كتاب عربي 21

رسالة من عربي إلى المواطن الغربي

عبد الرحمن يوسف
1300x600
1300x600

عزيزي المواطن الأمريكي الأوروبي الغربي..

أرسل إليك هذه الرسالة والعالم كله يتفاعل مع الغزو الروسي لأوكرانيا..

لا شك أنها جريمة إنسانية، وقانونية، وذلك طبقا لكل الشرائع والقوانين الإلهية والوضعية.. أن تحتل دولة دولة أخرى بالقوة العسكرية، بالقتل والانتهاك، لمجرد حجج واهية..

أوكرانيا الدولة المسالمة التي لم تؤذ أحدا، الدولة الوحيدة في التاريخ التي تنازلت عن ترسانة نووية تكفي لإبادة الكرة الأرضية كلها.. هذه الدولة تحت القصف الروسي الظالم بدعوى أنها دولة نازية، تسعى للحصول على أسلحة دمار شامل!

ولكن.. أريدك عزيزي المواطن الأمريكي الأوروبي الغربي.. أريدك أن تتخيل معي أن العالم كله يقف مع روسيا.. ويؤيدها في عدوانها.. ويحاصر أوكرانيا ومقاومتها الباسلة..

أريدك أن تتخيل ولو للحظة أن دول النيتو تفرض حصارا قاتلا على أوكرانيا، وتمنع عنها السلاح، والطعام، والدواء، ومواد البناء، وحتى لعب الأطفال!

تخيل أن الدول الأوروبية التي تحيط بأوكرانيا تغلق الحدود أمام هؤلاء اللاجئين المساكين، وتصفهم بأنهم ينتمون لجماعات متطرفة.. وأنهم قد باعوا أرضهم للروس مقابل حفنة من الدولارات..

تخيل أن دول النيتو تسرب للقوات الروسية تحركات المقاومة الأوكرانية على الأرض لتسهل مهمة الجيش الروسي في القضاء على المقاومة الباسلة..

أريدك أن تتخيل الولايات المتحدة الأمريكية وهي تستخدم حق الفيتو في مجلس الأمن عشرات المرات أمام من يطالب بحق الأوكرانيين في مقاومة الاحتلال..

تخيل معي أن الرئيس الأمريكي "جو بايدن" يقول: "أنا روسي أكثر من الروس، ودعمي لروسيا وأمن روسيا ضد أوكرانيا عقيدة دينية لا أتخلى عنها أبدا، وأنا معترف بأن أوكرانيا أرض روسية، وأن روسيا عاصمتها كييف"!

أريدك أن تتخيل أن جميع هؤلاء الأبطال الذين ذهبوا متطوعين لدعم أوكرانيا، سواء بحمل السلاح أو حتى بالعمل الإغاثي ومساعدة اللاجئين.. أريدك أن تتخيلهم مطاردين أمام محاكم العالم بتهمة دعم الإرهاب.. وأنهم أصبحوا مضطهدين حتى في أوطانهم، وأصبحوا لا يستطيعون أن يعيشوا في بلادهم مطمئنين بسبب مطاردة أجهزة الأمن لهم، أصبحوا يوصفون أو يوصمون بأنهم "العائدون من أوكرانيا".. كل ذلك لأنهم تحيزوا لقضية عادة.. كل ذلك لمجرد أنهم دعموا شعب أوكرانيا وهو يقاوم الاحتلال الروسي..

تخيل أن طائرات البيرقدار التركية تقصف المقاومين الأوكران.. لا الغازين الروس..

تخيل أن الأسلحة التي ترسلها دول العالم تصل إلى روسيا وليس إلى أوكرانيا..

تخيل أن جميع العقوبات التي فرضت على روسيا.. قد فرضها العالم على أوكرانيا لمجرد أنها تدافع عن أرضها ضد محتل معتد أثيم..

