هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لكل بناء أسس يبنى عليها ويركن إليها، وكلما كان البناء شامخا استوجب أسسا راسخة متينة، لا تتآكل بمرور الزمان ولا تهتز بالأحداث الجسام ولا تتغير بتحول المكان ولا بتغير الأشخاص. من هنا كانت ثوابت البناء لجماعة الإخوان ومنها:
أولا، الله غايتنا (إرضاء الله): بإصلاح المجتمع وصلاح الدولة حماية لدنيا الناس ودينهم، وتحقيق أهداف ثورة يناير، من العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
ثانيا، العمل الجماعي (الوسيلة): إصلاح المجتمع وصلاح الدولة ليس بالأمر الهين، وهو بحاجة لتضافر الجهود وتجميع الطاقات وتوظيف الفرص وتخطي التحديات، وهذا لا يكون إلا بالعمل الجماعي المنظم أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن قبله الأنبياء ومن بعده الدعاة والمصلحون. العمل الفردي مهم، لكنه وحده لا يحقق الأهداف الكبرى.. العمل الجماعي هو الذي تتوفر فيه القيادة الراشدة والقواعد الواعية والمناهج الناضجة والوسائل المناسبة.
ثالثا، الإصلاح المتدرج (الطريقة): التعجل ليس من سمات الدعاة البناة، ومشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، وقد قال صلى الله عليه وسلم "إن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى". وإصلاح المجتمع هدف كبير ضخم، يتم بالتراكم الذي يستغرق زمنا.
رابعا، التربية الشاملة (المنهج): الإنسان هو محور التغيير والإصلاح، الإنسان بمعايير ومواصفات إسلامية حضارية تليق بحجم التحديات ومستوى الطموح، الإنسان روح وعقل وجسد، الإنسان معارف ومعلومات وقيم واتجاهات وسلوك ومهارات، ومجالات الحياة متعددة ومتنوعة، لذا فالمطلوب أن تشبع التربية مكونات الإنسان المتنوعة، لخوض مجالات الحياة المتعددة.
خامسا، السلمية ونبذ العنف (الفكر والممارسات): تعددت وسائل التغيير تبعاً للأطر النظرية والأسس الفلسفية لأصحاب التغيير، بين النضال الاجتماعي والسياسي السلمي وبين أساليب أخرى تميل للشدة والعنف. وقد أثبتت التجارب التاريخية والواقعية القريبة أن التغيير السلمي هو النهج الأنسب لتحقيق الهدف على المدى الطويل، حفاظا على دنيا الناس ودينهم، وحفاظاً على أرواحهم وأعراضهم وممتلكاتهم، وتحقيقا للمقاصد الخمسة للشريعة الغراء.. نعم السلمية ونبذ العنف رغم عنف الأنظمة وإرهاب الدول.
سادسا، الوسطية والاعتدال (الفقه والسلوكيات): تنوعت مناهج التغيير والإصلاح في مذاهب الفقه ومجالات الفكر، بين طرفي نقيض، بين الشدة والغلو أو التراخي والاستسهال، والمساحة بينهما من الوسطية والاعتدال في الفقه والفكر تسعنا كأفراد وكيانات ومجتمعات.. الوسطية والاعتدال هي نهج الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، وهي الأنسب لدنيا الناس ودينهم.
سابعا، المشاركة مع الآخر (في تحقيق الهدف): أثبتت التجارب التاريخية التي سبقتنا والواقعية التي شاركنا فيها؛ أن التغيير والإصلاح المنشود لا يقوى عليه فصيل منفرد مهما كانت إمكاناته البشرية والمادية والتنظيمية، والشراكة المجتمعية والسياسية وغيرهما هي الأنسب والأفضل، توظيفاً للقدرات المتنوعة والكفاءات المتعددة المتكاملة، وهي تحقق المسؤولية المشتركة والتكامل المنشود.
ثامنا، الشورى الملزمة (لاتخاذ القرارات): تقدير المواقف واتخاذ القرارات من الأمور الأكثر تعقيدا في حياة الأفراد والكيانات، والشورى المبنية على وفرة المعلومات ووضوح التصورات، هي الأنسب لاتخاذ قرارات ناجحة وناجزة، والشورى الملزمة هي المقصودة حتى يكون لجهد الناس جدوى عملية.
تاسعا، التجديد والتطوير وإجراء المراجعات من وقت لآخر يعدّ أحد أهم ثوابت البناء في أي مؤسسة أو كيان أو تنظيم؛ فكما يقولون: "الشيء الوحيد الثابت في الحياة هو التغيير المستمر"، وبالتالي بات من الواجب علينا جميعا الوقوف مع الذات من فترة لأخرى من أجل تقييم ما فات، واستشراف ما هو آت؛ فكل شيء من حولنا يتغير ويتبدل، ولا ينبغي أن نعيش بمعزل عن تلك المتغيرات المتوالية التي لا تتوقف، ولسنا بحاجة للتأكيد على أن هناك مبادئ وأسسا ثابتة نسعى جميعا للحفاظ عليها بعيدا عن تلك المتغيرات.
عاشراً، هذه جملة ثوابت نتفق عليها، وقد نختلف في بعض تفاصيلها وبالطبع في غيرها، وهذا وارد وطبيعي، لكن مصيبة المصائب "الفجوة الكبيرة" بين هذه القيم (الثوابت) والإجراءات (الممارسات) هي أكبر عامل في هز البنيان وتقويض أركانه، ويزداد الأمر سوءاً حينما تتصدر المشهد طبقة تزعم أنها "أمناء الهيكل" تُؤْثِر الاستعراض على العُمق، ويستهويها البروز والتسويق الدعائي على البناء العميق المتين، ويُقزِمُها الغرور فلا ترى إلا نفسها، ولا تنظر أبعد من أنفها، ويضيق عقلها فلا يتسع إلا لمن يطابقها ويماثلها، فترى الحال غير الحال.
رحم الله من قال: بئس العبد عبد تجبّر واعتدى ونسي الجبار الأعلى، بئس العبد عبد تخيل واختال ونسي الكبير المتعال، بئس العبد عبد سهى ولهى ونسي المقابر والبلي، بئس العبد عبد بغى وعتى ونسي المجدي والمنتهى، بئس العبد عبد طمع يقوده، بئس العبد عبد هوىً يضله، بئس العبد عبد يغسل الدين بالشبهات، (وللحديث بقية).