كتاب عربي 21

الألعاب الأولمبية: إرث أوروبا والإغريق واليهود

جوزيف مسعد
1300x600
1300x600
تقوم الاستعراضات المسرحية وحملة العلاقات العامة المحيطة بالألعاب الأولمبية بتقديم الأخيرة على أنها مناسبة عالمية لإرساء قيم الصداقة والسلام بين الأمم، وليس على أنها مناسبة شوفينية وإمبريالية أوروبية توسعت تدريجياً لتشمل بقية العالم. شرط العضوية في هذه الألعاب هو أن يتم تمثيل بقية العالم من قبل دول وأوطان اقتطعها وشكلها الاستعمار الأوروبي على مر القرون، والتي تزعم أوروبا التي تم اختراعها كجغرافيا وهوية في عصر النهضة وبعده، لا سيما في القرن الثامن عشر التي اجتاحته حركة عشق الإغريق القدماء (أو الفيلهيلينية) التي بدأت في ألمانيا، بأنها ستمنح وتشارك بقية العالم بإرث الإغريق القدماء الذي استولت عليه باعتبارها الوريث الشرعي الوحيد له.

على الرغم من كل مظاهر الأبهة والعظمة المحيطة بشعار الصداقة بين الأمم، لم تزل الألعاب الأولمبية، ولا يمكنها إلا أن تكون، مناسبة للقومية الشوفينية. ويتجلى ذلك في حملات المقاطعة السياسية المتعددة للألعاب الأولمبية على مدى عقود، كما هو الحال مع حملة المقاطعة الجارية لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية القادمة في الصين. أما في أولمبياد طوكيو الأخير، فقد رفض رياضيون عرب التنافس مع الرياضيين الإسرائيليين الذين يمثلون بفخر مستعمرتهم الاستيطانية ونظامها للفصل العنصري، وفضل اللاعبون العرب الانسحاب من الأولمبياد على مواجهة المستوطنين العنصريين، كما فعل لاعب الجودو الجزائري فتحي نورين واللاعب السوداني محمد عبد الرسول. وعلى الرغم من الإدانة العربية الشعبية لها ولبلدها، والتي تسعى جاهدة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وافقت لاعبة جودو سعودية على خوض المنافسة مع رياضية إسرائيلية، هُزِمت فيها اللاعبة السعودية شر هزيمة، مما أسعد المقاطعين العرب المناهضين لإسرائيل.
على الرغم من كل مظاهر الأبهة والعظمة المحيطة بشعار الصداقة بين الأمم، لم تزل الألعاب الأولمبية، ولا يمكنها إلا أن تكون، مناسبة للقومية الشوفينية. ويتجلى ذلك في حملات المقاطعة السياسية المتعددة للألعاب الأولمبية على مدى عقود

في طوكيو، تم الوقوف لحظة صمت خلال حفل الافتتاح لإحياء ذكرى الرياضيين الذين لقوا حتفهم خلال الألعاب الأولمبية السابقة. تمت الإشارة بشكل خاص إلى 11 رياضياً إسرائيلياً قتلوا في أولمبياد ميونيخ عام 1972، لكن لم يتم إحياء ذكر مئات المدنيين الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل انتقاما بعد أيام قليلة من أحداث ميونيخ عندما قصفت مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وسوريا. وكانت اللجنة الأولمبية الدولية قد رفضت في السابق إحياء ذكرى الرياضيين الإسرائيليين على الرغم من الحملة التي تقودها إسرائيل منذ عقود للضغط عليها.

وفي أولمبياد ريو دي جانيرو 2016، افتتحت اللجنة الأولمبية الدولية "موقع للحِداد" في القرية الأولمبية لإحياء ذكرى أولئك الذين لقوا حتفهم في الأولمبيادات السابقة. وقد تم نقل حَجَرين من مدينة "أولمبيا" التاريخية في اليونان داخل صناديق من زجاج إلى الموقع.

