أوضحت في المقال السابق أن "الإخوان المسلمين" ليست فقط التنظيم، وهذا لا يقدح في التنظيم ولا أهميته لأي عمل جماعي لأن الفوضى هي البديل، ولكن الإشكالية التي واجهت تنظيم "الإخوان المسلمين" في الفترة الأخيرة جعلت الكثيرين يفقدون الثقة في الإخوان المسلمين كفكرة وجماعة وتيار؛ لأن الأصل أن القيادة الموثوق بها هي أفضل طريقة لإقناع وتشجيع الآخرين على الانضمام أو تأييد ودعم هذه المؤسسة أو تلك.
اليوم سأناقش نقطة غاية في الأهمية، ولعل المجال يتسع في هذا المقال وما يليه لمناقشة التحديات التي تواجه الإسلام كدين وعقيدة. فقد عدت إلى مذكرات الأستاذ حسن البنا عليه رحمة الله ووجدته في بداية الدعوة يركز جل جهده للدفاع عن الدين والملة والعقيدة والأخلاق وصيانة المجتمع وحمايته، ويحاول قدر جهده حشد كل الجهود لصالح استعادة الدين الصحيح مكانته في المجتمع كرأس حربة لمواجهة الاإحاد والانحلال والفساد: "وقد وجدت في نفسي -على أثر ما شاهدت في القاهرة من مظاهر التحلل والبعد عن الأخلاق الإسلامية في كثير من الأماكن التي لا عهد لنا بها في الريف المصري الآمن، وعلى أثر ما كان ينشر في الجرائد من أمور تتنافى مع التعاليم الإسلامية ومن جهل بين العامة بأحكام الدين- أن المساجد وحدها لا تكفي في إيصال التعاليم الإسلامية إلى الناس" (مذكرات الدعوة والداعية، ص41).
ولكم سعى إلى العلماء والوجهاء يستحثهم ويستصرخهم بكل قوة للدفاع عن الدين ويستنهض الهمم ويحاول إيقاظ الأزهر ورجاله، ولم يكن هو من بين رجال الأزهر. يقول البنا في مذكراته: "ففكرت في أن أدعو إلى تكوين فئة من طلاب الأزهر وطلاب دار العلوم للتدريب على الوعظ والإرشاد في المساجد، ثم في المقاهي والمجتمعات العامة، ثم تكون منهم بعد ذلك جماعة تنتشر في القرى والريف والمدن الهام لنشر الدعوة الإسلامية" (مذكرات الدعوة والداعية، ص41)
الحرب قد استعرت بعد انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013 ووصلت أوجها في الشهور الماضية، ولا تزال مستمرة في ظل غياب ملحوظ للمؤسسات الدينية التقليدية التي كانت تدافع عنه، وعلى رأسها الأزهر الشريف الذي تعرضت فيه عمامة الإمام الأكبر للسخرية والنقد العلني المباشر من الجنرال الذي يحكم مصر
إن الإسلام يتعرض في الوقت الراهن لحرب معلنة حينا وخفية أحيانا، ولعلنا لاحظنا أن هذه الحرب قد استعرت بعد انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013 ووصلت أوجها في الشهور الماضية، ولا تزال مستمرة في ظل غياب ملحوظ للمؤسسات الدينية التقليدية التي كانت تدافع عنه، وعلى رأسها الأزهر الشريف الذي تعرضت فيه عمامة الإمام الأكبر للسخرية والنقد العلني المباشر من الجنرال الذي يحكم مصر، بل إن هذا الجنرال نفسه افتخر بكونه يواجه الأزهر والمسلمين في مؤتمر عام في ألمانيا، ناهيك عن الحملات المسعورة التي يشنها إعلام الجنرال على شيخ الأزهر ليل نهار (راجع ما نشرته
وكالة الأناضول).
