هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
توفي عبد القدير خان مهندس البرنامج النووي الباكستاني عن 85 عاما، بعد نقله إلى المستشفى بسبب مشكلات في الرئة، بحسب محطة "بي تي في" التلفزيونية الحكومية الأحد.
ويعتبر عالم الذرة الباكستاني بطلا قوميا لأنه جعل بلاده أول قوة نووية إسلامية في العالم، فيما يعتبره الغرب مسؤولا عن تهريب تكنولوجيا إلى إيران وكوريا الشمالية وليبيا.
ولد عبد القدير خان في بوبال في الهند عام 1936 أثناء فترة الاحتلال البريطاني، أي قبل انفصال باكستان عن الهند، وكان والده عبد الغفور خان مدرسًا تقاعد عام 1935، لذا فقد نشأ الابن عبد القدير تحت جناح أبيه المتفرغ لتربيته ورعايته.
نشأ الدكتور عبد القدير خان متدينًا ملتزمًا بصلواته، متأثرا بأمه زليخة بيجوم خان، التي كانت سيدة ملتزمة بالصلوات الخمس ومتقنة للغة الأردية والفارسية.
أين درس خان؟
تخرج من مدرسة الحامدية الثانوية ببوبال ثم هاجر إلى باكستان في عام 1952 بحثا عن حياة أفضل. توفي والده في بوبال عام 1957، حيث إنه لم يهاجر مع أبنائه إلى باكستان.
تخرج عبد القدير من كلية دیارام جيته للعلوم بجامعة كراتشي عام 1960، وعمل في وظيفة مفتش للأوزان والقياسات، وهي وظيفة حكومية من الدرجة الثانية، إلا أنه استقال منها بعد ذلك.
سافر عبد القدير خان من جديد لاستكمال دراسته فالتحق بجامعة برلين التقنية، حيث أتم دورة تدريبية لمدة عامين في علوم المعادن. كما أنه نال الماجستير عام 1967 من جامعة دلفت التكنولوجية بهولندا ودرجة الدكتوراه عام 1972 من جامعة لوفين البلجيكية.
حاول الدكتور عبد القدير مرارًا الرجوع إلى باكستان ولكن دون جدوى. وتقدم لوظيفة في مصانع الحديد بكراتشي بعد نيله درجة الماجستير، ولكن رفض طلبه بسبب قلة خبرته العملية، وبسبب ذلك الرفض أكمل دراسة الدكتوراه في بلجيكا؛ ليتقدم مرة أخرى لعدة وظائف بباكستان، ولكن دون تسلم أية ردود لطلباته. في حين تقدمت إليه شركة FDO الهندسية الهولندية ليشغل لديهم وظيفة كبير خبراء المعادن فوافق على عرضهم.
في ذلك الحين كانت شركة FDO الهندسية على صلة وثيقة بمنظمة اليورنكو- أكبر منظمة بحثية أوروبية والمدعومة من أمريكا وألمانيا وهولندا.
كانت المنظمة متهمة أيامها بتخصيب اليورانيوم من خلال نظام آلات النابذة Centrifuge system.
والتفاصيل التقنية المستخدمة لنظام الآلات النابذة تعتبر سرية لأنها قد تستخدم في تطوير القنبلة النووية.
تعرض برنامج المنظمة لعدة مشاكل تتصل بسلوك المعدن، واستطاع الدكتور عبد القدير خان بجهده وعلمه التغلب عليها. ومنحته هذه التجربة مع نظام الآلات النابذة خبرة قيمة كانت هي الأساس الذي بنى عليه برنامج باكستان النووي فيما بعد.
في عام 1974 فجرت الهند قنبلتها النووية الأولى، في حينها كان الدكتور عبد القدير خان قد وصل إلى مستقبل مهني ممتاز بكونه واحدا من أكبر العلماء الذين عملوا في هذا المجال، وأيضا كان له حق الامتياز في الدخول إلى أكثر المنشآت سرية في منظمة اليورنكو وكذلك إلى الوثائق الخاصة بتكنولوجيا الآلات النابذة.
وعلى إثر تجارب الهند النووية، أرسل الدكتور خان رسالة إلى رئيس وزراء باكستان "ذو الفقار علي بوتو" قائلا فيها إنه "حتى يتسنى لباكستان البقاء كدولة مستقلة فإن عليها إنشاء برنامج نوويّ".
دعاه الرئيس لزيارة باكستان بعد تلك الرسالة بعشرة أيام ثم دعاه مرة أخرى في عام 1975 وطلب منه عدم الرجوع لهولندا ليرأس برنامج باكستان النووي.
في عام 1975 ترك الدكتور خان هولندا بشكل مفاجئ وفي عام 1976 عاد إلى باكستان ومنذ ذلك الحين استقرت عائلة خان في باكستان.
تطوير الأسلحة النووية
في عام 1974 أطلقت مفوضية الطاقة الذرية الباكستانية (PAEC) برنامج تخصيب اليورانيوم. وفي عام 1976 انضم خان إلى المفوضية إلا أنه لم يستطع إنجاز شيء من خلالها. لذا فإنه في شهر تموز/ يوليو من نفس العام أسّس معامل هندسية للبحوث في مدينة كاهوتا القريبة من مدينة روالبندي بعدما أخذ الموافقة من رئيس الوزراء ذو الفقار علي بوتو بأن تكون له حرية التصرف من خلال هيئة مستقلة خاصة ببرنامجه النووي.
وفي عام 1981 وتقديرًا لجهوده في مجال الأمن القومي الباكستاني غيّر الرئيس الأسبق ضياء الحق اسم المعامل إلى معامل الدكتور عبد القدير خان للبحوث. وأصبحت المعامل بؤرة لتطوير تخصيب اليورانيوم حيث عمل خان على العديد من المشاريع لتطوير الأسلحة الباكستانية النووية.