لكن عملية استيلاء الأوروبيين على اليونان التاريخية الواقعة في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط ونقلها إلى "أوروبا" مخترعَة ومتخيَلة حديثاً؛ ستواجه منافسة حثيثة، لا سيما عندما يتعلق الأمر بإحياء الألعاب الأولمبية وأيديولوجيا عبادة الجسد في القرن التاسع عشر.
عملية استيلاء الأوروبيين على اليونان التاريخية الواقعة في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط ونقلها إلى "أوروبا" مخترعَة ومتخيَلة حديثاً؛ ستواجه منافسة حثيثة، لا سيما عندما يتعلق الأمر بإحياء الألعاب الأولمبية وأيديولوجيا عبادة الجسد في القرن التاسع عشر

وقد كان القوميون اليونانيون هم المنافسون الرئيسون لأوروبا، حيث تحدت جهودهم، كي يتم إدراجهم على قدم المساواة في أوروبا التي تم اختراعها حديثاً، مزاعم أوروبا في أن الأوروبيين، وليس اليونانيين المعاصرين، هم الورثة والأحفاد الفعليون لليونان القديمة. كان التزام القومية اليونانية تجاه حركة عشق الإغريق الألمانية والأوروبية (أو "الفيلهيلينية") كبيراً لدرجة أنه كان للمشروع الجديد المتمثل في "إحياء" الألعاب الأولمبية القديمة نتائج عملية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. أما حقيقة أن مغتربين يونانيين وألمان وإنجليز وفرنسيين هم من تبنى هذا المشروع، فلم يكن من قبيل الصدفة بتاتاً.

كان باناجيوتيس سوستوس المولود في القسطنطينية (1806-1868) هو أول من دفع بضرورة إحياء "الألعاب الأولمبية"، إلا أن جهوده باءت بالفشل. وفي نفس الفترة، كان أوروبيون "فيلهيلينيون" يعيدون بالفعل إحياء فكرة الألعاب الأولمبية، في بريطانيا تحديداً، حيث أسس وليم بروكس في عام 1850 فئة مدينة وينلوك الأولمبية، من أجل "التحسين الأخلاقي والبدني والفكري" لسكان وينلوك في مقاطعة شروبشير. ومنذ تلك السنة التي قامت فيها الألعاب الأولمبية الأولى في مدينة وينلوك (والتي اشتملت على لعبة الكريكيت وكرة القدم ورمي القرص)، غدت الألعاب حدثاً سنوياً. وبينما كان سوستوس مهتماً بإحياء وإنشاء مشروع يوناني قومي، فإن المشروع الذي كان يدور في ذهن بروكس كان مشروعاً يؤكد بأقوى العبارات أن أوروبا هي وريثة اليونان القديمة، وليس اليونانيين المعاصرين فقط، منكرا على الأخيرين إمكانية انحدارهم من اليونانيين القدماء حصرياً، حيث ادعى بعض الأوروبيين بأنهم ليسوا سوى "صقالبة اعتنقوا المسيحية" وانتقلوا للعيش في اليونان في قرون لاحقة.

وكما يشرح ديفيد يونغ في كتابه الغني بالمعلومات عن تاريخ الألعاب الأولمبية الحديثة، أثارت مقترحات سوستوس اهتمام إيفانغيلوس زابّاس (1800-1865)، وكان أحد أغنى الرجال في أوروبا الشرقية في ذلك الوقت. ولد زابّاس في قرية لابوفو الألبانية وعاش بقية حياته في مقاطعة "إفلاق" (رومانيا فيما بعد). في عام 1856، اقترح زابّاس تمويل الألعاب الأولمبية في ما أسماه "أولمبياد زابّاس". ولم تكن الحكومة اليونانية متحمسة للألعاب الرياضية، وحاولت التأثير على زابّاس بأن الأولمبياد يجب أن يكون لمسابقات في السلع الصناعية والزراعية وتربية الحيوانات. لكن أخيراً، صدر مرسوم ملكي في عام 1858 بإقامة الألعاب الأولمبية في 25 آذار/ مارس 1859، تقام في أربعة أيام آحاد متتالية، يشمل يوم واحد منها أيضاً مسابقات رياضية.

