هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نجحت السلطات الانتقالية بالسودان في اعتماد التشكيلة الوزارية الجديدة، بعد مشاورات شاقة مع الحركات المسلحة، التي انضمت أيضا للحكومة ضمن اتفاق جوبا للسلام، وقال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك؛ إنها "تمثل أعرض تحالف سياسي، له القدرة على إنقاذ البلاد، ووضع اللبنات الأساسية، لتجنب شرور الانهيار".
واستقبل الشارع السوداني التشكيلة الحكومية الجديدة
باحتجاجات في ثلاث ولايات، ضد الأوضاع المعيشية والاقتصادية المتدهورة، وأعلنت
السلطات حظر التجوال بمدينة نيالا بمركز ولاية جنوب دارفور، إلى جانب إعلان حالة
الطوارئ في جميع أنحاء ولاية شمال دارفور، إضافة إلى إغلاق أسواق الأبيض في مركز
ولاية شمال كردفان.
وتطرح التشكيلة الوزارية الجديدة وانضمام الحركات المسلحة
لها، تساؤلات حول قدرتها على معالجة الأوضاع السودانية الصعبة، والتحديات التي قد
تواجهها في الفترة المقبلة، وإمكانية إنجازها للمهام الانتقالية الموكلة بالحكومة،
منذ الإطاحة بالرئيس عمر البشير.
وبهذا الصدد، يشير الكاتب السوداني ياسر محجوب
الحسين إلى أن "التشكيل الوزاري ليس جديدا بالكامل، في ظل احتفاظ رئيس
الحكومة عبد الله حمدوك بمنصبه، إلى جانب خمسة وزراء آخرين"، مضيفا أن
"البرامج والسياسيات المرتبطة بخبرة ومنهجية رئيس الوزراء لم تتغير".
وتابع الحسين في حديثه لـ"عربي21":
"لا يبدو هذا التشكيل قادرا على العبور بفترة الانتقال السياسي الهشة
أصلا"، مؤكدا أنه "لولا الفشل الذي غاصت فيه حكومة حمدوك السابقة، لما
تطلع الناس إلى تغيير كامل للطاقم الجديد بما في ذلك رئيس الوزراء".
اقرأ أيضا: الحكومة السودانية تؤدي اليمين الدستورية.. وترحيب أوروبي
وأوضح أن "حمدوك قاد وزارته السابقة دون برنامج
وسياسات واضحة وفق فترة زمنية محددة، واتسم بالتردد والبطء في اتحاذ القرار
المناسب والتعاطي السريع مع المشكلات والأزمات"، مشيرا إلى أن "الحكومة
ظلت عرجاء لأكثر من ستة شهور، بعد استقالة سبعة وزراء في تموز/ يوليو الماضي،
ومنهم وزراء الخارجية والمالية والصحة والطاقة".
وحول التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة، قال
الحسين؛ إن "الوضع الاقتصادي المتردي بسبب فشل الحكومة السابقة، يبقى على رأس
التحديات"، إلى جانب المخاطر السياسية التي تهدد الحكومة.
وأشار إلى أن الحكومة تتسلم مهامها "ومخزون
البلاد الاستراتيجي من القمح عبارة عن صفر، وبلغ معدل التضخم 254 بالمئة في كانون
الأول/ ديسمبر الماضي، وهو من أعلى المعدلات بالعالم، وانخفض الجنيه السوداني بشكل
كبير في السوق الموازية، ووصل إلى 400 جنيها للدولار الواحد".
أعباء مالية إضافية
وشدد الحسين على أنه رغم سوء الأوضاع الاقتصادية،
فإن التشكيل الجديد يحمل أعباء مالية إضافية، في ظل ارتفاع عدد الوزارات من 18 إلى
26 وزارة، معتبرا أن هذا الارتفاع يعود بشكل أساسي إلى "المحاصصة والإرضاء
الحزبي".
ولفت إلى أن الحكومة الجديدة أمام تحدي تطبيق اتفاق
السلام مع الحركات المسلحة، الذي على أساسه جاء التشكيل الجديد، مبينا أن
"تكلفة الاتفاق تصل إلى أكثر من 7 مليارات دولار، وربما كان منح وزارة
المالية في التشكيل الجديد، نوع من الهروب من الاستحقاق، وتحميلها فشل توفير
المبلغ المطلوب، فضلا عن تجريد الوزارة من ملف التعاون الدولي".
