هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تشهد محافظات يمنية، أزمة وقود وغاز خانقة، وسط انتعاش بيعها في السوق السوداء، بالتزامن مع معاودة العملة المحلية للهبوط أمام العملات الأجنبية، في بلد يعيش أسوأ كارثة إنسانية في العالم.
ومنذ أسابيع، يعاني عدد من المحافظات، لاسيما الخاضعة للحوثيين، وسط وشمال اليمن، أزمة خانقة في الوقود، إذ اتهمت الجماعة كلا من التحالف العربي الذي تقوده السعودية، والحكومة الشرعية باحتجاز سفن النفط، ومنع دخولها إلى ميناء الحديدة، غربي البلاد.
فيما تُتهم الجماعة الحوثية بالتسبب في هذه الأزمة التي تجتاح مناطق سيطرتها، حيث تشير مصادر وناشطون يمنيون إلى أن مسلحي الجماعة يحتجزون ما يزيد عن 600 ناقلة محملة بالمشتقات النفطية في محافظة الجوف، شمال البلاد، ومنعتها من الوصول إلى العاصمة صنعاء والمناطق المجاورة لها، لتفريغ حمولتها من المحروقات.
وباتت طوابير السيارات المتراصة أمام محطات تعبئة الوقود في صنعاء ومحافظات إب وذمار وغيرها من المدن، مشهدا مألوفا، وعلى مسافة تتجاوز اثنين كيلومترا، وفق ما تحدث سائقو سيارات لـ"عربي21".
كما تسببت أزمة الوقود في مناطق سيطرة الحوثيين، في ارتفاع تكاليف المواصلات مئة بالمئة، وسط ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية الاساسية، تزامنا مع انقطاع مرتبات القطاع الحكومي، ما أفقد المواطنين سبل العيش بشكل عام.
وأعلنت جماعة الحوثي، أن المناطق الخاضعة لسيطرتها تعاني من أزمة وقود هي الأسوأ منذ بدء الحرب في 2015.
اقرأ أيضا: أزمة وقود جديدة تضرب محافظات اليمن الخاضعة للحوثيين
ونقلت قناة "المسيرة" التابعة للحوثيين عن المتحدث باسم شركة النفط الخاضعة للجماعة، عصام المتوكل، الأربعاء الماضي، قوله؛ إن "اليمن يشهد أزمة مشتقات نفطية هي الأسوأ منذ بدء ما وصفه العدوان والحصار قبل سبع سنوات".
وأضاف أن "طوابير سيارات المواطنين (أمام محطات الوقود) لتعبئة البنزين، يصل امتدادها لأكثر من 3 كيلومترات في مختلف المحافظات".
وتابع بأن "شركة النفط مستعدة للقضاء على أزمة المحروقات، شريطة السماح بعبور ناقلات النفط عبر ميناء الحديدة على البحر الأحمر.
ولا يقتصر الأمر على المناطق الخاضعة للحوثيين، بل تعيش العاصمة اليمنية المؤقتة، عدن، جنوبا، ومحافظة تعز، الأكثر كثافة سكانية في البلاد، أزمة وقود خانقة أيضا، وسط عجز الحكومة الشرعية في معالجة هذه الأزمة.
وبداية شهر آذار/ مارس الجاري، أقرت شركة النفط الحكومية، رفع أسعار وقود السيارات للمرة الثالثة منذ بداية العام الجاري، تماشيا مع الارتفاع الحاد في أسعار الوقود العالمية.
وبموجب قرار الشركة الحكومية في عدن، فإن سعر جالون البنزين 20 لترا، ارتفع إلى 20400 ريال (17 دولارا) من 19800 (16.5دولارا) بزيادة بلغت 600 ريال.
كما أقرت الحكومة اليمنية، في وقت سابق من الشهر الماضي، رفع أسعار مادة الغاز المنزلي، الذي تنتجه شركة صافر بمحافظة مأرب (شرقا)، إلى 4500 ريال للأسطوانة الواحدة من 3300 ريال، بزيادة 1200 ريال.
"إنعاش السوق السوداء"
من جهته، قال الصحفي الاقتصادي، وفيق صالح؛ إن الاختناقات المتكررة التي تشهدها السوق المحلية خصوصا في عدن، تعود لبقاء مساكب خاصة تعود لتجار ومستوردي الوقود خارج سيطرة شركة النفط الحكومية.
وأضاف في تصريح خاص لـ"عربي21"، أن قرار الحكومة بتمكين شركة النفط من حقها الحصري في تسويق المشتقات النفطية، أثار حفيظة التجار وشركة مصافي عدن ( حكومية)، وهو ما دعا شركة المصافي لتقليص كميات الوقود المحولة لشركة النفط اليمنية.