وحين سمع بروكس بأنباء الألعاب الوشيكة أرسل رسائل إلى السفير البريطاني في أثينا تقترح إدراج أنواع معينة من الألعاب، وتبرع بالمال لتمويل إحدى الجوائز. وبعد عدة تأجيلات، عقدت اللجنة الأولمبية في أثينا الألعاب في تشرين الأول/ أكتوبر وتشرين الثاني/ نوفمبر 1859، وتضمنت مسابقات رياضية.

وكانت الألعاب ذات طابع قومي وتنافس فيها رياضيون يونانيون من داخل اليونان وخارجها. ولم يكن هنالك ما يشير إلى أنه يجب على المسابقات أن تكون أكثر من مهرجان قومي محلي.

في أعقاب أولمبياد أثينا، توسعت الحركة الأولمبية في بريطانيا مدفوعة من قبل بروكس، حيث أقيمت المزيد من الألعاب الأولمبية في شروبشير وليفربول. لم يكن ظهور حركة "مسيحية العضلات" في بريطانيا في نفس الفترة تقريباً من قبيل الصدفة، لا سيما أن أحد المروجين الرئيسين لها كان الكاهن الأنغليكاني تشارلز كينغزلي. فقد أضحت عبادة الجسد راسخة بشكل متزايد في أوروبا مع ظهور العلوم البيولوجية والعرقية، وكانت البروتستانتية مصممة أن يكون لها دور في ذلك. أصرت حركة "مسيحية العضلات" البروتستانتية على أن الرياضة والتمارين البدنية مفيدة لتنمية الصحة البدنية والروحية للرجال، بما في ذلك الأخلاق الحميدة.

وفي عام 1865، تم تأسيس الجمعية الأولمبية الوطنية البريطانية، والتي أقامت أول ألعاب أولمبية لها في لندن عام 1866، وفي العام التالي في برمنغهام. أما في اليونان نفسها، فلم تُقم دورة الألعاب الأولمبية الثانية حتى عام 1870. وكان زابّاس قبل وفاته في عام 1865 قد ترك ثروته بالكامل لدورة الألعاب الأولمبية اليونانية الحديثة.

واتبعت دورة عام 1870 سابقتها (دورة 1859) في اشتمالها على المسابقات الزراعية والصناعية. أما بالنسبة للألعاب الرياضية، فقد أتى الرياضيون اليونانيون من داخل اليونان وخارجها (أي من جميع أنحاء الإمبراطورية العثمانية: كريت، وقبرص، وآسيا الصغرى، وغيرها)، مشبعين تماماً بالقومية اليونانية الهلنستية، التي روجتها مملكة اليونان التي كانت تصبو للاستمرار بالتوسع الإقليمي وتزداد عدوانية. ولم يكن من المستغرب أن يكون مدرب الفرق الرياضية اليونانية ألمانياً. وقد أثار فوز العديد من الرجال اليونانيين من أبناء الطبقة العاملة حفيظة النخبة اليونانية التي وصفتهم بالهواة، وسعت إلى إقامة نظام تعليم رياضي في المدارس اليونانية من أجل تنمية نخبة رياضية. 

أصبحت توصيات النخبة هي القاعدة للألعاب الأولمبية اليونانية التالية التي أقيمت في عام 1875، والتي سمحت فقط لطلاب الجامعات بالمشاركة، لكن الألعاب باءت بفشل وإخفاق تام.

أقيمت دورة أثينا الرابعة للألعاب الأولمبية في عام 1888، حيث تم بناء مبنى جديد باسم "زابيون" تكريماً لزابّاس، الذي تم قطع رأسه عن جسده المدفون في رومانيا، وتم نقل الرأس ليدفن في الموقع في أثينا حيث لا يزال اليوم. رغم ذلك، لم تتضمن الألعاب أي مسابقات رياضية.