ولا يقتصر الأمر على انتقاد الأزهر، بل امتد للهجوم على ثوابت الدين والعقيدة، ووجدنا أنفسنا في بلد غالبيته العظمى من المسلمين حاكما يطالب بإعادة صياغة مفهوم المعتقد ولا يرى في الإلحاد ولا الكفر أي غضاضة، بل إنه مستعد للدفاع عن الملحدين ومهاجمة المسلمين جهارا نهارا واتهامهم بمحاولة قتل العالم والقضاء على غير المسلمين، ناهيك عن إعلانه أنه هو وحده المسؤول عن دين الناس. وهذا يعني تعطيل علوم القرآن والسنة والفقه والمعاملات وتركها للحاكم، وهو مفهوم جديد للدين لم يجرؤ على طرحه أحد في زمان الأستاذ حسن البنا الذي كان يستوحش غربة الإسلام في زمانه، ولذلك بادر بالدعوة إلى الدفاع عن الدين والأخلاق فما بالنا اليوم.
واليوم تتعرض أكبر وأعرق المؤسسات الوقفية في العالم الإسلامي إلى عملية نهب منتظمة من قبل سلطة الجنرالات، وباتت المساجد بيوت الله في الأرض خاضعة لأوامر الضباط، ووقعت مؤسسة الأوقاف بكل تاريخها وثرواتها تحت إدارة وزير اعتبره كثير من العلماء إن لم يكن كلهم "مخبر أمن دولة سابق"، وهو مشكوك في نزاهته ومطعون عليه في ذمته المالية ومكانه الطبيعي أمام المحاكم وليس في ساحة الأزهر الشريف (راجع
الشروق المصرية في 17 كانون الثاني/ يناير 2018).
وإذا ما دققت في المساجد وروادها فستدرك أنها أصبحت تحت حصار أمني غير مسبوق، فالخطبة موحدة والدروس معلقة والمساجد في الغالب مغلقة، وإذا ما ذهبت إلى المكتبات وسوق الكتب فسوف ترى خلوها من أي مراجع أو كتب يمكن أن تساهم في رفع الوعي الناس والمجتمع، فقد سُحبت الكتب المهمة وخلت الأرفف اللهم إلا من اللمم.
الوضع برمته جد مؤلم وخطير ولا يرضي الله ولا رسوله ونحن شهود هذه الأمة، وكلنا مسؤول وكلنا مطالب بالتحرك، وما حديثنا إلا من ناحية الإعذار إلى الله سبحانه وتعالى، ومحاولة إيقاظ هذه الأمة وإحياء الدين وتوقيره في نفوس العالمين
وإذا ما ذهبت لتشاهد التلفاز فسوف ترى سوءا وتسمع كفرا أو على أقل تقدير نفاقا وبهتانا، وتجنيا واضحا على السنّة والصحابة وتأويلا فاسدا للآيات، وتشكيكا طول الوقت في الأحداث العظمى والغزوات الكبرى والمعجرات النبوية الشريفة، بل تشكيك في أحاديث ثبت صحتها، وسوف لن ترى سوى من يرى أنه لا بأس أن يكون عالما للسلطان ومن يفتخر بأنه مخبر للأمن ولا يرى في ذلك عيبا ولا بأسا. وكلهم قد سخّر معظم وقته للهجوم على العلماء والفقهاء المتخصصين، ونال بغير علم من كل عالم جليل اجتهد وأدلى بدلوه في الفقه والفكر والشريعة.
ولو راجعت حالة الغلاء المعيشي والعجز عن الوفاء بالتزامات البيوت المفتوحة وتراجع القيمة الشرائية للجنيه المصري ووصول معدلات الفقر إلى حوالي 30 في المائة، وهو رقم كبير يعني أن هناك 30 مليون مصري تحت خط الفقر، فهذا يعني أن المصريين يعانون سوء الحال، وفي أمسّ الحاجة إلى دور اجتماعي تقوم به مؤسسة بحجم وتاريخ الإخوان ومؤيديهم (راجع
صحيفة الشروق 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2021).
إن الوضع برمته جد مؤلم وخطير ولا يرضي الله ولا رسوله ونحن شهود هذه الأمة، وكلنا مسؤول وكلنا مطالب بالتحرك، وما حديثنا إلا من ناحية الإعذار إلى الله سبحانه وتعالى، ومحاولة إيقاظ هذه الأمة وإحياء الدين وتوقيره في نفوس العالمين.
ونكمل في المقال القادم إن شاء الله بقية التحديات الخارجية، قبل أن نتوصل إلى الخطوات التي يمكن أن تكون معينا على طريق العودة بإذن الله.
الإخوان المسلمون.. طريق العودة (1)