قضايا وآراء

لابورتا رئيساً لبرشلونة.. أكثر من مجرد انتخابات

ماجد عزام
1300x600
1300x600
لم تكن انتخابات عادية تلك التي أجراها نادي برشلونة الأحد الماضي وأسفرت عن فوز الرئيس السابق خوان لابورتا بالرئاسة مرة أخرى، بنتيجة ساحقة على منافسيه، بعدما حصد نسبة تلامس حدود الستين في المائة، وهي نسبة معتبرة وكبيرة بالمعايير الديمقراطية في الرياضة والسياسة على حد سواء.

اكتسبت الانتخابات أهميتها؛ ليس فقط من انتشار جائحة كورونا وما تركته من آثار رياضية واقتصادية على النادي والرياضة وكافة مناحي الحياة، أو من طريقة رحيل الرئيس السابق جوسيب بارتوميو الذي اضطر إلى تقديم استقالته بعد فضيحة بل فضائح إدارية ورياضية، وإنما من تأثيرها الحاسم على هوية وإرث النادي العريق الذي كان تاريخياً أكثر من مجرد فريق لكرة القدم، والتي كانت دوماً أكثر من مجرد لعبة في إسبانيا والعالم على حد سواء.

اضطر بارتوميو إلى تقديم استقالته الخريف الماضي بعد توقيع غالبية أعضاء الجمعية العمومية على عريضة تطالبه بالتنحي وإجراء انتخابات مبكرة، وتسليم النادي إلى لجنة إدارية مؤقتة اضطرت بدورها إلى تأجيل الانتخابات أكثر من مرة؛ نتيجة جائحة كورونا وأجواء الإغلاق التي عمّت إسبانيا وأوروبا والعالم بسببها.

كان بارتوميو قد تعرض لحملة انتقادات واسعة إثر الخسارة المذلّة لبرشلونة أمام بايرن ميونيخ بدوري الأبطال الأوروبي الصيف الماضي، كما المشاكل الرياضية والإدارية والمالية التي عصفت بالنادي وعجزه عن الفوز بأي بطولة العام الماضي، كما عن تحقيق "البطولة الأهم"، دوري الأبطال، لخمس سنوات بعد هزيمتين مذلّتين أمام روما وليفربول ثم واقعة البايرن التاريخية.

وأخيراً جاءت مشكلته مع أسطورة الفريق ليونيل ميسي ونية هذا الأخير المغادرة، قبل أن يتراجع احتراماً للنادي - عشق عمره - علماً أن بارتوميو كان قد نكث بوعده بإعطاء الحرية لميسي للمغادرة إذا ما أراد في نهاية الموسم.

عموماً، فإن القرار الشجاع وحسّ الزعامة والقيادة وحتى مصلحة النادي الاستراتيجية كانت تقتضي السماح لميسي بالمغادرة وتوفير راتبه الكبير، وحتى بيعه بثمن معقول - مانشستر سيتي استعد لدفع 50 مليون يورو - ثم الشروع في بناء فريق جديد بدونه، وهي المهمة التي أوكلت للمدرب الهولندي الجديد رونالد كومان الذي يحمل "دي أن إيه" النادي، وكان يفضّل بالتأكيد تأسيس مشروع جديد بدون النجوم الكبار الثلاثينيين بمن فيهم ميسي نفسه.

أما الأسوأ ربما في زمن باترتوميو فتمثل بفقدان هوية النادي الرياضية وأسلوبه الممتع مع اضطرار المدرب السابق أرنستو فالفردي، وحتى الحالي كومان للتأقلم وتغيير نمط أداء الفريق الهجومي الجميل والمعتاد، مع افتقاد الفريق إلى لاعبين جدد مميزين واحتياج الشباب الصاعدين إلى الوقت للتأقلم وامتلاك الخبرات اللازمة.

الإدارة الرياضية للنادي زمن بارتوميو ضمّت مستجدين وهواة، ورفضت استقدام النرويجي إيرلنغ هالاند والفرنسي كيليان مبابي والكندي ألفونسو ديفيد رغم عرضهم على النادي بأسعار مناسبة جداً وواقعية، وجلبت بدلاً منهم الغاني برنس بواتينغ والإسباني جونيور فيربو والفرنسي عثمان ديمبلي الذي اتضح أن شخصيته لا تتناسب أبداً مع البرشا، وربما حتى مع الأندية الكبيرة بشكل عام.