كان الهوس بعضلات الرجال وبالرياضة قد أصبح فعلياً جزءاً من نظامي التعليم الألماني والإنجليزي في القرن التاسع عشر، لدرجة أن الكثيرين نسبوا النصر الألماني على فرنسا في حرب عام 1871 إلى القوة العضلية المزعومة للجنود البروسيين وللضعف البدني لدى الجنود الفرنسيين. كان الضعف البدني مرتبطا بفكرة "الانحلال القومي"، وهي فكرة كانت اكتسبت قيمة علمية بشكل متزايد في أوروبا القرن التاسع عشر. وكما يوضح يونغ في كتابه، كان بروكس نفسه قد كتب مقالاً في عام 1888 عن عواقب إهمال فرنسا للتربية البدنية مقارنةً بتربية العضلات الألمانية. 

قام الفرنسي بيير دي كوبرتان، الذي كان مسكوناً بهاجس هزيمة فرنسا في حرب عام 1871، بتبني هذا الهوس البدني الذي سيطر على تفكيره حيث كرس جهوده لقضية التربية البدنية. أعلن دي كوبرتان (1863-1937)، متأثراً ببروكس، عن مشروعه لإقامة مسابقة دولية في دورة الألعاب الأولمبية التي سعى لإعادة إحيائها في تشرين الثاني/ نوفمبر 1892 باعتبارها ستخدم أيضاً قضية "السلام" بين الأمم. وقام بجولة في الولايات المتحدة وتلقى بعض الدعم هناك، ومن ثم أرسل رسائل بريدية عبر أوروبا ومستعمراتها الاستيطانية، بما في ذلك نيوزيلندا، لعقد مؤتمر رياضي دولي، أعيدت تسميته لاحقاً بمؤتمر باريس الدولي لإعادة تأسيس الألعاب الأولمبية، عقد في حزيران/يونيو 1894.

بالنسبة إلى دي كوبرتان، كما بالنسبة إلى بروكس، كانت الألعاب الأولمبية إرثاً أوروبياً، بل وإرثاً عالمياً، لا ينبغي تركها لليونانيين المعاصرين.

كان من المفترض أن يكون الموقع الأول للألعاب الأولمبية الدولية لعام 1896 هو لندن، لكن دي كوبرتان أصر على أثينا. تم بناء ملعب أولمبي في أثينا لهذه المناسبة، بتمويل من التاجر الثري جورج أفيروف. وأفيروف (1815-1899) كان قد وُلد في منطقة "الإفلاق"، أي نفس المنطقة الألبانية التي جاء منها زابّاس، لكنه كان يعيش ويعمل في مصر.
لم تعد الألعاب الأولمبية إلى أثينا مرة أخرى حتى عام 2004، ولكن في غضون ذلك، تمأسست الألعاب على مستوى العالم باعتبارها إرثاً وطنياً يونانياً ذكورياً (كان جميع الرياضيين في ذلك الوقت رجالاً)، والأهم من ذلك بأنها إرث أوروبي يمتلكه الذكور البيض، وَجَب تدويله في جميع أنحاء أوروبا ومستعمراتها الاستيطانية البيضاء

بلغ عدد المشاركين في أولمبياد أثينا لعام 1896 حوالي 280 رياضياً من 14 دولة أوروبية (بريطانيا وألمانيا وفرنسا والسويد وبلغاريا والدنمارك وإيطاليا والنمسا والمجر وسويسرا) والمستعمرات الاستيطانية الأوروبية (الولايات المتحدة وتشيلي وأستراليا). من الواضح أن جميع هذه البلدان ورياضييها كانوا يرون أنفسهم ورثة الإغريق القدماء.

افتتحت الألعاب يوم عيد الفصح المسيحي الموافق يوم الاثنين، 25 آذار/مارس 1896، والذي صادف أيضاً عيد الاستقلال (كما أراد زابّاس) وفقاً للتقويم اليوناني، لتمثل قيامة المسيح وقيامة اليونان القديمة والألعاب الأولمبية على التوالي في ذلك اليوم. على الرغم من الطابع الأوروبي الأبيض الحصري للألعاب، فقد تميزت الاحتفالات الافتتاحية للألعاب بالعظمة القومية اليونانية، حيث افتتح ملك اليونان جورج، وكان دنماركي الأصل والمولد، الألعاب بخطاب على المستوى الوطني معلناً: "يحيا الوطن! يعيش الشعب اليوناني!".

