قضايا وآراء

هل تنجح الحشود النووية الأمريكية في احتواء روسيا؟

حازم عيّاد
1300x600
1300x600

حذر الأمين العام لحلف الأطلسي ينس ستوليتنبرغ روسيا من عواقب أي عدوان على أوكرانيا، وأكد أن العدوان ستكون له عواقب سياسية واقتصادية، داعيا موسكو إلى التحلي بالشفافية وخفض التوتر.

تحذيرات ستوليتبرغ جاءت بعد أن طالب وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا حلف الناتو بردع روسيا التي حشدت ما يقارب الـ 120 ألف جندي على حدود بلاده؛ بالقرب من القرم؛ محذرا من نوايا موسكو لاجتياح أوكرانيا بداية العام المقبل الأمر الذي نفاه الناطق باسم الرئاسة الروسية في الكرملين ديمتري بيسكوف يوم الاثنين الماضي 29 تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي.
 
الحرب الهجينة

لهجة التصعيد الصادرة عن الناتو جاءت بعد لقاء جمع القادة العسكرين لدول الحلف في (ريغا) عاصمة جمهورية لاتفيا بحدود تبلغ (276 كم) من ناحية الشرق مع روسيا و(141 كم) من الجنوب الشرقي مع  بيلاروسيا (روسيا البيضاء) الحليف المقرب لموسكو؛ فلاتفيا تستمد أهميتها لحلف الناتو باعتبارها جيبا حدوديا وأمنيا يخترق الأراضي الروسية والبيلاروسية في الآن ذاته.

سكرتير مجلس الأمن الروسي، نيقولاي باتروشيف عاد وحذر من تحركات الناتو الثلاثاء الفائت بعد أن أكد أن روسيا ستتابع مراقبة تحركات الناتو وأوكرانيا على حدودها، وذكر أن موسكو أبلغت واشنطن بأنها لا تتبع أي خطط عدوانية تجاه كييف.

دعوات لم تلقَ آذانا صاغية؛ فدول الناتو تنظر بقلق للحشود الروسية في القرم ولموجات اللجوء القادمة من بيلاروسيا في الآن ذاته؛ فالأبعاد الأمنية للمهاجرين المحتشدين على الحدود البولندية البيلاروسية تختلط بالأبعاد الاستراتيجية على نحو خطر؛ مخلفة مفهوما جديدا للحرب أطلق عليه مسمى الحرب الهجينة؛ التي حولت التهديدات الأمنية (اللاجئين) إلى تهديدات استراتيجية.

الحشود النووية

ستوليتينبرغ لم يكتفِ بتحذير روسيا من شن هجوم مفاجئ على أوكرانيا؛ إذ استغل لقاءه برئيس جمهورية لاتفيا ليعلن عن نية حلف الناتو نشر أسلحة نووية هجومية في دول أوروبا الشرقية على رأسها بولندا؛ بحجة طلب ألمانيا من الناتو سحب هذه الترسانة من أراضيها؛ الخطوة التي وصفها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافرف بـ (المتهورة) خلال كلمة له أمام مجلس الاتحاد الروسي الغرفة العليا في البرلمان الروسي الدوما؛ 

التوتر بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية ممثلة بحلف الناتو؛ لم يعد مقتصرا على أوكرانيا وشبه جزيرة القرم؛ إذ امتد عميقا في بحر البلطيق وشرق أوروبا؛ توتر غذته أزمات أمنية كأزمة الطاقة واللجوء عبر أراضي (بيلاروسيا) نحو الاتحاد الأوروبي مرورا ببولندا؛ فرئيس جمهورية بيلاروسيا (روسيا البيضاء) أعلن أن استعداد بلاده لنشر أسلحة نووية روسية على أراضي بلاده ردا على نشر أسلحة نووية أمريكية في بولندا؛ التي يتوقع أن ترحب بنشر الأسلحة النووية الأمريكية على أراضيها.

تصعيد تجاوز الأبعاد الأمنية للجوء والهجرة وإمدادات الطاقة ووباء كورونا نحو أبعاد استراتيجية مقلقة؛ عبر عنها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بتحذير موسكو من رد أمريكي (خطر) في حال أقدمت على مهاجمة أوكرانيا.

