قضايا وآراء

الأسطورة جون سنو.. سنفتقدك

أسامة جاويش
1300x600
1300x600
أشكر كل من منحوني ثقتهم لأكتب وأنشر وأغطي قصصهم حول العالم".. "إلى هؤلاء الذي يتابعوني في المنازل وأمام الشاشات، لقد كان من دواعي سروري أن أنقل إليكم الأخبار بشكل يومي".

بهذه العبارات العاطفية، ختم الصحفي البريطاني البارز وأسطورة التقديم التلفزيوني جون سنو حلقته الأخيرة في القناة الرابعة، بعد مسيرة دامت لأكثر من 32 عاما.

ولد سنو في 28 أيلول/ سبتمبر 1947، والتحق بمدرسة أردينجلي، حيث عمل والده مديرا لتلك المدرسة. حصل على منحة كورالية من كاتدرائية وينشستر، وفي سن الثامنة عشرة أمضى عاما في التدريس التطوعي في أوغندا.

تم فصله من دراسته للقانون في جامعة ليفربول بسبب دوره في احتجاج طلابي مناهض للفصل العنصري عام 1970، وهو ما يعتبره جون سنو "نقطة التحول المطلقة في حياته".
أعطى لونا جديدا لتقديم البرامج التلفزيونية والتغطيات الإخبارية الميدانية، بلباقته العالية، ومهاراته الكبيرة في رواية القصة من مصادرها، وقوته اللافتة في مواجهة الضيوف أيا كان منصبهم أو موقعهم الرسمي، إلى جانب إنسانيته الكبيرة في تغطية المآسي والحروب

في عام 1973 انضم جون سنو إلى "إل بي سي"، قبل أن يتركها لينضم إلى "آي تي إن"، ليعمل بها لمدة ثماني سنوات قبل أن يصبح محررا دبلوماسيا في واشنطن عام 1984. في عام 1989 كان جون سنو على موعد مع أهم محطة مهنية في حياته، حيث عاد إلى لندن ليصبح المقدم الرئيس للقناة الرابعة الإخبارية، وهو الدور الذي سيعمل به لمدة 32 عاما.

جون سنو الذي اشتهر بالألوان الغريبة لربطة العنق الخاصة به، أعطى لونا جديدا لتقديم البرامج التلفزيونية والتغطيات الإخبارية الميدانية، بلباقته العالية، ومهاراته الكبيرة في رواية القصة من مصادرها، وقوته اللافتة في مواجهة الضيوف أيا كان منصبهم أو موقعهم الرسمي، إلى جانب إنسانيته الكبيرة في تغطية المآسي والحروب.

"لقد كان إنسانا غير عادي، كان هناك في أكثر اللحظات الرائعة في التاريخ، لقد أحبه الجميع من الجمهور، أو حتى من السياسيين الذي اختلفوا معه وغضبوا منه، كان الجميع يحبه لأنه جلب التعاطف والإنسانية في تقاريره أينما ذهب".

هكذا وصفه كرشنان جورو مورثي، عضو فريق تقديم أخبار القناة الرابعة، ولم يبالغ في الحقيقة.. كانت لجون سنو تغطيات إخبارية بارزة غلب عليها الطابع الإنساني؛ كان من أبرزها سقوط سور برلين، والإفراج عن نيلسون مانديلا، وزلزال هاييتي، ولعل أبرزها كانن تغطيته للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014.

"أنا أتحسس المكان من خلال المتاهة الكثيفة لعنابر الأطفال في الطابقين الثاني والثالث من مستشفى الشفاء المذهل في غزة، هذا هو مكان ولادة القديسين وساحة موت الملائكة.. القديسون هنا في غزة هم الأطباء الذين جاؤوا من جميع أنحاء العالم ليتعاملوا مع عواقب الحرب الدامية، أما الملائكة فهم الأطفال الأبرياء الذين سحقتهم المعركة لدرجة يصعب معها البقاء".

كانت هذه الكلمات جزءا من تقرير غير عادي بثه جون سنو في برنامجه على القناة الرابعة إبان الحرب على غزة. التقرير هو واحد من عدة تقارير أخرى عن الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في القطاع عام 2014، والعامل المشترك في كل تلك التقارير هو التزام سنو بأقصى معايير المهنية الإعلامية في نقل الصورة، مع إضفاء اللمحة الإنسانية التي لم تغب عنه أبدا في تغطية أخبار ومآس كهذه.

أن تكون مشهورا هو أمر صعب، لكن أن تكون مشهورا وناجحا وأسطورة في مجال عملك ويتمنى الجميع أن يصبحوا مثلك وأن يصلوا إلى ما وصلت إليه، ثم تحافظ على تواضعك مع من حولك واهتمامك بفريق العمل وزملائك؛ فهذا أمر بالغ الصعوبة لا يستطيع أن يفعله إلا إنسان مثل جون سنو.
على المستوى الشخصي، تعلمت من جون سنو وسأظل أتعلم منه الكثير، وإن جاز لنا القول بأن هناك مدرسة في الصحافة نتعلم منها وندرس أساليبها ونورثها للأجيال الجديدة من الصحفيين؛ فهذه المدرسة اسمها جون سنو

"جون سنو هو النجم الذي يجعل كل شخص حوله يشعر أنه الأفضل والأهم في الغرفة، إنه حقا ملهم لنا".. هكذا وصفته ميني ستيفنسون، مراسلة القناة الرابعة، عبر تغريدة لها على حسابها على تويتر.

وهذا تحديدا ما قام به جون سنو في حلقته الأخيرة.. الرجل وجّه الشكر لكل زملائه في فريق العمل، وقال: "لولاكم أنتم ما وصلت إلى ما أنا فيه، هذا نجاحكم أنتم وبفضلكم أنتم".

الحقيقة أنني على المستوى الشخصي تعلمت من جون سنو وسأظل أتعلم منه الكثير، وإن جاز لنا القول بأن هناك مدرسة في الصحافة نتعلم منها وندرس أساليبها ونورثها للأجيال الجديدة من الصحفيين؛ فهذه المدرسة اسمها جون سنو.

سنفتقدك كثيرا جون.

twitter.com/osgaweesh
التعليقات (0)