لم تعد الألعاب الأولمبية إلى أثينا مرة أخرى حتى عام 2004، ولكن في غضون ذلك، تمأسست الألعاب على مستوى العالم باعتبارها إرثاً وطنياً يونانياً ذكورياً (كان جميع الرياضيين في ذلك الوقت رجالاً)، والأهم من ذلك بأنها إرث أوروبي يمتلكه الذكور البيض، وَجَب تدويله في جميع أنحاء أوروبا ومستعمراتها الاستيطانية البيضاء.

تبنى الصهاينة، الذين أرادوا أيضاً تحويل اليهود الأوروبيين إلى مستوطنين استعماريين بيض في فلسطين، عبادة الجسد الذكوري كعقيدة. ففي وقت مبكر من عام 1898 خلال انعقاد المؤتمر الصهيوني الثاني، اقترح الزعيم الصهيوني ماكس نورداو (1849-1923) إقامة جمعيات ونواد رياضية صهيونية لتقوية وتعضيل أجساد الذكور اليهود "المنحلة" تحضيراً لاستعمار فلسطين. أعلن نورداو أن "كل ما نفتقر إليه هو العضلات، ويمكن تنمية ذلك من خلال استخدام التمارين البدنية.. كلما أنجز اليهود أكثر في مختلف فروع الرياضة، زادت ثقتهم بأنفسهم واحترامهم لذاتهم".

وبعد شهرين من تقديم نورداو مقترحاته حول "يهودية العضلات"، محاكياً "مسيحية العضلات"، تم إنشاء نواد رياضية تحت مسمى نواد "بار كوخبا" في برلين وبعد فترة وجيزة في جميع أنحاء أوروبا، لتعضيل أجساد الذكور اليهود من أجل المشروع الصهيوني الاستيطاني. في عام 1903، أثناء المؤتمر الصهيوني الرابع، تم وضع الخطط لتأسيس اتحاد للنوادي الرياضية اليهودية لتوحيدها، والتي أصبحت تعرف باسم اتحاد "مكابي".

كان نورداو هو المؤلف المشهور لكتاب "الانحلال" الصادر في عام 1891، وكان مهووساً بخطر الانحلال الجسدي ليهود أوروبا. 

في عام 1921، اقترح المستوطن اليهودي جوزيف ييكوتيلي، المولود عام 1897 في بيلاروسيا (وكان قد وصل مع عائلته عام 1909 لاستعمار فلسطين)، فكرة إقامة "الألعاب الأولمبية اليهودية" الانفصالية عرقياً كل أربع سنوات، وتمت الموافقة عليها من قبل اللجنة الأولمبية الدولية. وقام ييكوتيلي بتقديم الخطة لمؤتمر "مكابي" العالمي الذي عقد في أوسترافا، تشيكوسلوفاكيا، في عام 1929، ووافق عليها المؤتمر على الفور.

وأقيمت أول "مكابيا"، وهي التسمية الصهيونية للألعاب، في فلسطين عام 1932، في مستعمرة تل أبيب اليهودية، بمشاركة يهودية حصرية من 23 دولة تضم 500 رياضي. وكان المستعمرون اليهود في حينه يدافعون عن نظام الفصل العنصري الاستعماري الخاص بهم بطريقة صارمة، كما تفعل إسرائيل اليوم.
مع بعض الاستثناءات الرئيسة، يواصل الأوروبيون ومستعمراتهم الاستيطانية حصد معظم الميداليات الأولمبية، على الرغم من أن الصين أصبحت منافساً غير أوروبي يهددهم، مما أثار الغيرة والاستياء المطلقين

وفي عام 1933، تم تشكيل لجنة أولمبية قومية من قبل المستوطنين لتمثيل اليهود فقط، واستبعاد الفلسطينيين العرب من أهل البلاد، لكنهم لم يتنافسوا في الألعاب الأولمبية حتى عام 1952، بعد إنشاء المستعمرة الاستيطانية اليهودية. وفي عام 1994، انضمت إسرائيل وأصبحت عضواً في اللجان الأولمبية الأوروبية.