والآن.. أريدك أن تتخيل ما لا يعقل.. تخيل أن كل من يكتب كلمة روسيا معتدية، أو المجد للمقاومة الأوكرانية.. أو لا لاستخدام الأسلحة المحرمة دوليا في أوكرانيا، أو النصر لكييف.. تخيل أن من يكتب ذلك على فيسبوك.. تحظر حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي كلها، ويمنع من حق الكلام.. مجرد الكلام على الواقع الافتراضي.. بحجة أنه ينشر تحريضا على الإرهاب يخالف الـ"كوميونيتي ستاندردز"!

أريدك أن تتخيل العالم كله -برغم وضوح عدالة القضية الأوكرانية- يقول إن هذه الأرض ملك لروسيا، ومن المعروف أن الروس منذ ألفي سنة أو يزيد قد مروا من هنا، وأكلوا من قمحها، ثم شربوا قليلا من الفودكا وانصرفوا.. صحيح أن ذلك قد حدث منذ عشرات القرون.. ولكن ذلك لا يمنع أن من حق الروس أن يستقروا في أوكرانيا، وأن يبنوا بيوتا ومستوطنات على تلك الأرض، وأن يزرعوها، وأن يعيشوا مطمئنين عليها.. وليذهب الأوكروانيون إلى الدول المجاورة، فليتصرفوا.. ولكن دون إزعاج المواطنين الروس.. وإذا أزعجوهم فإن من حق الروس أن يقصفوا الأوكرانيين الذين يقاومونهم بكل القنابل المحرمة دوليا، لأنهم إرهابيون..

هل تخيلت ذلك؟؟

الآن.. يؤسفني أن أقول لك إن ما تخيلته ليس خيالا.. بل هو واقع تعيشه أمة منذ عشرات السنين.. رغم أن قضيتها أكثر عدالة من القضية الأوكرانية.. لأن من يغزوها ويستعمرها ليس جارا قد يكون له حقوق تاريخية في الأرض، أو له ما يقلقه في أمنه القومي.. بل يغزوها أناس من كل أرجاء الكرة الأرضية، تفصلهم آلاف الأميال.. أناس لا علاقة لهم بهذه الأرض من قريب أو من بعيد..

عزيزي المواطن الأمريكي الأوروبي الغربي..

هذه هي حياتنا نحن العرب منذ قرن كامل.. مع القضية الفلسطينية..

شعب أخرج من أرضه.. ومحتل غاشم صدر ضد احتلاله عشرات القرارات الدولية، وبالتالي أصبح من حق هذا الشعب طبقا للقانون الدولي، وطبقا لكل الشرائع والقوانين أن يقاوم بكل أشكال المقاومة..

هذا الشعب تآمرت عليه غالبية حكومات العالم، برغم عشرات القرارات الدولية..

المؤامرة الدولية أسقطت كل الأنظمة العربية التي قد تحمي المقاومة، ونصبت حكومات عميلة للدولة المحتلة.. تم ذلك عبر انقلابات عسكرية متواصلة منذ سبعين سنة أو أكثر..

لقد منعت هذه الأنظمة العميلة الماء والهواء والدواء عن أهل فلسطين إرضاء للدولة المحتلة، تلك الدولة التي أصبح رضاها هو الضمان الوحيد لبقاء هذه الأنظمة في السلطة، هذه الدولة التي تتبجح بجرائم الحرب أمام الشاشات في حروب متصلة لا تنقطع.. هذه الدولة التي لا أستطيع أن أتلفظ باسمها.. لأنني لو تلفظت باسمها قد تطير مني كل صفحاتي على السوشيال ميديا، وهي وسيلتي الوحيدة لإبداء رأيي، ووسيلتي الوحيدة للوصول إلى مئات الآلاف من المتابعين..

لقد استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حق الفيتو عشرات المرات لكي تحمي هذا الاحتلال، واعترفت بالقدس عاصمة لتلك الدولة برغم كونها محتلة طبقا للقرارات الدولية..

إن جميع أسلحة العالم ضد من يقاومون هذا الاحتلال، وجميع استخبارات العالم تتآمر على هؤلاء المقاومين بتبادل المعلومات، وبتسهيل الاغتيالات والاختراقات..

