الإنفوديميك (Infodemic) أو الوباء
المعلوماتي حسب تعريف منظمة
الصحة العالمية هو: "التدفق الكبير من المعلومات الخاطئة والمضللة على شبكة الإنترنت وخارجها، الذي يؤدى إلى تقويض الاستجابة في مجال الصحة العامة، ويلحق الضرر بصحة الناس الجسدية والنفسية، ويهدد الأنظمة الصحية، ويشجع على عدم التقيد بتدابير الصحة العامة، وهو ما يحدّ بالتالي من فعالية هذه التدابير -رغم كلفتها الاقتصادية الهائلة- ويهدد قدرة الدول على وقف مسار الجائحة".
عند حدوث الجائحات، كما في الحروب، تبدو الحقيقة هي الضحية الأولى. وبالرغم من أن العالم واجه الجائحات والأوبئة لعدة قرون، فإنه لم يسبق وأن واجه أي منها في غمرة موجة تسونامي من المعلومات المغلوطة والتضليل ونظريات المؤامرة الحالية المتعلقة بكوفيد-١٩. وقد أتاح الدمج الثوري للصورة والصوت والفيديو والنص في الرسائل المجال لكمّ هائل من التواصل يصعب فيه تمييز المعلومات الصحيحة من الخاطئة، حيث تقدّم التقارير المغلوطة أو المبسّطة لكن المقنعة على نحو غريب، على أنها حقائق، ويعاد إنتاجها وتوزيعها بسهولة وبدون تفكير في شتى البلدان والقارات، حيث إنها تساهم بشكل كبير في خلق المفاهيم، والتوقعات المليئة بالتحديات عند الناس، كذلك فإنها تربك مجتمعاتٍ برمتها.
بالرغم من أن العالم واجه الجائحات والأوبئة لعدة قرون، فإنه لم يسبق وأن واجه أي منها في غمرة موجة تسونامي من المعلومات المغلوطة والتضليل ونظريات المؤامرة الحالية المتعلقة بكوفيد-١٩
ودفعت الفعالية الخطيرة لهذه الظاهرة بمنظمة الصحة العالمية (WHO) إلى صياغة مصطلح "إنفوديميك"، للإشارة إلى الكم الهائل من المعلومات المضللة عن كوفيد-١٩. ولا يصعب التخفيف من وطأة المعلومات المضللة واسعة الانتشار (الإنفوديميك) فحسب؛ بل إنها تقوض أيضاً جميع الجهود المبذولة لاحتواء جائحة الفيروس بحد ذاتها.
إن كان وباء
كورونا قد كشف هشاشة نظامنا الصحّي وضعف استجابتنا للأزمات التي تهدد البشرية جمعاء، فقد أضاء كذلك على "نقصٍ في المناعة" تجاه الأخبار الزائفة ونظريات المؤامرة، التي لم تحجب الحقيقة فحسب، وإنما ساهمت بطرق متعددة في خسارة الأرواح، وهدر الطاقات اللازمة لتحقيق نتائج أفضل في حربنا على الوباء.
ولا شكّ في أن أمثلةً عدّة عن الأخبار الزائفة لا تزال مطبوعةً في ذهن الناس حتى الآن؛ "معلومات" عن أهداف الصين في "تصنيع" الفيروس، ودور الجيل الخامس من الإنترنت في تقليل المناعة، وفاعلية بعض الأعشاب والثمار في تشكيل مناعة ضد الفيروس، وعلاقة الوباء بنظريات الحدّ من الكثافة السكانية، وليس انتهاءً بادعاءات تثير الإعجاب بأن كوفيد-19 ليس إلا وهماً ولا تزيد خطورته عن الإنفلونزا الموسمية، ثم تلك الأخبار المضللة حول
اللقاحات والتي تحولت من مجرد ظاهرة "اللقاحوفوبيا" أو مجرد الخوف من اللقاح لتصبح ضمن نسيج المؤامرة الكونية للسيطرة على العقل البشرى وتغيير الجينوم. وجميعها تدخل ضمن إطار الشائعات الضارة والواجب التصدي لها، وتوجد مئات النماذج حول العالم عن مقابلات تلفزيونية وأخبار صحفية تضمّنت معلومات زائفة حول الفيروس أو اللقاح، أو على الأقل روّجت لمعلومات لم تكن مثبتة، ونقلت آراء مختصين (أطباء، علماء أوبئة..) غير مخولين بإطلاق أحكام قطعية حول بعض الافتراضات التي تحتاج إلى المزيد من التمحيص.
"معلومات" عن أهداف الصين في "تصنيع" الفيروس، ودور الجيل الخامس من الإنترنت في تقليل المناعة، وفاعلية بعض الأعشاب والثمار في تشكيل مناعة ضد الفيروس، وعلاقة الوباء بنظريات الحدّ من الكثافة السكانية، وليس انتهاءً بادعاءات تثير الإعجاب بأن كوفيد-19 ليس إلا وهماً ولا تزيد خطورته عن الإنفلونزا الموسمية، ثم تلك الأخبار المضللة حول اللقاحات
خطورة الإنفوديميك في ظل انتشار وباء كورونا
إن الوباء المعلوماتي المرتبط بكورونا قد أصبح أكثر خطورة من فيروس كورونا نفسه، لأن تبعات وباء المعلومات المضللة في هذه الجائحة يمكن أن تزهق الأرواح، وتثبط جهود الاستجابة العالمية للجائحة، ومن أهمها الحملات التي تشكك باللقاحات الفعالة. وهي أيضاً تؤثر في ثقة المواطنين بالبيانات والتصريحات الحكومية وتقارير الهيئات الصحية الرسمية، وتدفعهم للجوء إلى علاجات وهمية زائفة تروج لها هيئات أو شخصيات غايتهم النصب والاحتيال للتكسب والإثراء السريع، مغتنمين حالة الذعر والارتباك التي يعيشها البشر بسبب هذا الفيروس الذي أودى بحياة مئات الملايين من الأبرياء.
