الرياض ومعركة البحر الأحمر الخاسرة

لم تمضِ ساعات قليلة على إعلان وزارة الدفاع الأمريكية إرسال قاذفة القنابل الاستراتيجية (بي 52) إلى منطقة الخليج العربي حتى أعلن عن هجوم صاروخي مجنح استهدف حاويات نفط سعودية بالقرب من ميناء جدة القابعة على سواحل البحر الأحمر؛ هجمات لا تعد الأولى من نوعها إذ سبقتها هجمات مماثلة بصواريخ مجنحة وطائرات مسيرة استهدفت معمل تكرير بقيق النفطي وحقل خريص في أيلول (سبتمبر) من العام الماضي 2019 معطلة بذلك 5 ملايين من تدفقات براميل النفط السعودية للأسواق العالمية.

هجمات ترافقت مع أنباء غير سارة عن تراجع الصادرات النفطية السعودية في أيلول (سبتمبر) الماضي إلى 37% في حين تراجعت الصادرات غير النفطية إلى 9% عما كانت عليه في الربع الثالث من العام الماضي 2019؛ فتراجع الصاردات النفطية السعوية إلى الصين تصدر الأرقام المعلنة بـ 30% في حين أن منافستها روسيا لم تتراجع صادرتها إلى الصين بأكثر من 4% مستحوذة بذلك على حصة أكبر من السوق الصيني؛ أنباء تزيد من قتامة ظلال أزمة فيروس كورونا التي تخيم على كافة الملفات التي تتعاطى معها المملكة السعودية وعلى رأسها الحرب في اليمن والإدارة الأمريكية المستجدة التي يهيمن عليها التقدميون في أمريكا.

هجوم نقل المواجهة من الخليج العربي وبحر عمان ومضيق هرمز إلى البحر الأحمر وباب المندب بل وقناة السويس وشرق المتوسط؛ إذ تتواجد خزانات نفط سعودية تتبع لشركة أرامكو في مصر وهولندا؛ كما أن طموحات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تقبع على الضفاف الشمالية الغربية لسواحل المملكة على البحر الأحمر فيما يعرف بمشروع نيوم.

إن الهجمات الحوثية على المنشآت النفطية السعودية تثبت من جديد هشاشة التحالفات السعودية القائمة والمتوقعة مستقبلا؛ إذ لم يتولد عنها ردود فعل قوية من الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب ولا يتوقع من إدارة بايدن

رغم موجة الاستنكار الواسعة على هجمات الحوثيين في جدة والتعزيزات الأمريكية التي سبقتها في الخليج العربي؛ ورغم أخبار غير مؤكدة عن لقاءات سعودية إسرائيلية على أعلى المستويات لتخليق تحالف عسكري وسياسي لم يمتنع الحوثيون وعلى رأسهم جماعة أنصار الله من شن هجوم ثان بألغام بحرية مساء أمس الأربعاء 25 تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي مقوضين بذلك أحد أهم أركان الاقتصاد السعودي؛ فاستهداف ناقلة نفط تملكها شركة يونانية تحمل علم مالطا بالقرب من مدينة شقيق السعودية الساحلية في البحر الأحمر؛ المدينة التي تبعد 125 ميلا عن الحدود الشمالية لليمن ينقل المعركة إلى المتوسط وأوروبا بعد أن كانت الأسواق الآسيوية المستهدفة من هجمات بحر عُمان.

الهجمات الجديدة في البحر الأحمر تذكر باستهداف ناقلات النفط الإماراتية والسعودية واليابانية في بحر عُمان حزيران (يونيو) من العام الماضي 2019 ما يدفع للتساؤل ماذا وراء هذه الهجمات؛ وما هي دوافعها في وقت تنتشر فيه الشائعات بشن هجوم إسرائيلي ـ أمريكي على إيران ومعلومات تتحدث عن لقاءات سعودية إسرائيلية للتطبيع والتقارب.

