هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لا يزال البرلمان اللبناني متريثًا برفع الحصانات النيابية عن عدد من
النواب المطلوب استجوابهم في قضية انفجار مرفأ بيروت قبل أكثر من سنة.
وفي 4 آب/ أغسطس 2020، وقع انفجار ضخم في مرفأ العاصمة، أودى بحياة 217
شخصا وأصاب نحو 7 آلاف آخرين، إضافة إلى دمار مادي هائل.
وبحسب تقديرات رسمية، وقع الانفجار في العنبر رقم 12 بالمرفأ، الذي كان
يحوي نحو 2750 طنا من مادة "نترات الأمونيوم" الشديدة الانفجار، كانت
مصادرة من سفينة ومخزنة منذ عام 2014.
ومطلع تموز/ يوليو الماضي، طلب المحقق العدلي في القضية طارق البيطار رفع
الحصانة عن 3 نواب (وزراء سابقين) للتحقيق معهم، وهم نهاد المشنوق وغازي زعيتر
وعلي حسن خليل، إضافة إلى الوزير السابق يوسف فنيانوس.
إلا أن البرلمان لم يبتّ بالأمر، ورفع عدد من النواب عريضة
"اتّهام"، تطالب الإذن بملاحقة هؤلاء أمام "المجلس الأعلى لمحاكمة
الرؤساء والوزراء"، لا أمام القضاء العدلي.
ممن يتألف المجلس الأعلى؟
يتألف "المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء" في لبنان من
سبعة نواب (يتم انتخابهم بالاقتراع السري وبالغالبية المطلقة من مجموع أعضاء
المجلس النيابي الـ 128)، و3 نواب آخرين احتياطيين، بالإضافة إلى ثمانية قضاة من
أعلى القضاة رتبة بحسب درجات التسلسل القضائي أو باعتبار الأقدمية إذا تساوت
درجاتهم و3 قضاة احتياطيين، بحسب المادة 80 من الدستور اللبناني.
من يحاكِم المجلس الأعلى؟
يقول الخبير الدستوري عادل يمين إن "المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء
والوزراء" منصوص عليه في الدستور اللبناني، كمحكمة خاصة من أجل محاكمة
الرؤساء والوزراء.
ويتولى المجلس الأعلى محاكمة رئيس الجمهورية بالجرائم العادية التي
يرتكبها، أو بالخيانة العظمى أو خرق الدستور، ويُتهَم أمامه رئيس الوزراء والوزراء
بجرم الخيانة العظمى وبالإخلال بالواجبات المترتبة عليهم أو خرق الدستور، وفق
يمين.
ويوضح يمين، في تصريح إلى "الأناضول"، أن الاتهام يتمّ من جانب
المجلس النيابي فقط وبثلثين من أعضائه.
مجلس أعلى غير فاعل
يلفت الخبير الدستوري إلى أنه لم يحصل أن شهد "المجلس الأعلى لمحاكمة
الرؤساء والوزراء" أي محاكمة منذ تأسيسه قبل 31 سنة (1990)، لأن أي إحالة
إليه من جانب المجلس النيابي لم تحصل بتاتاً.
ويشير إلى أن طريقة الإحالة إلى المجلس الأعلى معقدة وتستغرق وقتا.
وتبدأ الإحالة بعريضة يوقعها خمس أعضاء المجلس (أي 26 نائبا من أصل 128)،
ويتم رفعها إلى رئيس البرلمان وتتبعها إجراءات طويلة ومعقدة.
بالمقابل، ذكرت "المفكرة القانونية"، وهي جمعية أهلية مقرّها
بيروت وتضم قانونيين وباحثين، في دراسة على موقعها الإلكتروني، أنها حصلت سابقة
وحيدة، دفعت المجلس النيابي إلى البتّ بطلبَي اتّهام في العام 2003، وذلك بحق كل
من الوزيرين السابقين فؤاد السنيورة وشاهي برصوميان.
وأشارت المفكّرة إلى أن النوّاب رفضوا التصويت على طلب اتّهام السنيورة، ما
أدى إلى ردّه، فيما وافقت غالبية 70 نائباً على طلب اتّهام برصوميان بتهمة بيع
رواسب نفطية.
لكن في النهاية، قرّر البرلمان إغلاق ملف برصوميان وتبرئته، بعد اعتبار أن
الأفعال المنسوبة إليه غير ثابتة، ولا مبرّر قانونياً لاتهامه أو ملاحقته.
قضية المرفأ والمجلس الأعلى
يرفض عدد من نواب البرلمان اللبناني استجواب زملائهم من جانب القضاء
العدلي، مطالبين باتهامهم أمام المجلس الأعلى.
وهنا، يرى حقوقيون لبنانيون أن طلب الاتهام هو بمثابة مناورة احتيالية
لتهريب المتهمين من قبضة المحقق العدلي في قضية انفجار المرفأ طارق بيطار، لأنه لا
جديّة في الاتهام أمام هذا المجلس.
يتوافق كلام الحقوقيين مع يمين الذي يرى أن "هذه المحاولة (أي عريضة
الاتهام) هي مسعى للالتفاف على التحقيقات التي يجريها قاضي التحقيق العدلي في قضية
انفجار مرفأ بيروت، لأن الاتهام يتم بناء على آلية معقدة".
ويضيف الخبير الدستوري أن "الآلية طويلة، خاصة أن لجنة التحقيق
النيابية التي تنظر في الاتهام، ليست مقيدة بأي مهلة زمنية، وهذا يقود إلى تمييع
القضية"، معتبراً أن الأمر قد يعرقل عمل قاضي التحقيق.
وحتى اليوم، أخفق المجلس النيابي بتحويل استجواب النواب المتهمين إلى
"المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء"، في ظل إصرار نيابي وشعبي على
امتثالهم أمام القضاء، باعتبار أن الحصانات وكلّ القوانين تسقط أمام هول جريمة
مرفأ بيروت.