يتلخص إنجاز الدكتور عبد القدير خان العظيم في تمكنه من إنشاء مفاعل كاهوتا النووي في ستة أعوام، والذي يستغرق عادة عقدين من الزمان في أكثر دول العالم تقدما، وكان ذلك بعمل ثورة إدارية على الأسلوب المتبع عادة، من فكرة ثم قرار ثم دراسة جدوى ثم بحوث أساسية ثم بحوث تطبيقية ثم عمل نموذج مصغر ثم إنشاء المفاعل الأولي، والذي يليه هندسة المفاعل الحقيقي، وبناؤه وافتتاحه.
ويقول الدكتور عبد القدير خان في أحد مقالاته: "أحد أهم عوامل نجاح البرنامج في زمن قياسي كان درجة السرية العالية التي تم الحفاظ عليها، وكان لاختيار موقع المشروع في مكان ناءٍ كمدينة كاهوتا أثر بالغ في ذلك".
كان الحفاظ على أمن الموقع سهلا بسبب انعدام جاذبية المكان للزوار من العالم الخارجي، كما أن موقعه القريب نسبيًا من العاصمة يسر لنا اتخاذ القرارات السريعة، وتنفيذها دون عطلة.
وأضاف خان: "ما كان المشروع ليختفي عن عيون العالم الغربي لولا عناية الله، ثم إصرار الدولة كلها على إتقان هذه التقنية المتقدمة التي لا يتقنها سوى أربع أو خمس دول في العالم. ما كان لأحد أن يصدق أن دولة غير قادرة على صناعة إبر الخياطة ستتقن هذه التقنية المتقدمة".
وقد قالت رئيسة الوزراء السابقة بناظير بوتو إنها هي أيضا لم يكن يسمح لها بزيارة معامل خان للبحوث.
وقام الفريق الباكستاني لمعامل الدكتور عبد القدير خان للبحوث بتصميم النابذات وتنظيم خطوط الأنابيب الرئيسية وحساب الضغوط وتصميم البرامج والأجهزة اللازمة للتشغيل. واستغرق العمل على مشروع بناء الآلات النابذة ثلاث سنوات فقط.
مساهمات خان
امتدت أنشطة معامل خان البحثية لتشمل بعد ذلك برامج دفاعية مختلفة؛ حيث تصنع صواريخ وأجهزة عسكرية أخرى كثيرة وأنشطة صناعية وبرامج وبحوث تنمية، وأنشأت معهدا للعلوم الهندسية والتكنولوجية ومصنعًا للحديد والصلب، كما أنها تدعم المؤسسات العلمية والتعليمية.
في البداية كان يقوم الدكتور عبد القدير خان بشراء كل ما يستطيع من إمكانات من الأسواق العالمية بفضل صِلاته بشركات الإنتاج الغربية المختلفة، لكن حين علم العالم بتمكن باكستان من صناعة القنبلة النووية ثار على الحكومة الباكستانية وبدأت الضغوط تمارس على الحكومة من جميع الجهات ما بين عقوبات اقتصادية وحظر على التعامل التجاري وهجوم شرس من وسائل الإعلام على الشخصيات الباكستانية.
كما أنه تم رفع قضية على الدكتور عبد القدير خان في هولندا بتهمة سرقة وثائق نووية سرية وحكم عليه غيابيا بأربع سنوات، لكن في الاستئناف تم تقديم وثائق من قبل ستة أساتذة عالميين أثبتوا فيها أن المعلومات التي كانت مع الدكتور عبد القدير خان من النوع العادي، وأنها منشورة في المجلات العلمية منذ سنين.
تم بعدها إسقاط التهمة من قبل محكمة أمستردام العليا. ويقول الدكتور عبد القدير خان، إنه حصل على تلك المعلومات بشكل عادي من أحد أصدقائه؛ إذ لم يكن لديهم بعد مكتبة علمية مناسبة أو المادة العلمية المطلوبة.
بعد هذا الهجوم بدأ المشروع في إنتاج جميع حاجياته بحيث أصبح مستقلا تماما عن العالم الخارجي في صناعة جميع ما يلزم المفاعل النووي. وتحدث الدكتور خان عن هذه الفترة قائلا: "في حين كان العالم المتقدم يهاجم برنامج باكستان النووي بشراسة كان أيضًا يغض الطرف عن محاولات شركاته المستميتة لبيع الأجهزة المختلفة لنا! بل كانت هذه الشركات تترجّانا لشراء أجهزتها. كان لديهم الاستعداد لعمل أي شيء من أجل المال ما دام المال وفيرًا".
وتعدّ التجارب النووية الست التي قامت بها باكستان في مايو 1998 بمثابة تأشيرة دخول باكستان إلى النادي النووي، وأصبح عبد القدير خان بسببها بطل باكستان الثاني بعد محمد علي جناح -أول رئيس لباكستان- وأطلقت عليه الصحافة لقب "أبي القنبلة الذرية الإسلامية"، وامتلأت شوارع المدن الباكستانية بصوره، خاصة مع المجهودات الخيرية التي كان يقوم بها مثل إنشاء العديد من المدارس، وحملته لمكافحة الأميّة. وفي تلك الفترة، نال خان 13 ميدالية ذهبية من معاهد ومؤسسات قومية مختلفة، ونشر حوالي 150 بحثًا علميًا في مجلات علمية عالمية، كما أنه مُنح عام 1989 "وسام هلال الامتياز".
وفي العام 1996 نال "نيشان الامتياز" ـ وهو أعلى وسام مدني تمنحه دولة باكستان ـ تقديرًا لإسهاماته المهمّة في العلوم والهندسة.
المصدر: ويكيبيديا ووكالات