تعيش الحركات الإسلامية أو ما يطلق عليها إعلاميا "الإسلام السياسي"؛ أجواء من الإخفاق والتراجع لم تعهدها منذ عقود، لاعتبارات ذاتية تخصها وأخرى تخص الأجواء العامة المحلية والإقليمية والدولية، ترتب عليها حالة من الغواية للعديد من الأطراف الداعمة والمعادية معا، حيث زعم البعض أننا بصدد مرحلة ما بعد الإسلام السياسي أو
التنظيمات الإسلامية أو غير ذلك، خاصة الكيانات التي عانت القهر والقتل والاستئصال كما هو الحال في سوريا ومصر، أو التي عانت إخفاقات انتخابية وصل إلى درجة الزلزال كما هو الحال في المغرب.
بين الوجود والحدود
مكونات الحركة الإسلامية ليست هي دين الإسلام، وإن كانت تجتهد في أن تتمثله فكرا وسلوكا، لكنها كيانات بشرية لها وعليها. قد تنجح بعض الكيانات وقد تفشل في تطبيق مشروعها الإصلاحي ذي المرجعية الإسلامية، هذا وارد وطبيعي على مستوى الأداء، الأهم ألا تتخلى هذه الكيانات عن محتوى النقاء الفكري والقيمي والأخلاقي.
الكيانات لها دورات حياة شأنها شأن الأنظمة والدول، والحضارات تستمر وبصورة نسبية أو تنتهي وفقا لالتزامها سنن البقاء والزوال، لتبدأ دورات حياة جديدة لكيانات جديدة، حتى تتهيأ الأجواء والمناخات العامة المحلية والإقليمية والدولية ويكتمل معها نضج وجاهزية هذه الكيانات لتأخذ فرصتها في ظل أجواء أكثر سعة وجاهزية، الأهم عدم التراجع عن منظومات القيم وخرائط السلوك الذي يمثل المرجعية الإسلامية.
موقف مكونات الحركة
موقف الحركات الإسلامية صاحبة التجارب المتعثرة هنا وهناك لها عدة خيارات:
أولها، تبرير الإخفاق الحادث وتعليقه على شماعة المؤامرة والظروف المحلية والإقليمية والدولية كما هو حال الانظمة المستبدة الفاشلة، وعدم بذل الجهد في المراجعة والتقويم لاستعادة الفاعلية والتأثير. وبذلك ستبقى في الزاوية وبحجم محدود، تعيش على ذكريات الماضي في النضال والتدافع والانجازات التي كانت.
ثانيها، أن تقوم الهزات الارتدادية لزلزال الإخفاق بالمزيد من الشقاق والانشقاق والتقسيم، وينتهي الحال بالكيان الذي كان كبيرا ومتينا ومتماسكا إلى عدة كيانات مبعثرة هنا وهناك.
ثالثها، هو التعاطي بقوة وجرأة مع تحمل المسؤولية الأخلاقية والتاريخية، والاعتراف بالخطأ الحادث من جانب الكيان إلى جانب الأطراف الأخرى داخليا وخارجيا، مع سرعة التعاطي قبل فوات الأوان، لوحدة الصف ولم الشمل وإجراء عمليات التقويم والمراجعات والتبديل للمواقع والقيادات، وإتاحة الفرص لفرق أخرى تدير مرحلة التغيير لم تكن شريكة في صناعته.
سيناريوهات الاستكمال
أولها، العمل في حدود الهامش المسموح به مع الحفاظ على مستوى التقاء القيمي والأخلاقي، مهما قل مستوى الأداء التنفيذي والميداني.
ثانيها، تجنب العمل تحت مظلة النظام، والإصرار على التواجد كجماعة ضغط تناضل وتشاكس وتشتبك وفق الممكن والمتاح مع مراعاة القاعدة الاقتصادية في عالم السياسة؛ وهي العلاقة بين العائد والتكلفة.
وأخيرا، فإنه في كلتا الحالتين مطلوب الاستفادة من رصيد التجربة وإعادة النظر في المشروع الفكري كاملا؛ بداية من لغة خطابه وانتهاءً بالأهداف العليا، مرورا بالوسائل والآليات، مع مراعاة مواصفات وصفات المنتج التربوي الذي يناسب تحديات الواقع وطموحات المستقبل على مستوى الفهم والتفكير والحركة والتدبير، بعيدا عن أنماط التبعية وروح القطيع..