هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بعد القرارات الأخيرة التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد أصبحت تونس أمام سيناريوهين أو خيارين لا ثالث لهما: إما الانزلاق نحو النموذج المصري أو النجاة عبر النموذج التركي، ولا يوجد شكل ثالث لمآلات ما يجري اليوم في تونس.
القرارات التي اتخذها الرئيس قيس سعيد تشكل في مضمونها النهائي استيلاءه بشكل كامل على السلطات الثلاث في تونس والانفراد بحكم البلاد على طريقة زين العابدين بن علي تماماً، إذ أن القرارات ستؤدي به الى الاستيلاء على الحكومة (السلطة التنفيذية) وتعطيل البرلمان (السلطة التشريعية والجهة الرقابية) والتدخل في القضاء الذي يتوجب أن يكون مستقلاً لحماية حقوق الناس وهذا التدخل سيتم عبر الاستيلاء على منصب النائب العام.
إذا نجح سعيّد في تمرير هذه القرارات وأصبحت فاعلة حقاً فهذا يعني أن انقلاباً مكتمل الأركان نجح في تونس وهو انقلاب أشبه بالنموذج المصري (عام 2013)، وعليه فان على التونسيين الاستعداد للعودة الى حكم الفرد الواحد حكماً مطلقاً ومن ثم سيبدأ الفرد بتصفية خصومه واحداً تلو الآخر، ثم يبدأ بتصفية مؤيديه في المرحلة الثانية لضمان أن لا يظل في طريقه أي طامع في السلطة أو المشاركة في الحكم.
السيناريو الثاني هو النموذج التركي، وفيه نجح المواطنون ومعهم فريق من الجيش وقوات الأمن والموظفون العموميون في التصدي للإنقلاب وألقوا بالمجرمين المتمردين في السجون عقاباً لهم على محاولة الانقلاب التي تخللها قتل مئات المواطنين الأتراك في الشارع ودون وجه حق خلال ساعات قليلة من محاولة الانقلاب الفاشلة.
لا يوجد أمام تونس اليوم أي احتمال ثالث، ومن يعتقد أنها استثناء فهو واهم وسوف تثبت له الأيام القادمة ذلك، وما يجري في تونس اليوم يؤكد بأن موجة الثورات المضادة لم تتوقف حتى الان، وأن الخاسرين من ثورات الربيع العربي لا زالوا يمارسون العبث بهذه الثورات ويحاولون إفساد ما تم تحقيقه في مشوار التحرر والانفتاح.
إذا نجح الانقلاب في تونس، واستقرت السلطات الثلاث في يد الرئيس فهذا يعني أن البلاد ستعود الى عهد ما قبل ثورة 2011، وربما تشهد حملة بوليسية لتقييد الحريات كتلك التي شنها بن علي في بداية تسعينيات القرن الماضي من أجل تثبيت حكمه، وبفضلها حكم تونس لثلاثة عقود مستمداً شرعيته وبقاءه من خوف الناس وإرعابهم والبطش بهم.
تونس اليوم أمام مفترق طريق صعب، ووصفة الانقلاب الحالي قريبة جداً من الوصفة التي تم تنفيذها في مصر خلال العامين 2012 و2013، حيث تم تأزيم الأوضاع الصحية والمعيشية والاقتصادية في البلاد بالتزامن مع حملات تحريض ممنهضة ضد الطبقة الحاكمة المنتخبة، تمهيداً لظهور الرئيس قيس سعيد بمظهر المنقذ والمخلّص للبلاد، وهو ذاته ما حدث في مصر عندما قيل للناس بأن الاخوان هم سبب الفقر والجريمة والمشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وأن الخلاص منهنم سوف يؤدي بالبلاد للخروج من النار الى الجنة.. وهاهم المصريون ينتظرون منذ سبع سنين الجنة التي وعدوا بها.