هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ما أن اندلعت الاشتباكات بين أذربيجان وأرمينيا نهاية الشهر الماضي، حتى سارعت الإمارات والسعودية إلى استغلال النزاع لفتح جبهة جديدة لمهاجمة تركيا. بدا ذلك بشكل واضح من خلال التغطية الإعلاميّة للنزاع فضلاً عن الرسائل السياسية التي حملتها هذه التغطية. تستند تحرّكات كلا البلدين غالباً إلى سياسة النكايات ومحاولة التزلّف للقوى الكبرى.
وبالرغم من أنّ السعودية لا تقيم علاقات دبلوماسية مع أرمينيا، إلاّ أنّها عمدت مؤخراً إلى مد جسور التواصل معها للإضرار بتركيا. في العام ٢٠١٨، هنّأ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أرمينيا باستقلالها. وفي العام التالي، قام سفير السعودية في لبنان بزيارة نصب المذبحة الأرمنية المزعومة. رسمياً حثت السعودية الطرفين على وقف إطلاق النار، وحل النزاع بالطرق السلمية وفقا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، لكن عملياً كانت قناة العربية من أوائل القنوات التي استضافت رئيس الوزراء الأرميني حيث شنّ نيكول باشنيان من خلالها هجوماً حاداً ضد تركيا وأذربيجان وانتقدهما بشدّة.
الصحافة السعودية هاجمت تركيا واتهمتها بالبلطجة والوقوف وراء اندلاع النزاع. علاوةً على ذلك، تحدّثت هذه الصحافة بصفاقة عمّا أسمته مذابح العثمانيين واتهمت أنقرة بممارسة التخريب في المنطقة مفسّرة ذلك بأنّه انعكاس لأطماع توسّعية لتركيا تتجاوز المنطقة إلى القوقاز.
أمّا بالنسبة إلى الإمارات، فعلاقتها مع أرمينيا أكثر عمقاً وصلابة سياسيا واقتصادياً وأمنياً من علاقات السعودية مع الأخيرة. ففي شهر نيسان (أبريل) الماضي، أرسلت أبوظبي مساعدات إلى أرمينيا لمساعدتها على مكافحة فيروس كوفيد١٩. خلال السنوات الأخيرة، حاولت أبوظبي أن تجد لها موطئ قدم في القوقاز من خلال علاقات أقوى مع أرمينيا، فعقدت معها العديد من الاتفاقات كما حاولت أن تستثمر في بعض القطاعات الاقتصادية والصناعات الدفاعية.
رسمياً حثت السعودية الطرفين على وقف إطلاق النار، وحل النزاع بالطرق السلمية وفقا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، لكن عملياً كانت قناة العربية من أوائل القنوات التي استضافت رئيس الوزراء الأرميني حيث شنّ نيكول باشنيان من خلالها هجوماً حاداً ضد تركيا وأذربيجان وانتقدهما بشدّة.
وفقاً للكاتب الأرميني جورج مينيشيان، فإنّ الحافز الأوّل للتقارب الإماراتي-الأرمني هو إقامة تحالف معاد لتركيا، حيث تساعد يريفان أبوظبي في تمدّد محورها المضاد لأنقرة في الإقليم. الغريب أنّ الكاتب الأرمني الذي نشر مقاله على موقع إماراتي اعترف بأنّه وفي إطار تلاقي الطرفين، أرسلت أرمينيا عسكريين إلى سوريا لدعم العمليات الروسية قبل أن يقول إنّهم لم يكونوا مخصّصين للقتال، فيما أرسلت الإمارات دعماً للمليشيات الكردية.
الإمارات دعمت كذلك موقف كل من أرمينيا واليونان وقبرص لعرقلة تولّي السفير التركي فولكان بوزكير منصب رئيس الدورة ٧٥ للجمعية العامة للأمم المتّحدة في حزيران (يونيو) الماضي. مع اندلاع النزاع العسكري نهاية الشهر الماضي، استضافت قناة سكاي نيوز الرئيس الأرمني ليتّهم من خلالها أذربيجان بافتعال حرب ولينتقد الموقف التركي في الوقت الذي تحتل فيه بلده ٢٠٪ من أراضي أذربيجان!
المثير للسخرية في الأمر، أنّ موقف السعودية والإمارات يلتقي مرة أخرى مع موقف إيران مع أرمينيا ضد تركيا. المتابع للتصريحات الرسمية الإيرانية يستطيع أن يرى أنّها تبدو متوازنة في الوقت الذي تعتبر فيه طهران عملياً واحدة من أقوى حلفاء أرمينيا في المنطقة. وللمفارقة، فإنّ التقاء المواقف بين الإمارات والسعودية وإيران ضد تركيا ليس الأوّل من نوعه وقد ظهر بشكل واضح مؤخراً في سوريا وفي العراق وليبيا ولبنان. وفي إطار التلاقي في المواقف أيضاً، يمكن ملاحظة أنّ الموقف الإماراتي-السعودي يلتقي مع فرنسا ضد تركيا سواء في ما يتعلق بالنزاع الأذربيجاني-الأرميني أو النزاع داخل ليبيا أو النزاع شرق المتوسط مع اليونان وقبرص.
وإذا ما أردنا قراءة الموقف الإماراتي-السعودي من زاوية أوسع، يمكن ملاحظة أنّ أبوظبي والرياض تهاجمان الفلسطينيين مؤخراً لتبرير التطبيع والتقارب مع إسرائيل، ويتزامن ذلك مع تقارب مماثل لهما مع كل من نيقوسيا وأثينا ضد القبارصة الأتراك وتركيا. أمّا في شبه القارة الهنديّة، فقد تأثرت علاقة السعودية والإمارات مع باكستان سلباً بعد رفض الرياض إثارة موضوع كشمير في منظمة المؤتمر الإسلامي وانحيازها إلى جانب أبوظبي والهند ضد إسلام أباد.
المثير للسخرية في الأمر، أنّ موقف السعودية والإمارات يلتقي مرة أخرى مع موقف إيران مع أرمينيا ضد تركيا.
وفي شرق آسيا، دعمت كل من أبوظبي والرياض موقف الصين ضد أقليّة الإيغور المسلمة في وقت انتقدت فيه معظم دول العالم بما في ذلك الولايات المتّحدة سياسة الصين ضد الأقليّة المسلمة في البلاد. وفي أوروبا، وقفت الإمارات إلى جانب صربيا ضد كوسوفو ووثقت علاقاتها معها بشكل قوي في السنوات القليلة الماضية. ويمكن ملاحظة تصاعد الشراكة الإماراتية-السعودية مع فرنسا كذلك لاسيما في ما يتعلق بمحاربة الإسلاميين.
وفي وقت يحاول فيه الإسرائيليون أن يستفيدوا من الترويج لقضيتهم على أنّها قضية يهودية، يقدّم الأرمن واليونانيون أنفسهم من باب المسيحية، وتقود الهندوسية سياسة لهنود الداخلية والخارجية، لكنّنا نجد أبوظبي والرياض في حالة حرب مع القضايا الإسلامية العادلة حول العالم من شرق آسيا وحتى أمريكا لدرجة أنّه أصبح بالإمكان توقّع موقف البلدين من أي قضية إسلامية بشكل مسبق في الوقت الذي يلوم فيه المسؤولون في البلدين الدول التي تحاول ملء الفراغ والدفاع عن القضايا الإسلامية العادلة!