الدول العربية بالنسبة لفلسطين أقرب بكثير من الناتو وأوروبا لأوكرانيا.. ورغم ذلك.. تعامل الأنظمة العربية الفلسطينيين أسوأ معاملة، سواء كانوا لاجئين أو مجرد عابرين في الموانئ والمطارات.

واليوم.. يكاد لا يستطيع أي حر في العالم أن يكتب كلمة تأييد للمقاومة الفلسطينية، أو كلمة إدانة للاحتلال!

لقد حذفت مئات الصفحات التي كان عليها مئات الملايين من المتابعين.. بالتهم التي نعلمها جميعا..

عزيزي المواطن الأمريكي الأوروبي الغربي..

إن غالبية شعوب العالم مع الحق الفلسطيني، ومع المقاومة الفلسطينية، وهي بالطبع ضد الاحتلال.. وأنا أرسل إليك عزيزي المواطن هذه الرسالة لكي أقول لك: لا تنتخب مجرمين موالين للاحتلال.. وتأكد أن انتخابك لهم عبر سنوات وسنوات هو ما تسبب في ما يحدث اليوم في أوكرانيا، وهو ما تسبب في قلق العالم كله من الفناء على يد مجموعة من الأنظمة الإجرامية التي تتاجر بالسلاح وبالبشر، ولا تبالي بالحقوق مهما كانت واضحة..

أقول ذلك ولا أقصد روسيا التي تحاول احتلال أوكرانيا فقط.. بل أقصد قبلها غالبية الدول التي تحاول إيقاف هذا الاحتلال.. لكي تمارس هي احتلالا من نوع آخر.. بطريقة أخرى أكثر ذكاء!

عزيزي المواطن الأمريكي الأوروبي الغربي..

بإمكانك إيقاف هذه الحرب.. وكثير من الحروب.. لو عرفت السلاح الذي في يديك وأنت تقف أمام صندوق الاقتراع!

 

twitter.com/arahmanyusuf
موقع الكتروني: www.arahman.net


1
التعليقات (1)
الكاتب المقدام
الأحد، 06-03-2022 06:00 م
*** لا أعلم لم أشعر بالتشكك في وصول رسالة الكاتب المغوار إلى عزيزه المواطن الغربي، فأظن بأن ذلك المواطن غير ملم باللغة العربية في المقام الأول بالدرجة التي تمكنه من فهم المعاني العميقة الظاهرة والباطنة للمقالة، فضلاُ عن سعيهم لمطالعة موقع عربي 21 ومافيه من درر ثمينة لكبار كتابها، اللهم إلا من النسبة الضئيلة من ذوي الأصول العربية منهم ممن ما زالوا يحتفظون بقدر من الإلمام بلغتهم الأم قبل ذوبانهم في مجتمعاتهم، وأحسب أن هؤلاء العرب الغاربة ليس لهم تأثير عميق في الرأي العام الغربي، كما أظن بأن صحف كالجارديان البريطانية، والنيويورك تايمز الأميركية، ولو موند الفرنسية، ودير شبيجل الألمانية، ستبخل على قراءها بترجمة مقالة الكاتب بن شيخنا القرضاوي اطال الله في عمره، ولذلك فبدلاُ من الاهتمام بمناشدة المواطن الغربي (بالغين وليس بالعين) لإيقاف هذه الحرب، التي ليس لنا نحن العرب فيها ناقة ولا جمل، وكل ما نأمله منها أن تؤدي على الأقل إلى اضطرار الدكتاتور المستبد المجرم بوتين إلى سحب قواته ومرتزقة فاجنر الروسية من سوريا وليبيا ليخففوا الضغوط على شعبيها، فلم يبق للكاتب الكريم إلا معاودة الاهتمام بقارئه العربي بعد طول غياب لمقالاته عنا، ويبقى السؤال الذي حارت فيه البرية عن مستقبل سترة بوتين القديمة التي خلعها على تابعه الجنرال المسخ الدجال السيسي ومن سيرثها من بعده.