وأردف قائلا: "الحكومة أمامها تحدي تشكيل
المجلس التشريعي، وهو برلمان معين، وفشلت الحكومة السابقة مع حلفائها العسكريين في
إنجاز هذه المهمة"، مشيرا إلى أنه "من التحديات التي لا يتم ذكرها، الشروع
في الإعداد لانتخابات عامة، تنهي الفترة الانتقالية، ليصار إلى وضع سياسي جديد،
يضمن قيام دولة القانون والمؤسسات".
من جانبه، وصف المحلل السوداني عثمان ميرغني التشكيل
الوزاري بأنه "امتحان للحكومة والحركات المسلحة"، موضحا أنه "بعد
أكثر من عامين على الثورة، تبرز مخاوف من أن الأمور لو سارت بهذه الوتيرة من
التجاذبات، فإن الجهات التي تسعى لوأد الثورة ومنع وصولها إلى صندوق الانتخابات،
قد تنجح في مراميها".
اقرأ أيضا: السودان يعلن تشكيلا وزاريا جديدا باستثناء وزير واحد (شاهد)
وأشار ميرغني في مقال اطلعت عليه "عربي21"
إلى أن الناس كانت تطالب حكومة تكنوقراط من الكفاءات غير المنتمية حزبيا، لتولي
زمام الأمور خلال الفترة الانتقالية، لكن الصراعات بين قوى الثورة المختلفة، أدت
إلى تشتيتها وفتحت المجال أمام من يريدون وضع العصى في الطريق، ما أدى إلى إفشال
جهود الحكومة في معالجة العديد من الملفات الأساسية.
وذكر أن انضمام عدد من الحركات المسلحة إلى الحكومة
الانتقالية، بعث أجواء من التفاؤل، لكن هذه المشاعر غلب عليها الاستياء والإحباط،
بعد البداية "غير المبشرة" لتسلم الحكومة لمهامها، تزامنا مع تصاعد تذمر
الناس من تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية والأمنية.
حكومة محاصصة
وأكد ميرغني أنه "بدا واضحا للناس أنها حكومة
محاصصة بين بضعة أحزاب والحركات المسلحة، وأنها ستفتقد الانسجام، وستعاني من تباين
الحسابات"، معتقدا أن "بعض الوزراء لا يستند إلى شرعية الثورة بقدر ما
يستند إلى قوة السلاح، وآخرين لا يرون في الثورة أصلا سوى مطية لتحقيق طموحاتهم
الشخصية أو السياسية"، بحسب تعبيره.
ورأى ميرغني أن "اللهجة المستندة إلى قوة
السلاح توضح أن الحكومة سائرة حتما إلى ورطات وأزمات، وأخشى أن تجر السودان في
طريق محفوف بالمطبات والمخاطر"، مبينا أن "الحركات المسلحة ترى أنها
تستطيع أن تفرض مرشحيها، ولا تقبل المساءلة في خياراتها".
وتابع: "تحسب أيضا أن بمقدورها أن تملي
سياساتها، وترفض إن أرادت، تنفيذ إرادة رئيس الوزراء، الذي ترى أنه لا يستطيع أن
يملي عليها شيئا"، معتبرا أن السلام "لا يتحقق بالمحاصصة".
وشدد ميرغني على أن "حل مشاكل التنمية وقضايا
التهميش، وتحقيق التوزيع العادل للثروة، لا يتم بتوزيع بضعة مناصب وزارية لهذه
الجهة أو تلك"، مضيفا أن "هذه الأمور تجعل الحكومة الجديدة أمام المحك،
لا سيما في ظل الأزمة الاقتصادية والمعيشية والأمنية".
وتوقع أن تواجه الحكومة الجديدة "مطبات"
أكثر من سابقتها، وربما يكون الشد والجذب بين مكونات السلطة أشد، موضحا أن
"الصيغة التي جاءت بهذه الحكومة أدت أيضا إلى عسكرة مجلس السيادة، بمعنى أن
الأغلبية فيه باتت للعسكريين، بعد دخول ثلاثة أعضاء جدد يمثلون الحركات
المسلحة".
وختم بقوله: "تقديري أنه لا مخرج للسودان إلا
بالتوجه نحو انتخابات مبكرة تحسم الخلافات، التي أضاعت وقتا ثمينا، وجعلت الأمور
تسوء بدل أن تتحسن".