الجواب يبدو بسيطا في ظاهره؛ إذ لا يتوقع أن تباشر القاذفة بي 52 بقصف مقرات وقواعد الحوثيين في اليمن للرد على الهجمات الصاروخية على المملكة السعودية؛ ومما لا شك فيه أن هذا السلاح الفتاك غير فعال في التعامل مع هذا النوع من الهجمات؛ غير أن الأهم من ذلك أنه لا يتوقع أن تقوم الفرقاطات الأمريكية في البحر الأحمر أو حاملات الطائرات الأمريكية في بحر عُمان بالتدخل لوقف هذه الهجمات أو التصدي لها في وقت تسعى فيه الإدارة الأمريكية الحالية والتي سبقتها لتخفيض حضورها العسكري وتورطها في سوريا والعراق وأفغانستان.

لن تمنع مستقبلا التحالفات غير التقليدية المتوقعة مع الكيان الإسرائيلي في وارسو والمنامة وما تلاها من وقف النزيف الاستراتيجي السعودي وتآكله؛ فطهران والحوثيون يعتاشون على هذه التحالفات الانتهازية الهشة التي تنسجها الرياض في مقابل مراوحة من الخيارات الواسعة للحوثيين وحلفائهم

فجل ما يتوقع أن تفعله الولايات المتحدة إطلاق عملية للكشف عن الألغام بالقرب من باب المندب بعد مفاوضات وتسويات وصفقات تعدها واشنطن مع الرياض والحوثيين لتطهير مياه البحر الأحمر من الألغام؛ وبإشراف أممي وبرعاية من مارتن غريفث مندوب الأمم المتحدة للسلام؛ سلوك لافت إذ أنه مغاير لما يمكن أن تتبعه الإدارة الأمريكية والكيان الإسرائيلي في سوريا والعراق للرد على تحركات المليشيا الإيرانية وحزب الله في سوريا والعراق؛ فالمعابر البحرية في الخليج العربي والبحر الأحمر ليست ملفات إسرائيلية بل دولية لا يستطيع الكيان الإسرائيلي أو أمريكا العبث بها دون دفع كلفة كبيرة اقتصاديا وعسكريا.

العملية العسكرية المتوقعة لإزالة الألغام ستتطلب أعمالا ورقية وبيروقراطية ودبلوماسية ومباحثات طويلة قبل أن تباشر القوات البحرية الأمريكية التنفيذ وبحذر شديد وبشراكة قوات من الناتو وأوروبا وروسيا والصين؛ بل إنه من الممكن أن تنضم تركيا لجهود تطهير البحر الأحمر وباب المندب من الألغام؛ ومن الممكن أن ينضم الكيان الإسرائيلي في حال وافقت الرياض والحوثيون.
 
ختاما فإن الهجمات الحوثية على المنشآت النفطية السعودية تثبت من جديد هشاشة التحالفات السعودية القائمة والمتوقعة مستقبلا؛ إذ لم يتولد عنها ردود فعل قوية من الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب ولا يتوقع من إدارة بايدن ذلك؛ فمراقبة المشهد وتعزيز الوجود العسكري بمنظومات دفاع جوي بالقرب من قواعد واشنطن في الخليج العربي بات سلوكا تقليديا لم يمنع الهجمات الصاروخية أو يوقفها على المنشآت الاقتصادية والنفطية السعودية بل بات يتغذى عليها؛ كما لن تمنع مستقبلا التحالفات غير التقليدية المتوقعة مع الكيان الإسرائيلي في وارسو والمنامة وما تلاها من وقف النزيف الاستراتيجي السعودي وتآكله؛ فطهران والحوثيون يعتاشون على هذه التحالفات الانتهازية الهشة التي تنسجها الرياض في مقابل مراوحة من الخيارات الواسعة للحوثيين وحلفائهم تمتد من الخليج العربي ومضيق هرمز إلى البحر الأحمر وباب المندب حتى شرق المتوسط مرورا بتركيا وروسيا.

hazem ayyad
@hma36