لابيد، والدفاع بيني غانتس، في كبح جماح بينيت والحفاظ على تفاهمات مع الأردن مقامرة خطيرة؛ تحتاج من الأردن مواقف أكثر وضوحاً، بما يتضمن المطالبة بالحصول على ضمانات إسرائيلية ودولية بعدم تقسيم المسجد الأقصى زمانيا ومكانيا".
وتابع: "ثمة مطالبات إسرائيلية للإدارة الأمريكية، بعدم ممارسة الضغوط عليها، والسماح لحكومة بينيت بتمرير مشاريعها الاستيطانية، حتى لا تسقط تحت ضغط اليمين الإسرائيلي، وهذه الحجة تستخدم أيضا في محاولة إقناع الأردن بعدم ممارسة أي سياسة تصعيدية، دبلوماسيا واقتصاديا، مع هذه الحكومة".
ولفت عياد إلى أن "ثمة حديثا عن لقاء مرتقب بين الملك عبد الله والرئيس الأمريكي جو بايدن"، مرجحا أن يكون اللقاء بهدف "مناقشة نفس الإشكالية المتعلقة بالحكومة الإسرائيلية ومستقبلها، وكيفية التعامل معها".
اقرأ أيضا: 8 مطالب إسرائيلية ردا على وثيقة الأردن حول الأوضاع بالأقصى
وأضاف أن استمرار حكومة بينيت في تخبطها، قد يقود إلى خلق حالة من التوتر والتصعيد ليس في داخل فلسطين وحسب، وإنما في المحيط الإقليمي أيضا، بما يشمل توتيرا كبيرا في العلاقة مع الأردن، وهذا يفسر رغبة الإدارة الأمريكية بلقاء الملك عبد الله لامتصاص حالة التوتر، وتنسيق السياسة المتبعة تجاه الائتلاف الإسرائيلي الحاكم.
وحول موافقة حكومة الاحتلال على طلب أردني بزيادة عدد الحراس في المسجد الأقصى المبارك؛ أوضح عياد أن ذلك يمثل محاولة لاسترضاء الأردن كي يبقى على مساره الحالي، بحيث لا يتجه للتصعيد مع حكومة الائتلاف الإسرائيلي الحاكم.
وكانت قناة "كان" العبرية، قد أعلنت مساء الإثنين، أن وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي عمير بارليف والشرطة الإسرائيلية، أبدوا موافقتهم على طلب أردني بزيادة عدد حراس المسجد الأقصى التابعين للأوقاف الإسلامية الأردنية، بـ50 عنصراً.
وأضافت القناة أن الطلب الأردني كان قبل التوتر الذي حصل خلال شهر رمضان، ولكن تكررت المطالبة به الأسبوع الماضي بعد انتهاء الشهر الفضيل، لافتة إلى أن بارليف اشترط إخراج عدد من الحراس الحاليين بزعم انتمائهم لحركة "حماس" الفلسطينية.
الاحتلال هو المتحكم
وقال الباحث المختص في شؤون المسجد الأقصى، زياد ابحيص، إن إعلان الاحتلال عن زيادة الحراس "يكرس أكثر فأكثر أن الاحتلال هو المتحكم الذي يضع نفسه في موقع الأصيل، فهو من يمنح الإذن بتعيين حراس الأقصى، وهو من يوافق على ذلك".
ولفت إلى أن "تعيين حراس المسجد منذ عام 1950 وحتى 2017 كان شأناً يخص الأوقاف الأردنية وحدها، بصفتها الجهة الإسلامية التي تدير الأقصى كمقدس إسلامي"، لافتا إلى أن الموافقة الإسرائيلية على تعيين الحراس يوضح حقيقة الدور الذي وصلت إليه الأوقاف الأردنية في الأقصى.
وبين أن الاتفاق على زيادة عدد الحراس "جاء عقب تصريحات بينيت التي قصدت أن تضع ما سيعلَن بعدها تحت مظلة السيادة الصهيونية، وإعلان اتفاقات بعد ذلك هو إقرار ضمني من الأردن الرسمي بالطبيعة الوظيفية للأوقاف تحت هذه السيادة".
ورجح ابحيص في حديثه لـ"عربي21" أن "اتفاق زيادة حراس الأقصى جاء بوساطة أمريكية، وضعت الولايات المتحدة في موقع من يقرر مصير المقدس الإسلامي".
وأشار إلى أن "آخر وساطة أمريكية في الأقصى جاءت على يد جون كيري في 24 تشرين الأول/أكتوبر 2015، حيث منحت الصهاينة مكتسبين كبيرين: هما حق الزيارة، وتركيب كاميرات مراقبة لنقل المسؤولية الأمنية داخل الأقصى لشرطة الاحتلال، وهو الاقتراح الذي اضطر الأردن للتراجع عنه في 18 نيسان/أبريل 2016 تحت الضغط الشعبي".
ورأى ابحيص أن "هذا الاتفاق يفرض على الأردن التزامات مقابل توظيف الحراس، وهي غالباً التعهد بضبط الأمن في الأقصى، وقد سبق لمسؤولين أمنيين صهاينة أن أفصحوا عن ذلك؛ وهذا إن حصل سينعكس مزيداً من التنسيق والتعاون ضد حالة الرباط والاشتباك في الحرم القدسي".
وأضاف أن هذا السيناريو إن حصل "سيُفقد الدور الأردني في الأقصى ما تبقى له من مشروعية شعبية، وهذه بحد ذاتها مصلحة صهيونية خالصة؛ لأنها ستجعل الإدارة الإسلامية الحالية للأقصى تنهي نفسها بيدها".
وكان مسؤول في وزارة الأوقاف الأردنية قد أكد في تصريح صحفي تلقاه مراسل "عربي21" ليلة الإثنين/الثلاثاء، أن "مسؤولية وصلاحية تعيين الحراس والموظفين تعود للوزارة بالتنسيق مع دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس الشريف، ولا تقبل المشاركة أو الإملاء من أية جهات كانت، بما فيها حكومة الاحتلال الإسرائيلي".
وأضاف المصدر أن الوزارة "قامت بتعيين أكثر من 70 حارسا منذ عام 2016، إلا أن إجراءات التعسف والغطرسة الإسرائيلية، والقيود التي تضعها الشرطة الإسرائيلية على الأرض؛ تشكل حائلاً دون التحاق الحراس والموظفين بعملهم".