هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
وقف اللاجئ السوري ضياء الحريري للحظات ينظر في شاشة هاتفه ويعيد قراءة الرسالة التي وصلته من برنامج الأغذية العالمي، والتي تتضمن اعتذارا عن عدم شموله في برنامج المساعدات الغذائية الخاصة بملفه اعتبارا من يوليو/تموز المقبل، حاله حال زميله بالعمل، الذي تفاجأ هو الآخر برسالة مماثلة.
يعمل ضياء – 32 سنة متزوج ولديه طفلان- كمتطوع مع إحدى المنظمات الدولية العاملة في الأردن، بأجر شهري لا يتجاوز 493 دولارا والذي يقتطع منه 211 دولارا لإيجار منزله.
شكلت تلك الرسالة صدمة للحريري في ذلك اليوم، خاصة أنها جاءت بعد قرارٍ وصله بتخفيض راتبه، يتساءل في حديث لـ "عربي21"، "أين المنطق أزمة كورونا وتخفيض رواتب، وضغط ومنظمة الأغذية توقف المساعدات في هذا الظرف؟".
كان الحريري يتلقى ما قيمته 84 دولارا شهريا من منظمة الأغذية العالمية، والتي يعتبرها جزءا أساسيا من دخله الشهري، إذ يستطيع تأمين احتياجات أطفاله من حليب وغيرها من خلال هذه المساعدة.
يقول إنه يضطر للاستدانة من أقارب له أو أصدقاء خارج الأردن، ليتمكن من تسديد التزاماته الشهرية، التي تتجاوز أحيانا 500 دينار؛ معتبرا أن قطع المساعدة سيشكل عبئا إضافيا.
أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة الخميس، أن 21 ألف لاجئ سوري لن يتلقوا مساعداتهم الغذائية الشهرية اعتبارًا من يوليو/تموز بسبب نقص التمويل الذي أجبر البرنامج على إعطاء الأولوية للأكثر احتياجًا.
دفعٌ للعودة إلى سوريا
جاء قرار قطع المساعدات بعد أيام من فوز بشار الأسد بولاية رئاسية جديدة، وهو ما اعتبره الحريري بمثابة "ضغط على السوريين في الأردن للعودة إلى سوريا، خاصة أن آثار جائحة كورونا ما زالت تعصف بهم ولن يتمكنوا من الصمود". على حد قوله.
ويقول إن "قطع المساعدات بعد يومين من الانتخابات الرئاسية السورية هي إيعاز للاجئين بالعودة"، وهو ما يشدد عليه محمد –الذي رفض الكشف عن اسمه الكامل في حال قرر العودة- الذي يصف قطع المساعدات بأنها "سياسة تجويع للاجئ لإجباره على العودة الطوعية".
ويضيف محمد -49 عاما ويعيش في عمان- أنه لا يفكر بالعودة في الوقت الحالي لكنه لا يعرف إلى أي مدى سيتمكن من الصمود في ظل قلة فرص العمل، وقطع المساعدة الشهرية والتي كانت 75 دينارا وتمثل له دخلا أساسيا.
رسائل تخفيض
ووصلت عائلات أخرى رسائل تفيد بتخفيض قيمة المساعدة الشهرية من 32 دولارا إلى 21 دولارا للفرد الواحد اعتبارا من شهر تموز/يوليو المقبل، وهو ما يشكل عبئا ماديا على بعض العائلات رغم عدم قطع المساعدة.
أما أمل حجازي، 53 عاما، أمٌ أردنية لعائلة سورية مكونة من ستة أفراد مقيمة في مدينة إربد، فقد وصلتها رسالة من برنامج الأغذية العالمي باستمرار تقديم المساعدة الشهرية، لكن بعد تخفيضها لتصبح 176 دولارا بدلا من 227 دولارا في الشهر الواحد.
وتقول حجازي، إنها المعيلة الوحيدة لأسرتها، بعد انفصالها عن زوجها السوري منذ ست سنوات، وتعتمد بشكل أساسي على المساعدة الشهرية من منظمة الأغذية العالمية، إضافة لراتب عملها في مصنع، الذي تتقاضاه حسب إنتاجها.
وتتساءل حجازي في حديث لـ "عربي21"، عن عدد الوجبات التي ستتمكن من تقديمها لعائلتها الشهر المقبل، بعد أن كانوا يأكلون وجبة واحدة في اليوم، وهو ما يضعها في "حيرة من أمرها"، حسب قولها.
ويرى الناشط المجتمعي السوري، سامر عدنان، أن "آثار القرار ستظهر بعد أشهر، وسينعكس ذلك على حياة اللاجئين بشكل كبير، خاصة وأن أزمة كورونا لم تنته بعد".
ويضيف عدنان لـ "عربي21"، أن "القطع سيشكل عبئا على الجمعيات والمبادرات التطوعية، ويستدعي العمل من الآن لتفادي آثار القطع والتخفيض"، مشيرا إلى البدء بالتحضير للمرحلة المقبلة.
ويأمل عدنان أن تكون هناك استجابة سريعة من الدول المانحة، خاصة أن هناك آخرين مهددون بالقطع في أيلول/سبتمبر المقبل، في حال لم تتمكن منظمة الأغذية من الحصول على التمويل الكافي.
64 بالمئة يعيشون على الحافة
وجاء في بيان لبرنامج الأغذية العالمي، الخميس الماضي، أنّ عدد اللاجئين في الأردن الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي قد تضاعف خلال العام الماضي ليصل إلى 25 في المئة، اثنان من كل ثلاثة لاجئين – أي ما يعادل 64 في المئة - يعيشون على حافة انعدام الأمن الغذائي.
وأضاف أن قطع المساعدات جاء في أسوأ الأوقات بالنسبة للعائلات حيث يكافح الكثيرون لكسب المال أو فقدوا وظائفهم بسبب جائحة كوفيد-19، إذ كشف استقصاء أجراه البرنامج مؤخراً أن 68 بالمائة من اللاجئين انخفض دخلهم منذ بداية الجائحة.
وقال المدير القطري والممثل المقيم لبرنامج الأغذية العالمي في الأردن ألبرتو كوريا مينديز: "في حال لم نتلق المزيد من التمويل قد نجد أنفسنا مجبرين على قطع المساعدات الغذائية عن ربع مليون لاجئ آخرين يقيمون خارج المخيمات نهاية شهر سبتمبر /أيلول المقبل".
بدورها، قالت مسؤولة قسم الإعلام في برنامج الأغذية العالمي في عمان، دارا المصري، أن البرنامج يعمل مع "الدول المانحة والحكومة الأردنية للحصول على تمويل بقيمة 58 مليون دولار أمريكي، لإعادة المساعدة لآلاف الأسر السورية اللاجئة التي قُطعت عنها".
مضيفة لـ"عربي21"، "لا علاقة لقطع المساعدات في ملف العودة إلى سوريا، الأمر متعلق فقط بنقص التمويل وتوجيه الدعم للأسر الأكثر احتياجا، برنامج الاغذية العالمي مطلع على أوضاع اللاجئين ويعرف صعوبتها".
يشار إلى أن عدد اللاجئين السوريين المسجلين لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالأردن، بلغ 666,692 ألفا، بينهم 128,579 ألفا داخل المخيمات، بينما تقول إحصائيات حكومية إن 1.3 مليون سوري يعيشون على أرض المملكة.