لم تحصل كل من إسرائيل واليونان على أكثر من أربع ميداليات في أولمبياد طوكيو، على الرغم من أن اليونانيين احتلوا مرتبة أعلى من الإسرائيليين في النهاية. ومع بعض الاستثناءات الرئيسة، يواصل الأوروبيون ومستعمراتهم الاستيطانية حصد معظم الميداليات الأولمبية، على الرغم من أن الصين أصبحت منافساً غير أوروبي يهددهم، مما أثار الغيرة والاستياء المطلقين من صحيفة نيويورك تايمز، التي هاجمت بشدة الإنجاز الأولمبي الصيني، معبرة عن حسد مقزز تجاوز حسد الولايات المتحدة التاريخي للإنجازات السوفييتية.

وما يجعل حشد مثل هذه المشاعر الخسيسة مستمرا هو الإصرار على استيلاء العنصريين البيض على الإرث الإغريقي باعتباره استحقاقاً حصرياً للأوروبيين البيض، والذي يمكن مشاركته ولكن بالتأكيد لا يمكن استملاكه من قبل العالم غير الأوروبي.
التعليقات (1)
همام الحارث
الثلاثاء، 17-08-2021 05:45 ص
أرجو أن تسمحوا لي بالنظر للموضوع من زاوية أخرى لعلها تكون مفيدة في بناء علاقات جيدة بين "الشعوب" العربية و "الشعب" اليوناني بما يخدم مصلحة الطرفين . أنا كعربي من ضمن من اختلطوا بأهل اليونان خارج اليونان ، أي في بلاد الغربة لكلينا ، و لقد لاحظت أن بيننا و بينهم قواسم و رؤى مشتركة و عادات متقاربة فضلاً عن التشابه بالأشكال و بالألوان إلى درجة أن اليوناني الذي يلتقي بي لأول مرة كان يظنني من قومه و كنت بالمقابل أظن هذا اليوناني من قومنا . هذا بالطبع مفتاح ألفة و تقارب ناهيك عن أمور مساعدة في موضوع الأكلات " مثل تلك المعتمدة على زيت الزيتون ، خبز الكماج ، جبن الحلوم ، الحلويات المتنوعة ". رغم وجود الفرص الهائلة للتقارب بيننا و بين اليونانيين ، إلا أن دخول أوروبا الغربية على الخط من خلال وضع اليد على اليونان بما اسميه "الابتلاع الثقافي" و سياسياً و اقتصادياً و عسكرياً ... الخ كان لجهة الاستفادة من قربها الجغرافي من بلادنا لأغراض استعمارية . إنهم لم يضموا اليونان لحلف الناتو بسبب عضلات شبابها و لم يدخلوها للاتحاد الأوروبي بسبب كفاءة استثنائية من زاوية الاقتصاد و معلوم أن اليونان كادت أن تفلس قبل بضع سنوات . لقد أريد لليونان أن تكون جبهة متقدمة إضافية في مواجهة طموحات شعوبنا العربية بالحرية و العدالة و الكرامة. كانت فرنسا و بريطانيا و ألمانيا – قبل الاحتلال الأمريكي لها – أكثر البلدان طمعاً في تسخير اليونان لهذا الغرض . حديثاً ، قامت أمريكا بتواجد أوسع في اليونان و كانت رسالتها واضحة للأوروبيين : أنا القائد الأعلى صاحب الأمر و النهي ، موجود كما أريد و بمن أريد "أي أحضر لليونان ما أشاء من آليات و عساكر من بلدان عميلة لي " . لا يستطيع السياسيون في اليونان ، و لا في أوروبا كلها ، ضبط الحضور المتدفق من بلاد العم سام و أذنابها و حقيقة الأمر أنه لا يوجد سياسي أوروبي شجاع في منصب سلطوي يستطيع الاعتراض على القائد الأعلى بمن فيهم متعنتر فرنسا "ماكرون" !! إذا تحررت اليونان من احتلالها الحالي و صار لديها استقلال فعلي ، فيمكن حينئذ بناء علاقات جيدة بيننا و بينهم ، مع ملاحظة أن روسيا – الباحثة عن توسع - تأثيرها صفر على الساحة اليونانية رغم أن شعبيهما أرثوذكس .