مقالات مختارة

المبالغة في توتير العصب العام

ماهر أبو طير
1300x600
1300x600

ففرق كبير بين التواصل المعلوماتي الذي يفيد الناس، وبين زيادة توترهم، أمام ظروف عادية، يعرفها كل من يعيش الأردن، وليست جديدة عليه أبدا، والأدلة على ذلك كثيرة.

خذوا مثلا المنخفض الجوي الحالي، إذ تشعر من كثرة الأخبار في هذا الصدد، وطريقة المعالجة أننا أمام أول مرة لمنخفض قد يأتي بالثلوج في بعض المناطق، هذا على الرغم من أن الأردن، تاريخيا، يشهد وصول منخفضات جوية، وكثير منها ما يكون قطبيا محملا بالثلوج، وهذا امر معتاد هنا.

لكننا نتورط بذات الطريقة كل مرة، حيث تبدأ تقارير النشرات الجوية، المكتوبة والمتلفزة، وبعضها يناقض بعضها الآخر، وتبدأ تقارير الحرب عن حالة الطرق، واذا سقطت الثلوج بشكل عادي جدا، وربما أقل من عادي، يتم بث تساقط الثلوج بشكل مباشر، وكأننا أمام حدث مختلف، وهو أمر لا نراه في إعلام الدول التي تشهد حالات شبيهة، اذا يكفي تقديم ملخص كلما جرت الحاجة، دون شد العصب العام، نحو حدث يتم تقديمه بشكل استثنائي، وكأنه جديد على الأردن.

وفي ذات المسار الموازي، تنهمر ذات الأخبار كل سنة، وكأننا في وليدة، فتتم طمأنة المواطنين عن توفر الخبز في المخابز، وعن وجود أسطوانات غاز كافية، ولاحقا، يتم إصدار نشرات حول عدد الأرغفة التي استهلكها الأردنيون ومن يعيش معهم، خلال المنخفض الجوي، وعدد أسطوانات الغاز التي بيعت، وقد يصل الأمر، إلى رصد عدد شهقات التنفس خلال المنخفض.

هذه مبالغة، وكأننا أمام أزمات طبيعية كبرى، أو كوارث، برغم أننا في هذه البلاد نعرف المنخفضات ويكفينا نشرة معلوماتية قصيرة، فيها اهم التحديثات حول حالة الجو والطرق في الأردن، مثل دول العالم، حيث لا تسمع في نيويورك مثلا، تصريحا لعمدتها حول توفر القهوة أو الوقود أو الخبز.

هذه العقلية موروثة من زمن قديم، حيث كانت وسائل الإعلام محدودة جدا، وكل الأردن تستمع صباحا إلى برنامج البث المباشر الصباحي لتعرف حالة الطقس، وبقية التطورات، أو إلى نشرة الأخبار المسائية لتعرف المستجدات، حول الطقس والدوام والمدارس وغير ذلك من تفاصيل.

ذات الطريقة نعيشها في رمضان، مثلا، ومنذ بداية أي شهر رمضان، تدق طبول الحرب، وتنهمر التقارير حول توفر أطنان الدجاج، واللحوم، ثم أسعار الحلويات، وعدد الأرغفة المستهلكة، وغير ذلك من قصص نسمعها كل رمضان، بطريقة بدائية، تقول إننا نقف على قدم واحدة ذعرا من ظرف عادي، يمر علينا كل سنة، ولا تعرف هل هذه هي ثقافة شعبية أم ثقافة رسمية، أي ثقافة التوتير، ومشاغلة الرأي العام بقضايا اقل من عادية، وليست مستجدة على هذا البلد.

قد يخرج من يرد ان هذه مكاشفة، ومحاولة للتواصل مع الرأي العام، عبر الاهتمام بشؤون الناس، ووضعهم في صورة المستجدات، حول كل شيء، من الطرق التي قد تغلق بسبب الثلوج، أو العواصف، أو الضباب، وصولا إلى انقطاعات الكهرباء المحتملة، ووضع المواد التموينية في الأردن، وقد يكون الكلام هنا صحيحا، لكنني أتحدث عن المبالغة، والتوتير، وكأننا أمام ظروف مستجدة على الأردن لأول مرة، أو أننا أمام ظرف خارج عن السيطرة، فتتم المبالغة بجرعة التوتير هنا، وكل جهة تدلي بدلوها ومعلوماتها، وقد كان بالإمكان الاختصار بكل هذا، خصوصا ان هناك بعثرة للوعي العام، عبر إشغال الناس، بعدد الأرغفة المستهلكة، وعدد الأسطوانات المباعة.

في دول عربية وأجنبية، تمر عليها ذات المواقيت، من منخفضات الشتاء، إلى رمضان، وغير ذلك لا تجد هذه الطريقة في إدارة الأمور، وكل ما يفعلونه مجرد نشرة مختصرة جامعة، دون قلب الأجواء كلها وكأننا أمام ظرف استثنائي، نتعرف عليه لأول مرة، وهذا يفرض التخفيف من كثرة البيانات التي تصدرها كل الجهات في ظرف مثل المنخفضات الجوية، وجمع المعلومات الأكثر أهمية في بيان واحد مختصر، كل ساعة، أو عدة ساعات، ودون هدر ملايين الكلمات والساعات الإذاعية والتلفزيونية في تغطيات تجعلك تشعر أننا أمام مفرق طرق، إما ننجو، وإما لا ننجو منه.

 

(نقلا عن الغد الأردني)

 

0
التعليقات (0)