"تفاحة الضوء".. مختارات شعرية لعلي جعفر العلاق

'' هل تعوي الذئاب في ضوء القمر الكامل حقاً ؟ '' إذا قمت يوما بالتخييم في البرية ، وبينما تستمتع بالسكون النقي ، سمعت عواء الذئاب يشق ذاك السكون في ظلمة ليل باهتة بسبب قمر مكتمل يطل من عنان السماء ... حتماً سترسم مخيلتك صورة ما اعتدنا على رؤيتها في مثل تلك الظروف .. رجل يقف أعلى التلة ، يتألم تحت ضوء القمر ، يبدأ جسده في التلوي المرعب ، فيكسو الشعر جسده ، وتنبت لأقدامه حوافر طويلة ، ويصرخ .. ثم يعوي كعواء ذئب .. هذا ربما ما نتخيله جميعاً عند سماعنا لعواء ذئب في ضوء القمر المكتمل في البرية . أساطير رغماً عنا قد تداخلت مع أفكارنا ، ولكن مهلاً : هل تعوي الذئاب فعلا عندما يكتمل القمر ؟ [ هل ينادون على القمر ؟ ] قد تبدو الفكرة رومانسية بعض الشيء ، ولكن في حقيقة الأمر الذئاب لا تقوم بالعويل للقمر ، فليس لديهم مصلحة معه أكثر من اهتمامهم بالأرانب التي يصطادونها ، والبراغيث التي تعيش في فرائهم ،، وقبل أن ننتقل إلى السبب الحقيقي وراء عواء الذئاب .. من المهم توضيح أصل تلك الأساطير ... فعلى امتداد تاريخ البشرية خلقت الثقافات المختلفة قصصاً كثيرة لشرح الأشياء التي لم يفهمها الناس ، فكانت العديد من الظواهر الطبيعية تقترن بهذه القصص التقليدية والأسطورية ، وتنتقل عبر الأجيال . وفي الأساطير اليونانية والرومانية و الإسكندنافية ، كان هناك صلة قوية بين الذئاب والقمر ، وكثيراً ما تحدثت أساطير الأمريكيين الأصليين عن الذئاب كحماة أو حرّاس للقمر ، بينما تعوي في الليل معلنة عن وجودها . على مر القرون تلاشت تلك الأساطير وأصبحت في الثقافة الشعبية الشائعة ، على الرغم من عدم وجود أي أساس حقيقي في العلوم يُثبت هذا الأمر . وقد أظهرت العديد من الدراسات البحثية في العصر الحديث أن الذئاب لا تهتم بوجود القمر بأي شكل من الأشكال بمعنى آخر سواء أكان القمر كاملاً أم قمراً جديداً ، أو أي شيء بينهما ، بما في ذلك إن كانت السماء غائمة تماماً أو لم يكن القمر قد ارتفع ، فالذئاب تعوي في كل تلك الأوقات وليس عند اكتمال القمر فحسب . قد يكون عواء الذئاب من بين أكثر الأصوات في البرية التي قد ينتصب لها شعر جسدك ، ولكن على الرغم من ذلك تُشبه تلك النداأت عدداً لا يُحصى من أصوات الحيوانات الأخرى ، من الرئيسيات وطيور البوم إلى أغاني الحيتان ونقيق الضفادع ، فالتواصل بين الأنواع الحيوانية لا يقل أهمية عن الاتصال بين البشر ، سواء كان ذلك لتحذير أفراد المجموعة من خطر ما ، أو الإشارة إلى الأماكن التي من الممكن العثور فيها على الطعام ، أو للبحث عن رفيق أو زوج . قد تبدو اللغة البشرية أكثر تعقيداً بشكل كبير ، ولكن هناك قدر كبير من الفوارق بين نداأت الحيوانات البرية ، والأهم من ذلك عندما يتعلق الأمر بالذئاب ، فقد تم إجراء العديد من الأبحاث حول طريقة عواء الذئاب أكثر من أي نوع آخر من الحيوانات . فبعيداً عن الأساطير التي تفسر طريقة عواء الذئب برأسه المقلوب ، بإنه ينظر إلى القمر ويناديه ، فإن العلم يفسر الأمر ببساطة ، فتلك الوضعية لرأس الذئب أثناء العواء تساعد الصوت على الإنتقال إلى مسافات بعيدة ، يمكن أن تصل إلى 6 أميال وفي اي إتجاه ء وإذا كانت الأرض مسطحة دون وجود عوائق ، فيمكن أن يصل عواء الذئب إلى مسافة 10 أميال ، وهذه النداأت تساعد الذئاب بالبقاء متصلة مع بعضها البعض .أما السبب في أن الذئاب تعوي في الليل ، هو لأنها حيوانات ليلية ، لا تنشط أثناء النهار ، وبالتالي تحتاج إلى التواصل بالليل بأفضل طريقة ممكنة ، كما يمكن للذئاب أن تنبح وتذمر مثل الكلاب ، حتى أن الكلب الأليف يمكنه أن يعوي كالذئب أحياناً إذا ما سمع كلاب أخرى تفعل ذلك في الحي ، فلا ننسى أن الكلاب لا تزال حيوانات برية ، ولديها تلك الميول الذئبية القديمة . وتحتاج الذئاب للتواصل مع بعضها من أجل بعض الأشياء الأساسية مثل التحذير من الخطر ، التزواج ، والهيمنة والتي تُعدّ أهم موضوعات أحاديث الذئاب فيما بينها مثل تحذير قطيع آخر حتى لا يقترب من المنطقة التي تقع تحت سيطرتهم ، ويؤدي هذا الشكل الأكثر إثار للإهتمام من عواء ذئب واحد إلى ما يُسمى بـ " جوقة العواء " حيث تعوي ذئاب القطيع معاً ، مما يجعل من الصعب معرفة عدد الذئاب الموجودة في قطيع ما ، وتستخدم الذئاب تلك الطريقة كخدعة للحفاظ على قوتها مخفية عن أعين القطيع الآخر ، مما يجعل هؤلاء المنافسين أقل استعداداً للقتال من أجل الأرض . كما يمكن أن يكون عواء الذئاب يهدف إلى مساعدة القطيع على التوحد إذا ما كانوا منقسمين . هناك أسباب ثانوية أخرى لعواء الذئب و والتي يمكن تحديدها على أساس درجة الصوت ومدة العواء ، فالعواء الأقل درجة والأكثر تواتراً يأتي من الذكور المهيمنة ، في حين أن العواء الأعلى نغمة ، والذي قد يُشبه في كثير من الأحيان صوت الأنين هو من علامات الخضوع . ومن المثير للاهتمام أن العواء قد يكون له تأثير سلبي بالنسبة " للذئاب الوحيدة " التي فقدت قطيعها أو تم نبذها ، فبعواءها قد تكشف عن وجودها في مكان ما للحيوانات المفترسة الأخرى ، وفي تلك الحالة لن يكون هناك قطيع لحمايتها وقت الحاجه . أخيراً .. في المرة القادمة التي قد تخرج فيها للغابة ، وتسمع عواء ذئب تحت ضوء البدر ، فلا تفكر أن هذا الأمر هو بداية لفيلم رعب عن الرجل الذئب ، ولا تعتقد أن وحوش الغابة تلك تتواصل مع الأجرام السماوية .