هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قبل كل شيء يسجل لـ"موسم" الانتخابات الرئاسية في سوريا أنها جعلتنا نعرف اسم رئيس مجلس الشعب، حمودة الصباغ الذي لم تستطع حتى وكالات الأنباء العالمية تجاهله.
والحال أن الصفحة المخصصة للرجل في موقع ويكبيديا يخبرنا بمساره الصاعد في مراتب الحزب والدولة الأسديين، وصولاً إلى موقعه الحالي، في مؤشر لا تخطئه العين إلى إخلاصه الشديد للنظام منذ مطلع الثمانينيات حين كان عضو قيادة رابطة شبيبة الحسكة، وإلى الخدمات الخفية التي يحتمل أنه قدمها للأجهزة المختصة.
وتدرج الرجل بعد ذلك في مراتب الحزب وصولاً إلى قيادته القطرية ولجنته المركزية، وفي الدولة وصولاً إلى رئاسة مجلس الشعب. وفي مطلع العام 2019، اتهم الحملات الانتقادية للحكومة بسبب تردي مستوى الخدمات العامة أو انعدامها بأنها "تدار من الخارج" فتلقى انتقادات حادة من الرأي العام الموالي بصدر رحب عربوناً لتفانيه في الإخلاص للنظام.
حمودة الصباغ هذا أعلن، إذن، عن وصول ستة طلبات ترشيح إلى رئاسة مجلس الشعب للنظر في صلاحيتها قبل إقرارها، بينها طلب من بشار الأسد الذي تأخر عن زملائه الراغبين في المنصب ليرفع من منسوب التشويق لدى الرأي العام. وهو تشويق متلف للأعصاب في البيئة الموالية التي ترى فيه المنقذ.
ماذا لو استنكف عن ترشيح نفسه؟ ما هو مصير البلد إذا خيب آمال عشاقه واكتفى بالسنوات الواحدة والعشرين التي أمضاها في تحمل العبء الصعب؟ في وقت تصحرت فيه سوريا ولم يبق لبشار أي بديل قادر على حمل عبء المسؤولية؟
بشار الأسد قد حقق ثورةً كوبرنيكية في سوريا التي حولها إلى خرابة، وتغييراً ديموغرافياً ثورياً تخلص بموجبه من السكان الفائضين عن الحاجة
إذن تنفس الموالون الصعداء لأن بشاراً لم يتخل عنهم وعن سوريا في هذا المنعطف المصيري، ووافق على الاستمرار في إنقاذ البلد إلى الأبد. أما فوزه في الانتخابات المتوقع إجراؤها بعد نحو شهر من الآن فهو مضمون بالنظر إلى شعبيته الجارفة وإنجازاته التاريخية في العقدين المنصرمين، كما بالنظر إلى منافسيه المحتملين الذين لا يعرفهم أحد. لذلك فلا خشية على مستقبل سوريا ما دام بشار يرتضي الاستمرار في حكمها.
ولكن، ما دام الأمر كذلك، لماذا إذن كل تلك الاشتراطات في الترشح لرئاسة الجمهورية؟ ما المغزى من اشتراط حصول طالب الترشح على تزكية 35 من أعضاء مجلس الشعب؟ لا بد أن سبب ذلك هو تعزيز الحيثية التمثيلية للمرشح وتقوية حظوظه في «السباق الرئاسي». وما معنى اشتراط أن يثبت المرشح أنه كان مقيماً بصورة متواصلة في سوريا طوال السنوات العشر السابقة على ترشحه؟ هل ثمة خشية من أن يرشح سوري «من الخارج» نفسه للرئاسة؟ وماذا لو فعل؟ فهو لن يحظى بتزكية 35 من أعضاء مجلس الشعب على أي حال. أي أن أحد الشرطين السابقين كاف لوحده لقطع الطريق على أي ترشيح غير مرغوب فيه. وضع الشرطين معاً يشبه أن يهرب المرء من المطر إلى داخل البيت ويفتح مظلته أيضاً، فلا شيء يضمن ألا يتسرب المطر من خلال السقف الأسمنتي، على رغم وجود عدة طوابق فوق البيت.
أضف إلى ذلك أنه حتى النازحين السوريين في «لبنان الشقيق» سيحظون بممارسة حقهم الانتخابي، كما رأينا في الانتخابات السابقة في العام 2014، هذا لكي لا نتحدث عن ملايين الناخبين الذين سيصوتون لبشار داخل مناطق سيطرة النظام. فلا خشية عليه من التعثر في السباق في جميع الأحوال.
ما يثير الاستغراب إنما هو كل تلك الاحتياطات المتخذة لضمان فوزه على رغم أنه مضمون. ترى هل الغاية من ذلك هي إثارة التشويق ليقال إن هناك تنافساً حاداً بين المرشحين، الأمر الذي يعني إضفاء كساء ديمقراطي على عملية لا علاقة لها بإرادات الناخبين؟ أي اكتساب شرعية ديمقراطية تضاف إلى شرعيته الشعبية والثورية؟ (فالرجل قد حقق ثورةً كوبرنيكية في سوريا التي حولها إلى خرابة وتغييراً ديموغرافياً ثورياً تخلص بموجبه من السكان الفائضين عن الحاجة).
لا غرابة في كل ما سبق، فهذا هو نظام الأسد كما يعرفه العالم ويقبل به، بل يعمل لإنعاشه من غيبوبة الموت. لكن هذه الانتخابات المفعمة بالتفاصيل السوريالية التي أشرنا إلى بعضها فقط، تعني أيضاً أن النظام يمد لسانه ليس فقط للسوريين الذين اكتووا بناره، بل أيضاً للمجتمع الدولي، فيقول لهما: هذا أنا وليس لديكم خيار آخر غير القبول بي كما أنا. لتبلوا قرارات مجلس أمنكم وتشربوا ماءها.
* كاتب سوري