هذا الأسوأ، أما أبشع ما فعله بارتوميو فكان تدمير مدرسة الكرة التاريخية الشهيرة للنادي "لاميسا" التي كان ميسي نفسه أحد خريجيها، إضافة إلى زملائه من الجيل التاريخي: تشافي هرنانديز واندرياس إنيستا وجيرارد بيكيه وبيدرو رودريغز وفيكتور فالديز وسيسك فابريغاس. وخلال أربع سنوات تقريباً لم يحجز أحد من خريجي المدرسة مكانه في الفريق الأول، باستثناء الظهير ولاعب الوسط سيرجيو روبرتو، بينما غادرها لاعبون أصبحوا نجوماً في أندية أخرى.

يارتوميو كان محظوظاً أصلاً في الوصول إلى رئاسة النادي، حيث كان نائباً للرئيس ساندرو روسيل الذي اضطر إلى الاستقالة (2014) على خلفية فضيحة فساد ورشاوى مالية، فتولّى بارتوميو الرئاسة مؤقتاً ثم فاز بانتخابات 2015 بعد الثلاثية التاريخية للنادي، والتي تحققت أساساً بفضل الفريق الذي بناه الرئيس لابورتا، ما يعيدنا إلى انتخابات 2010 التي خسر فيها هذا الأخير أمام روسيل.

في تلك الانتخابات كان لابورتا قد أمضى عقدا تقريباً في رئاسة النادي حقق خلالها كل شيء، وجسّد هويته مع الأسطورة الهولندي يوهان كرويف كمستشار فني ومواطنه فرانك رايكارد كمدرب، مع استقدام البرازيلي رونالدينيو والكاميروني صامويل إيتو والفرنسي تييري هنري، ثم تسلّم بيب جراديولا الإدارة الفنية، والأهم كان بناء مدرسة لاميسا التي أدارها بيب نفسه قبل أن يتسلّم الفريق الأول وخرّجت جيل العمالقة الذي حقق ثلاثيتين تاريخيتين.

في تلك الانتخابات وقف كرويف إلى جانب لابورتا بقوة دفاعاً عن إرث وهوية النادي، ولذلك أصرّ على التعاقد مع جوارديولا رغم أنه كان في بداية طريقه التدريبي، ورفض التعاقد مع البرتغالي جوزيه مورينيو - كان عمل في النادي كمترجم مع السير بوبي روبسون نهاية تسعينيات القرن الماضي - كي لا يدمّر إرث وهوية النادي وما بُنِي خلال عقود، حسب التعبير الحرفي للأسطورة الهولندي.

لكن كما في أي بيئة ديمقراطية، اختار الأعضاء التغيير وضخّ دماء جديدة وربما تأثّروا بالحملة الانتخابية الجذابة للشاب روسيل، رغم تحذير كرويف من خطر تدميره للمدرسة والنادي نفسه.

للأسف تحققت نبوءة كرويف، حيث أساء روسيل لسمعة النادي ثم تكفّل بارتوميو بتدمير ما تبقّى إدارياً ومالياً ورياضياً.

بناء على ما سبق كله كانت الانتخابات الأخيرة في الحقيقة استفتاء على هوية وإرث النادي، وحسم أعضاء الجمعية العمومية كان جلياً ولافتاً بمن فيهم ميسي ورفاقه من أهم نجوم الفريق.

أما برنامج الرئيس لابورتا فجاء شاملاً، وتضمن أبعادا اقتصادية وإدارية ورياضية، الأهم ربما امتلاك خطة مالية للتعافي بموازاة الخروج من جائحة كورونا بعد شهور وعلى أعتاب الموسم الجديد، وتشكيل إدارة رياضية محترفة سيقودها مبدئياً المحترف والمخضرم ماتيو أليماني، على أن تضم ثلّة من أبناء النادي الأصليين الذين تم إبعادهم خلال السنوات الماضية، مثل كارلوس بويول وفيكتور فالديز ومارك أوفر مارس وجوردي كرويف وصامويل إيتو وآخرين، وقد يبقى ميسي عاماً آخر، وستكون بالتأكيد أدواراً مهمة في المستقبل لجوارديولا وتشافي وأنيستا في المستقبل على الصعيدين الاستشاري والفني.

الأسطورة مانويل جوزيه، المدرب التاريخي للأهلي المصري، كان قد قال قال بعد الانتخابات الأخيرة (2017) إن النادي العريق قد عاد إلى أبنائه الأصليين، وهذا ببساطة ما يمكن قوله باختصار وبلاغة عن الانتخابات الأخيرة في برشلونة، وعودة لابورتا صانع أو أحد صنّاع المجد في القرن الحديد، مع الانتباه إلى أداء الفريق الرائع والجميل أمام باريس سان جيرمان ليلة الأربعاء/ الخميس - رغم التعادل غير المستحق - يقدم فكرة أو لمحة واضحة عن هوية وصورة النادي في العهد الجديد.
التعليقات (0)

خبر عاجل