قضايا وآراء

ما بين "الوطني" و"فولكر": إقصاء سياسي أم حرب معركة ضد فكرة؟!

إبراهيم الصديق علي
1300x600
1300x600
(1)
في ٢٩ كانون الثاني/ يناير ٢٠٢١م، أدلى وزير الاستخبارات الإسرائيلي إيلي كوهين بحديث مهم جاء فيه أنّه "تمّ الاتفاق مع السودان على محاربة الإرهاب سويًا بهدف إزالة كلّ البنى التحتية للإسلام الراديكالي"، وذلك في سياق مقابلة مع قناة "i24NEWS" وبعد زيارته للسودان وتوقيع اتفاق تطبيع في ٢٣ تشرين الأول/ أكتوبر ٢٠٢٠م.

ومن عجائب الصدف أن غالبية الاتفاقات والمقابلات ناب فيها عن السودان وزير العدل السابق د. نصر الدين عبد الباري، وقد عمل خلال فترته على تعديل الكثير من القوانين والتشريعات، وتمت إجازتها من مجلس السيادة والوزراء بأريحية. وبعض اللجان لم تنجز مهامها، ومنها لجنة قانون الأحوال الشخصية، فهل كان ذلك مقصد المسؤول الإسرائيلي عن مفهوم البني التحتية للإسلام الراديكالي؟ أم أن الأمر أبعد من ذلك؟

بالتأكيد هناك مظاهر كثيرة لذلك السعي، في أفعال كثيرة وقرارات وترتيبات وتشريعات، وخلال عامين وفرت قوى الحرية والتغيير مظلة سياسية لإحداث تغيير في بنية المجتمع السوداني، وفي مناهج التدريس، وفي إجازة نظام النافذتين في التعامل المصرفي مما يعيد التعامل بالفائدة (النظام الربوي). وكان الظن أنها مجرد "مغامرات" حزبية استغلت حالة انتقال، بينما الخفايا تشير لما هو أبعد من ذلك فيما يبدو..

(2)
في مؤتمره الصحفي في ٢٦ تشرين الأول/ أكتوبر ٢٠٢١م، وردت في خطاب الفريق أول عبد الفتاح البرهان، القائد العام للقوات المسلحة" عبارة: "إن القوات المسلحة لن تسمح لجهة ذات توجه عقائدي بالسيطرة على السودان".. هكذا جاءت في خضم حوار وطني جامع وعن مشاركة سياسية واسعة، وهي جملة ذات دلالة سياسية بعيدة. كما أن القوات المسلحة غير معنية بتحديد "الجهة التي ستحكم السودان، وإنما مهمتها توفير مرحلة انتقال سلس وصولاً للانتخابات". فهل هذه تخدم أجندة إقليمية لديها موقف من الإسلام السياسي؟ هل تعاد للأذهان التجربة التركية خلال عهد أتاتورك حين أصبح الجيش حامياً للعلمانية؟..

لقد تبلورت بعض المظاهر بعد اتفاق البرهان ورئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك في ٢١ تشرين الثاني/ نوفمبر ٢٠٢١م، مع التأييد الدولي والإقليمي لذلك الاتفاق..

وحين ضاقت المسارات على حمدوك واستقال مغاضباً، برزت مبادرة جديدة من مبعوث الأمم المتحدة ورئيس اليونتاميس فولكر بيرتس، ولم تخل من ذات النغمة: أصحاب المصلحة، ما عدا "المؤتمر الوطني".. وقال بيرتس "إنه حزب محلول" وهم يحترمون القانون..

ومع أننا ندرك أن ذلك القرار باطل قانونياً، ولا يتسق ومواثيق الحقوق الدولية ومخالف لمبدئية التنافس السياسي الحر، فقد حُرم المؤتمر الوطني حق المدافعة، وأنشئت آلية بموجب توافق أحزاب سياسية؛ عجزت عن المنازلة واختارت هذه الوسيلة لإقصاء طرف سياسي. ومع غياب المحكمة الدستورية، فإن ذلك قرار معيب..

ومع هذه الحقائق، فإن ثمة شواهد أخرى في مهام وأدوار الأمم المتحدة في العالم العربي تناقض ما قاله السيد فولكر. ففي اليمن فإن مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة (الرابع) غانز غروندبرغ حاور الحوثيين، وهم جماعة خارجة عن القانون والإجماع الدولي وليس اليمني. فهل هذه القاعدة غائبة عن مبعوثة الأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا السيدة ستيفاني وليامز، وقد توسطت وحاورت لتمكين اللواء حفتر من السلطة؟..

إن الأمر جزء من خارطة طريق تستهدف النيل من تيار سياسي في العالم العربي والإسلامي، وللأسف أصبحت المؤسسات الدولية جزءا من هذا المسار، كما لعبت المحكمة الجنائية في لاهاي ذات الدور منذ العام ٢٠٠٨م..

(3)
في العام ١٩٩٢م نشر المفكر د. مصطفى محمود كتاباً مهماً أسماه "الإسلام السياسي ومعركة القادم"، دعا فيها النخب الإسلامية إلى كسب معركة الرأي العام لمواجهة عسف أنظمة الحكم. ومما أعجبني قوله: "ليست القضية ماذا نلبس على رؤوسنا، وماذا يكون طول الجلباب ولون العباءة، إنما القضية ماذا يكون في داخل رؤوسنا وماذا يشغل عقولنا وقلوبنا".

وهذه الحقيقة تكشفت حين استدار الزمان مع الربيع العربي في نهاية العشرية الأولى لهذه الألفية، وثارت الشعوب العربية، وكسب الإسلام السياسي معركة الرأي العام في مصر وتونس وليبيا وسوريا، ونعرف جميعا ما حدث.. لقد حورب.. وما يجري في السودان امتداد لذات المعركة.. قضية فكرة وليست قضية حزب أو جماعة سياسية..

(4)
إن أقدار الأمم والشعوب أكبر من أن تحاصرها مخططات واهنة وقصيرة الأمد، ولحظات الانتقال "الهش" قد تكون فرصة لبعض الأجندة لاختراق الثوابت ولكنها حتماً ستسقط. ذلك مدار الأحداث وسنن التاريخ، وما أكثر المخاوف من أن تكون "الكلفة عالية"..

والأمم المتحدة، حاملة راية السلام والأمن، مدعوة لتقليل حدة الاحتقان وإزالة الهواجس وفتح المسارات، وليس الدخول في مزاد العراك السياسي الداخلي، ومسايرة مجموعات صغيرة وبعيدة عن قيم ووجدان الشعب..

ودعوة أخرى للتيار الإسلامي والوطني.. إن دوركم اليوم أكثر أهمية لإنقاذ البلاد من "نزق المغامرين السياسيين" ولإحداث توازن معقول.. وتوحدكم مهم لخذلان هذا الهذيان الغث وكف تسلط الغباء الدولي على سماحة الوطن..
التعليقات (0)