وبحسب الصحفي الاقتصادي اليمني، فإن مستوردي الوقود، عبر شركة مصافي عدن، مستمرون في بيع المشتقات النفطية بالسوق السوداء إلى المحافظات الأخرى، بما فيها محافظة تعز ومناطق سيطرة الحوثيين، وبأسعار مرتفعة غير تلك المحددة في تعميمات شركة النفط.
اقرأ أيضا: اليمن يرفع أسعار البنزين للمرة الثانية في أقل من شهر
أما الأزمة في مناطق سيطرة الحوثيين، من بينها صنعاء، فأشار الصحفي صالح إلى أن الحوثيين يفتعلون الأزمة بين الحين والآخر، وذلك، لإنعاش السوق السوداء التي تدر عليهم أرباحا طائلة.
وذكر أن السفن المحملة بالمشتقات النفطية، يتم السماح لها بالدخول عبر ميناء الحديدة، وفي بعض الأحيان، يمنع التحالف دخول بعض السفن، مشددا على أن كميات الوقود في مناطق الحوثي كافية لسد الاحتياجات في السوق، إلا أن الجماعة تقوم بافتعال ذلك لجني الأرباح من السوق السوداء.
وعزز اتهاماته، بما ورد في تقرير سابق لفريق الخبراء الدوليين بأن الحوثيين جنوا أرباحا تصل إلى 70 مليار ريال يمني من تجارة الوقود في السوق السوداء.
وتشتري شركة النفط الحكومية الوقود بمختلف أنواعه من التجار والمستوردين، على أن تبيعه بعد ذلك للمحطات الخاصة في عدن ومحافظات أبين ولحج والضالع، والمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا.
واليمن منتج صغير للنفط، وتراجع إنتاجه حاليا إلى 60 ألف برميل يوميا، بعد أن كان قبل الحرب ما بين 150 و200 ألف برميل يوميا، في حين كان يزيد على 450 ألفا عام 2007، وفقا للبيانات الرسمية.
"مضاربة مستمرة"
وعاود الريال اليمني للهبوط مجددا أمام الدولار الأمريكي، الذي وصلت قيمته 1200 ريال، بحسب ما نشره البنك المركزي، الخميس.
وحول ذلك، فقد أرجع الكاتب والباحث في القطاع المصرفي، ياسر المقطري، إلى أن سببه عملية المضاربة بالعملة التي ما تزال قائمة، على الرغم من الخطوات الكبيرة التي اتخذها البنك المركزي اليمني للحد منها.
وقال في تصريح لـ"عربي21"؛ إن الفترة الماضية نبهت كثيرا من التجار والمضاربين إلى أحداث مهمة من الدول التي يتم الاستيراد منها، وعلى سبيل المثال، الإجازة الصينية.
وأضاف أنه مع اتساع لجنة المضاربات، تعلم الكثير من التجار والمضاربين هذه المواسم على الأقل، وانتبهوا لها أن يكون العرض والطلب مختلفا، حيث صارت الأسعار تبنى على هذه الأحداث.
وبحسب المقطري، فإن خطوات البنك المركزي، على الرغم من أهميتها، لكنها لم تحد من المضاربة بالعملات بالشكل المطلوب.
وأشار إلى أن التجار لا زالوا يتعاملون بالدولار والريال السعودي لبيع وشراء المواد الغذائية، مؤكدا أنها مشكلة خطيرة أن تباع المواد الغذائية بالدولار والريال السعودي، بحيث يصبح التعامل مع السلع كأنها في بورصة أو في سوق تداول.
وتابع: "ذلك، يجعل من السلع تباع في الصباح بسعر، وفي المساء بسعر آخر، بحيث تصعد بناء على صعود وهبوط الدولار الأمريكي والريال السعودي".
واعتبر الباحث المقطري، أن هذه المشكلة تحدث في غياب السلطات الرقابية، ولاشك، أنها تمثل وصمة عار وسلوكا مخزيا للقطاع التجاري.
كما لفت الكاتب والباحث في القطاع المصرفي اليمني، إلى أن الطلب على العملة الصعبة لا زال كبيرا، رغم التغطية من البنك المركزي على جزء كبير من السلع، في وقت، هناك سلع يتم الطلب عليها من قبل التجار بشكل كبير.
ووفق الباحث اليمني، فإنه لا بد أن يكون هناك تكامل بين السياسة المالية والسياسة النقدية، موضحا أن الفرصة الآن، مواتية لحضور السياسة المالية في هذه اللحظة، خصوصا أن البنك المركزي، قام بالتغطية على كثير من السلع.
وقال: "لا بد أن تقوم السياسة المالية بالتكامل من خلال الرقابة على السلع وتصنيفها، خصوصا تلك التي تستهلك كثيرا من العملات الأجنبية، وهي غير ذات جدوى أو من الأولويات".