وفي شهر آب/ أغسطس 2020 كانت بداية الإشارة إلى وجود ضحايا لظاهرة "الإنفوبيدك" تلك، حيث ذكر مرصد "بي بي سي مونيتورنغ" أن هناك 800 شخص على الأقل في العالم قد توفوا نتيجة للمعلومات الخاطئة، التي تلقوها عن فيروس كوفيد-19 عبر صفحات التواصل الاجتماعي وذلك خلال الأشهر الثلاثة الأولى فقط لتفشي الفيروس.
ومن ناحية أخرى فإنه لا يمكن إنكار الدور المهم الذي لعبته وسائل الإعلام المختلفة في التحذير من مخاطر الوباء، وبثّ الإرشادات الصحية الضرورية لحفظ السلامة، ونشر أحدث الأخبار حول أرقام الضحايا وتوزّع بؤر الوباء. لكن المخالفات ظلّت موجودة، والتعديات على الحقائق ظلّت واردة. وفي مخالفةٍ للقاعدة تم تلقف الآراء الشاذة، ما تسبب بشكوكٍ، وإثارة المزيد من اللغط.
مبادرات دولية لمواجهة الإنفوديميك
ومن أجل تصحيح المعتقدات الشعبية حول الوباء، كان من اللافت إقدام منظمة الصحة العالمية على مواجهة ذلك من خلال نشاطها في تزويد وسائل الإعلام بالمعلومات الصحيحة على مدار الساعة وعبر منصاتها التي تنشر بعدة لغات. وفي 21 أيار/ مايو 2020 أطلقت الأمم المتحدة مبادرة "فيريفايد" (Verified) أو "مثبت" لمكافحة تنامي آفة المعلومات المضللة بشأن كوفيد-19، من خلال زيادة حجم ومدى انتشار المعلومات الموثوقة والدقيقة.
لا يمكن إنكار الدور المهم الذي لعبته وسائل الإعلام المختلفة في التحذير من مخاطر الوباء، وبثّ الإرشادات الصحية الضرورية لحفظ السلامة، ونشر أحدث الأخبار حول أرقام الضحايا وتوزّع بؤر الوباء. لكن المخالفات ظلّت موجودة، والتعديات على الحقائق ظلّت واردة
فقد قال الأمين العام للأمم المتحدة: "لا يمكننا ترك فضاءاتنا الافتراضية لأولئك الذين يتاجرون بالأكاذيب والخوف والكراهية"، مضيفا أن "المعلومات الخاطئة تنتشر عبر الإنترنت وعبر تطبيقات المراسلة ومن شخص لآخر"، وأن صانعيها "يستخدمون أساليب محنكة للإنتاج والتوزيع"، مؤكدا أنه "لمواجهتها، يحتاج العلماء والمؤسسات مثل الأمم المتحدة إلى الوصول إلى الناس بمعلومات دقيقة يمكنهم الوثوق بها".
كيف يمكن تسطيح منحنى الوباء المعلوماتي (الإنفوديميك)
وعلى مستوى الأفراد فإنه عند التنقّل في عالم الوباء المعلوماتي فإن أهم النصائح للتعرّف على المعلومات المغلوطة أو المضللة قد تشمل أولا: معرفة المصدر بدقة ومن الذي شاركك هذه المعلومات ومن أين حصل عليها، وحتى لو كنت حصلت عليها من الأصدقاء أو أفراد الأسرة، لا بد أن تتحقق من مصدرها. ثانيا: عدم الاكتفاء بالعناوين الرئيسية لأنها قد تتم صياغتها عمداً بشكل مثير أو استفزازي بغرض جلب عدد كبير من القرّاء، فلا تكتف بقراءة عنوان المقال. ثالثا: التعرف على الكاتب للتحقق مما إذا كان حقيقياً أو جديراً بالثقة. رابعا: التحقّق من التاريخ. خامسا: تفحّص البيّنات الداعمة لأن الأخبار ذات المصداقية تدعم الأقوال بالحقائق. سادسا: في حالة الشك، استشر المؤسسات الموثوقة لتحري الحقائق، مثل الشبكة الدولية لتحري الحقائق ووكالات الأنباء العالمية التي تسلط الضوء على المعلومات المغلوطة.
وختاما، فإنه من أهم الدروس التي نواجهها حالياً مع أزمة كوفيد-19 هو أهمية العلم والأساليب العلمية، ومحاولة التغلب على الجانب النفسي الذي يفضل التفسيرات السهلة (كنظريات المؤامرة) أو إلقاء اللوم على قطاع معين كالسبب الأوحد في الأزمة، وأهمية التكاتف والوقوف جنباً إلى جنب مع أبناء بلدنا والشعوب الأخرى.
وهذا التعاون، على صعوبته، هو السبيل لعبور الأزمة بأقل خسائر، فهذا ليس الوقت للتشكيك في المصادر الرسمية أو العلمية الصحيحة، ما يتيح أرضاً خصبة للخيال والمعلومات غير الدقيقة لأن معظم الناس حول العالم لا يدركون أساليب البحث العلمي والتجارب المختلفة والنتائج المتضاربة التي تخرج من بعض هذه التجارب، فهي عملية مرهقة تدوم لفترات طويلة لحين التوصل لحل للمشكلة المطروحة؛ سواء على هيئة مصل ولقاح يقي من المرض أو بروتوكول علاج ناجح في القضاء على المرض بأقل الخسائر.