هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قال جيري رايس المتحدث الإعلامي باسم صندوق النقد الدولي، خلال نقطة إعلامية دورية عقدها الخميس 10 شباط/ فبراير 2022 بأن الصندوق يستأنف المحادثات مع السلطات التونسية حول جملة الإصلاحات التي تعدها لتنفيذ برنامج تمويل جديد.
يأتي هذا الإعلان في ظل أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة تعرفها البلاد، تترقب من خلالها مختلف الأطراف مآلات المفاوضات مع الصندوق.
ويذكر أن آخر لقاء حصل بين الحكومة التونسية وصندوق النقد الدولي بحضور محافظ البنك المركزي التونسي كان في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، حيث اشترط الصندوق حينها توسيع الشراكة بين مختلف الأطراف في البلاد لصياغة مقترح التمويل المطلوب.
وتتزامن عودة المحادثات مع تصريح الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل بأن الاتحاد قد يضطر إلى تعليق صرف مساعدات مالية مخصصة لدعم الاقتصاد التونسي وذلك على خلفية ما اعتبرها مؤشرات مقلقة عن المسار الديمقراطي.
وانضمت تونس للصندوق سنة 1958 وتحصلت على أول قرض سنة 1986، وتحصلت على 1,7 مليار دولار في 2013 فترة حكومة علي العريض، و2,9 مليار دولار في 2016 فترة حكومة الحبيب الصيد، وتتجه حكومة نجلاء بودن إلى طلب 4 مليارات دولار.
الديون الخارجية في تزايد
بلغ حجم الدين العمومي المسجل في موفى أكتوبر 2021 ما قدره 35.5 مليار دولار ويتوزع بين دين داخلي لحد 13.9 مليار دولار ودين خارجي لحد 21.4 مليار دولار، فيما يمثل الدين العمومي نسبة 82.1 %من الناتج المحلي الإجمالي.
وقد تطورت ديون تونس تجاه الخارج خلال السنوات الأخيرة حسب تقرير صادر عن البنك الدولي من 22.6 مليار دولار سنة 2010 إلى 40 مليار دولار سنة 2020.
ويذكر أن الحكومة التونسية حددت في موازنة عام 2022، حجم الديون التي تحتاجها لتمويل الخزينة في حدود 6.8 مليارات دولار منها 4.3 مليارات دولار من المقرر اقتراضها من الخارج عبر صندوق النقد الدولي، و2.5 مليارات دولار من السوق الداخلية.
شروط النقد الدولي
قال جيروم فاشية الممثل السابق لصندوق النقد الدولي في تونس في تصريح له مؤخرا بأن تونس تحتاج "إلى برنامج متين وموثوق على المدى المتوسط وأن يعرض على الشعب، حتى لو تطلب ذلك تفسير الصعوبات".
ووصف فاشية هذا البرنامج "بالإصلاحات العميقة جدا".
كما أشار إلى ضرورة مراجعة تونس لكتلة الأجور معتبرا إياها الأعلى في العالم بالإضافة إلى إصلاح المؤسسات العامة وخوصصة المفلسة منها بالإضافة إلى خفض اعتمادات الدعم ومراجعة السياسة الجبائية وجعلها أكثر تنافسية.
وقد كشفت منظمة "أنا يقظ" في بداية شهر كانون الثاني/ يناير عن وثيقة مسربة حول برنامج "الإصلاحات للخروج من الأزمة" التي تقترحها الحكومة على صندوق النقد الدولي وأكدت وزيرة المالية سهام البوغديري نمصية لاحقا صحتها.
وتتعلق هذه الإصلاحات حسب نص الوثيقة بتجميد الزيادة في الأجور في القطاع العام بين عامي 2022 و2024، إلى جانب تجميد الإنتداب في الوظيفة العمومية والقطاع العام والتخلي عن الديون العمومية المتخلدة بذمة المؤسسات العمومية، بالإضافة إلى مراجعة سياسة الدولة في علاقة بمساهمتها في رؤوس أموال المؤسسات العمومية "غير الاستراتيجية" وصولا إلى التفويت فيها (بداية من 2022)، والرفع التدريجي في الدعم على المحروقات إلى أن تبلغ سعرها الحقيقي (2022-2026).
اقرأ أيضا: كيف تنعكس أزمة الحبوب في تونس على أمنها الغذائي؟
وتقترح الحكومة أيضا الترفيع في معاليم استغلال الكهرباء والغاز، ووضع منظومة إلكترونية تسمح بالتسجيل والتصرف في التحويلات المالية للفئات المعنية بتلقي التعويض عن رفع دعم المواد الأساسية ابتداء من سنة 2023.
