هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كشفت دراسة جديدة، أن بعض الناس -الرجال منهم على وجه الخصوص- يتوفون، لأن أجهزتهم المناعية تصطدم بنيران صديقة من داخل الجسم.
وجاء في دراسة جديدة نشرت في مجلة "العلوم"، أن نحو 10% من حوالي 1000 شخص مصابين بفيروس كورونا، أصيبوا بالتهاب رئوي حاد بسبب "أجسام مضادة" أفرزتها أجسادهم، عملت على تعطل بروتينات الجهاز المناعي الرئيسية التي تمنع تكاثر الفيروس بداخل الخلية وتدعى "الإنترفيرون".
ولم يتم العثور على الأجسام المضادة، لدى الأشخاص الذين يعانون من عدوى خفيفة بفيروس كورونا، أو الأشخاص المصابين بدون أعراض.
وقال الدكتور إريك توبول نائب الرئيس التنفيذي للأبحاث في Scripps Research والذي لم يشارك في التجربة الجديدة: "هذه أحد أهم الأشياء التي تعلمناها عن الجهاز المناعي منذ بداية الوباء، إنه اكتشاف مذهل".
وفي دراسة علمية ثانية قام بها نفس الفريق، وجد المؤلفون أن 3.5% من المرضى المصابين بأعراض خطيرة من فيروس كورونا، لديهم طفرات في الجينات التي تتحكم في "الإنترفيرون" التي تشارك في مكافحة الفيروسات.
وقال تشيان تشانغ المؤلف الرئيسي للدراسة، إنه بالنظر إلى أن الجسم يحتوي على 500 إلى 600 من هذه الجينات، فمن المحتمل أن يجد الباحثون المزيد من الطفرات.
وأضاف تشانغ أن "الإنترفيرونات"، مهمة بشكل خاص لحماية الجسم من الفيروسات الجديدة التي لم يصادفها الجسم أبداً.
وقالت عالمة الفيروسات أنجيلا راسموسن، إن الإنتروفيرونات هي بمثابة خط دفاع الجسم الأول ضد العدوى وإن "الإنترفيرونات هي بمثابة إنذار الحريق ونظام الرش".
وتظهر الدراسات المعملية أن الإنترفيرونات لدى بعض الأشخاص المصابين بفيروس كورونا يتم قمعها، ربما عن طريق الفيروس نفسه.
وقال تشانغ عند إصابة الشخص بفيروس كورونا المستجد فإن "الجسم يجب أن يطلق إنذارات الخطر، إذا لم يقم بذلك فقد تنتشر الفيروسات بأعداد كبيرة لدى المصاب وفي كل مكان".
وقالت صبرا كلاين أستاذة علم الأحياء الدقيقة في جونز هوبكنز، إن العلماء يعرفون منذ فترة طويلة أن الفيروسات والجهاز المناعي يتنافسان للتسلح، حيث تطور الفيروسات طرقا لتفادي جهاز المناعة وقمع استجابته.
وعادة ما تكون الأجسام المضادة هي أبطال جهاز المناعة، حيث تدافع عن الجسم ضد الفيروسات والتهديدات الأخرى.
لكن في بعض الأحيان، يرتبك الجهاز المناعي ويخلق أجساماً مضادة ذاتية وتعرف هذه الظاهرة باسم مرض المناعة الذاتية.
وعلى الرغم من أن الأطباء لا يعرفون الأسباب الدقيقة لأمراض المناعة الذاتية، إلا أنهم لاحظوا أن هذه الحالات تحدث غالباً بعد الإصابة بعدوى فيروسية، وتعد أمراض المناعة الذاتية أكثر شيوعاً مع تقدم العمر.
وفي اكتشاف غير متوقع، كان حوالي 12.5% من الرجال المصابين بإلتهاب رئوي حاد نتيجة فيروس كورونا، لديهم أجسام مضادة ذاتية ضد الإنترفيرون مقارنة بـ 2.6% من النساء، وقالت كلاين إن هذا كان غير متوقع بالنظر إلى أن أمراض المناعة الذاتية أكثر شيوعاً بين النساء.
وأضافت أن الدراسة قد تساعد في تفسير سبب تعرض الرجال لأعراض خطيرة من فيروس كورونا، وأحياناً إلى الموت؛ "الكثير من الرجال يموتون في الثلاثينيات من العمر، وليس في الثمانينيات فقط".
ولاحظ أكيكو إيواساكي أستاذ علم الأحياء المناعي في جامعة ييل، أن العديد من الجينات المشاركة في استجابة الجهاز المناعي للفيروسات موجودة على كروموسوم X. ولدى النساء نسختان من هذا الكروموسوم على كل جين، أما الرجال فلديهم نسخة واحدة فقط من الكروموسوم. وبالتالي فإنه إذا حدث أي تلف أو خلل على كروموسوم X، فإنه ليس لديهم نسخة أخرى من هذا الجين لتصحيح المشكلة.
وفي بداية الوباء، كافح العلماء لشرح أسباب ارتفاع مخاطر دخول الرجال إلى المستشفى والوفاة بفيروس كورونا، وتوقعوا أن الرجال يعانون بشكل أكبر لأنهم أكثر عرضة للتدخين من النساء في الصين.
لكن سرعان ما لاحظ الباحثون أن الرجال في إسبانيا أيضاً كانوا أكثر عرضة للوفاة بفيروس كورونا على الرغم من أن الرجال والنساء في إسبانيا يدخنون بنفس المعدل تقريباً. لكن الاختلافات السلوكية بين الرجال والنساء لا تقدم سوى جزء بسيط من الإجابة.
ويقول العلماء إنه من المحتمل أن هرمون الإستروجين يحمي النساء بطريقة ما، بينما يعرض التستوستيرون الرجال لخطر أكبر. ومع ذلك فإن النساء لديهن شكل خاص من المعاناة من فيروس كورونا.
وتشير الدراسات إلى أن النساء أكثر عرضة بأربع مرات لأن يصبن بأعراض طويلة الأمد، والتي تستمر لأسابيع أو أشهر، بما في ذلك التعب والضعف ونوع من الارتباك العقلي يدعى "الضباب العقلي".
ويقول العلماء إن الدراسة الجديدة تحل جزءاً بسيطاً من لغز سبب اختلاف نتائج المرضى بشكل كبير.
ويقول الباحثون إنه من الممكن أن يكون بعض المرضى محميين بالتعرض سابقاً لفيروسات كورونا الأخرى.
كما أن بعض المرضى الذين يصابون بأعراض شديدة قد يكونون قد استنشقوا جرعات أعلى من الفيروس، مثل التعرض المتكرر لزملاء العمل المصابين.
وقال بول باستارد المؤلف الرئيسي لدراسة الأجسام المضادة، إن فحص المرضى للأجسام المضادة ضد الإنترفيرون يمكن أن يساعد في التنبؤ بالمرضى الأكثر عرضة للإصابة بأعراض شديدة.
وأضاف أنه يأمل في أن تؤدي النتائج التي توصل إليها إلى علاجات جديدة تنقذ الأرواح.