مسار المواجهة المستحيلة

التحذيرات والتهيدات المتبادلة طالت كافة المستويات السياسية والدبلوماسية والعسكرية الأمريكية والروسية خلال الأيام القليلة الماضية؛ منذرة بمواجهة عسكرية لا زالت مستحيلة؛ فالناتو لازال يراهن على العقوبات ورفع كلف الحلول الأمنية والعسكرية على روسيا وحليفتها بيلاروسيا. 

 

التوترات الحدودية شرق أوروبا والحشود النووية الأمريكية والروسية وحروب النفط الروسية الأمريكية تمهد الطريق لقمة جديدة بين بوتين وبايدن نهاية هذا العام الحالي؛ قمة تناقش الملفات العالقة بين روسيا وأمريكا؛ لن تقتصر على شرق أوروبا بل ستمتد نحو الصين والأمن السبراني وأمن الطاقة؛

 



والتحركات الأمريكية على الأرض لا تعدو كونها مناوشات دبلوماسية؛ إذ بموازاة التحذيرات التي  وجهها مدير وكالة الاستخبارات الامريكية CIA (وليم بيرنز) لنظرائه الروس في جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (FSP) خلال زيارته لموسكو برد أمريكي قاسي في حال ثبت تورطهم في (متلازمة هافانا) التي يعاني منها عملاء وكالة الاستخبارات الأمريكية والكثير من الدبلوماسيين الأمريكيين؛ فإن الإجراءات الأمريكية لازالت مقتصرة على دعوة الدبلوماسين الروس مغادرة أراضيها بحجة تجاوزهم الأعوام الثلاث المقررة لعملهم على أراضيها.

ما دفع موسكو للطلب من دبلوماسيين أمريكيين الاستعداد لمغادرة أراضيها العام القادم لذات الأسباب؛ فالمواجهة بين البلدين لم تتجاوز حدود التحذيرات المتبادلة؛ التي يمثل نشر الأسحلة النووية التطور الأخطر في حال قررت الإدارة الأمريكية المضي فيه.

القمة المرتقبة

التصعيد المتبادل بين روسيا ودول الحلف لا يتوقع أن تقود إلى مواجهة عسكرية غير أنها تمهد الطريق لمفاوضات أكثر جدية للقمة الثانية للعام 2021؛ والمرتقبة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأمريكي جو بايدن نهاية العام الحالي.

فأمريكا من خلال تعاظم حضورها العسكري والسياسي شرق القارة الأوروبية تسعى لاحتواء التهديدات الروسية وحلفائها شرق القارة الأوروبية في الآن ذاته؛ فآخر ما تريده واشنطن التورط في صراعات مسلحة وحروب استنزاف طويلة في بحر البلطيق والحزام الأوراسي الممتد إلى البحر الأسود في وقت تواجه فيه تهديدات صينية جدية في جنوب شرق آسيا والباسفيك.

التوترات الحدودية شرق أوروبا والحشود النووية الأمريكية والروسية وحروب النفط الروسية الأمريكية  تمهد الطريق لقمة جديدة بين بوتين وبايدن نهاية هذا العام الحالي؛ قمة تناقش الملفات العالقة بين روسيا وأمريكا؛ لن تقتصر على شرق أوروبا بل ستمتد نحو الصين والأمن السبراني وأمن الطاقة؛ ملفات تفوق في أهميتها شررق أوروبا التي تحولت إلى ورقة روسية تعبث بها من خلال التصعيد على الحدود الأوكرانية والبولندية . 

ختاما..

القمة المقبلة إن كتب لها الانعقاد نهاية العام الحالي ستكون الأصعب إذ تنعقد (أولا) على وقع التهديدات الاستراتيجية؛ ممثلة بالحشود النووية وحروب الطاقة والهجمات السبرانية والقيود الدبلوماسية؛ و(ثانيا) على وقع التهديدات الأمنية؛ ممثلة بوباء كورونا وموجات اللجوء والهجرة وأمن الطاقة التي تعصف بالقارة الأوروبية.

قمة إن انتهت للفشل فسيكون لها عواقب وخيمة على الأمن العالمي؛ سيتبعها موجة تصعيد جديدة بين العملاقين النوويين تفوق سابقتها في قمة حزيران (يونيو) الماضي؛ فالحشود النووية الأمريكية مهدت لقمة (قد) لا تنعقد قبل اشتعال الساحات من أوكرانيا إلى لاتفيا.

hazem ayyad
@hma36


التعليقات (0)