وصدر في هذا الاتجاه بالرائد الرسمي المنشور بتاريخ 3 شباط/ فبراير 2022 قرار من الحكومة يتعلق بإحداث لجنة فنية مكلفة بوضع آليات التقليص التدريجي والمستدام في الدعم الموجه لأسعار الكهرباء والغاز الطبيعي.
الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية
تقول الإعلامية جنات بن عبد الله لـ"عربي21" حول برنامج الإصلاحات المقترحة من الحكومة إن "المقاربة المعتمدة للضغط على نفقات ميزانية الدولة عبر الضغط على الأجور هي مقاربة خطيرة، وتخفي حقيقة السياسة الممنهجة لدفع الدولة إلى التخلي عن القطاع العمومي والمؤسسات العمومية من جهة، وضرب سياسة إعادة توزيع الثروة من خلال تأمين الدولة للتعليم العمومي المجاني والصحة العمومية من جهة ثانية".
وتضيف بن عبد الله أن "رفع الدعم والترفيع في الضرائب تهديد حقيقي لديمومة الأنشطة الاقتصادية وعلى ارتفاع الأسعار وعلى تدهور المقدرة الشرائية وعلى تفاقم ظاهرة التهرب الجبائي وتفاقم الاقتصاد الموازي".
تعثر مسار التفاوض
يستبعد الخبير الاقتصادي رضا السكندالي في تصريح لـ "عربي21" حصول الاتفاق في المدى القريب، ويعتبر ما يحصل حاليا مجرد محادثات كلاسيكية يجريها صندوق النقد الدولي حتى يحين بياناته والوقوف على مدى استجابة الحكومة لتوصيات اجتماع 4 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وخاصة تلك المتعلقة بتوسيع الشراكة حول برنامج واضح تقدمه السلطات التونسية للحصول على التمويلات اللازمة.
ويضيف السكندالي: "عدم التوصل لاتفاق في أقرب الآجال مع صندوق النقد الدولي خاصة بعد نداء الاستغاثة التي أطلقها البنك المركزي، والذي حث جميع الأطراف الفاعلة على التوافق حول مضمون الإصلاحات بما يتيح الانطلاق في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لإرساء برنامج جديد، سيكون خطيرا جدا على الاقتصاد التونسي".
وفي نفس السياق يقول: "عدم التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي يعني عجز الدولة عن توفير 4368 مليار دولار، وبالتالي دخولها في مرحلة انسداد اقتصادي خاصة وأن جل التمويلات الأخرى متوقفة على موافقة الصندوق".
وعن انعكاسات ذلك، يقول السكندالي: "الأكيد لن يبقى خيار أمام الحكومة حينها غير التوجه إلى البنك المركزي لتوفير سيولة بدون نماء للثروة بما سيزيد من التضخم ويؤثر على الأسعار والمقدرة الشرائية للمواطنين التونسيين".
وفي نفس الصدد، يقول رضا السكندالي: "للأسف لا يمكننا الاستغناء عن التمويل الخارجي، ودون الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي سيعرف الدينار التونسي مزيدا من التراجع، كما ستعرف البلاد صعوبة في تزويد صناعتنا بالمواد الأولية المستوردة".
وفي سياق متصل صرح وزير الاقتصاد التونسي سمير سعيّد أنه "أصبح من غير الممكن تأجيل أي إصلاح من الإصلاحات الكبرى، وحان الوقت للقيام بها".
لا اتفاق دون شراكة واسعة
تتجه مختلف التحاليل بأن تونس غير قادرة على الخروج من أزمتها الاقتصادية إلا من خلال التوجه إلى التمويل الخارجي ويعد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي شرطا للحصول على تمويلات من جهات أخرى.
وأكد مصدر من رئاسة الحكومة في تونس لـ"عربي21" بأن "عددا من القروض والهبات المقرر إسنادها لتونس سابقا متوقفة حاليا ولم يتم استكمال الإجراءات اللازمة بسبب الأزمة السياسية الراهنة في البلاد على غرار هبة مؤسسة تحدي الألفية الأمريكية المقدرة بـ500 مليون دولار والقسط الثاني من قرض الاتحاد الأوروبي المقدر بـ 300 مليون أورو".
اقرأ أيضا: خطر الانهيار الاقتصادي يهدد تونس في ظل الأزمة السياسية
وفي السياق ذاته يقول رضا السكندالي لـ "عربي21" بأن "الاتفاق مع صندوق النقد الدولي سياسي بالأساس، فحتى إن حصل اتفاق تقني سيمر لمجلس إدارة الصندوق للنظر في مدى تطبيقه سياسيا، أي مدى توفر الحزام السياسي والاجتماعي لتنزيل هذا الاتفاق".
ويعتبر السكندالي أن خطاب رئيس الجمهورية المتشنج وإقصاء الشركاء السياسيين والاجتماعيين في صياغة الرؤية الإصلاحية من العوامل المعززة لرفض صندوق النقد الدولي للاتفاق.