أخبار ثقافية

ماما لبنى: حين تورط "سمير" في مستنقع السياسة!

نتيلة راشد - غوغل
نتيلة راشد - غوغل

في يوم 19 سبتمبر سنة 1934 ولدت نُتَيلة راشد لأسرة ميسورة مثقفة. تبدو ثقافتها من تسمية ابنتها بالاسم العربي القديم "نتيلة"، الذي لا يعرف معظم المصريين اليوم أنه يعود إلى نتيلة بنت جناب، أم العباس بن عبد المطلب، عم النبي صلى الله عليه وسلم.

لم يحدثنا التاريخ كثيرا عن نشأتها، لكنها تبدو، بوضوح، سابقة لعصرها. ففي أبريل 1956 شاركت في تأسيس مجلة سمير، أول مجلة مصرية مصورة للأطفال. وظلت تعمل بها حتى غادرتها سنة 2002. وقد رحلت عن عالمنا في 26 مايو 2012.

في سنة 1966، بعد وفاة رئيسة تحرير المجلة، تولت نتيلة قيادتها لتفتتح بها عهدا مهما من العمل على خدمة قضايا الأطفال في مصر والعالم العربي. وبعد إنجاب طفلتها الوحيدة، اختارت استخدام اللقب الذي عرفت به "ماما لبنى"، بدلا من نتيلة، الذي يبدو أنها استشعرت صعوبته على الأطفال.

هكذا لم يكن احتفاء جوجل بصورتها مجرد صدفة، بل كان اعترافا بفضلها في العمل الطويل لتقديم منتج فني، مهني، لائق بالأطفال.

 


ربما من الأفضل أن نراجع بعض أعدادها القديمة لنتأمل مستوى الرسم والحكايات التي قدمتها المجلة، في ذلك العصر الباكر، حين كانت المجلات المصورة وكتب الأطفال مجرد فكرة طموحة لدى النخبة المثقفة، مثل الشابة نتيلة.

على أن محاولات تلك النخبة لم تتوقف عند ابتكار مجلة مصورة مصرية، بشخصيات مصرية تلائم الطفل المصري، بل قدمت أيضا، منذ أبريل 1958، بعض سلاسل الكوميكس العالمية بالاتفاق مع شركة ديزني، مثل تان تان وباباي وميكي، حتى قبل صدور مجلة ميكي بشكل مستقل عن دار الهلال ذاتها، فقد قام سمير بتقديم ميكي في بعض الأعداد.

وشأن البدايات، واجهت التجربة بعض العقبات لكنها تجاوزتها، فقد صمّم الرسام الفرنسي شخصيتي سمير وتهته، ثم غادر مصر فتولى العمل رسامون مصريون. وكان اسمهما في البداية: سمير الحويط وتهته العبيط، لكن بعد العدد العشرين تغير الاسمان إلى سمير وتهته، بعد أن لاحظ القائمون على المجلة أن تلاميذ المدارس يطلقون اسم "تهته العبيط" تنمرا واستخفافا فيما بينهم. ومع أن اختيار الأسماء يبدو أمرا بديهيا اليوم عند إعداد أية منتجات للأطفال، فإن الأمر لم يكن بهذا الوضوح وقتها.

قبل تأمل عدد قديم من المجلة، ينبغي أن نتوقف عند ما آلت إليه المجلة الآن، حيث تكرر إقحامها في عالم السياسة، الذي هو نقيض لكل قيم الطفولة. فبعد أن كان سمير طفلا ذكيا مفعما بالحيوية وحب الاكتشاف والمغامرة، أصبح بوقا سياسيا، يشبه أي موظف عجوز يتملق المسؤولين كي لا يحيلوه إلى المعاش. ففي سنة 2013 وما بعدها، ومع تأزم الوضع السياسي، رأينا غلافا لا يليق بمجلة أطفال أبدا، حيث يظهر سمير في نسخته الحديثة رافعا صورة المشير عبد الفتاح السيسي.

ما جعل الأمر أكثر غرابة أن السيد غالي محمد رئيس مجلس إدارة دار الهلال دافع عن ذلك في مكالمة هاتفية مع برنامج مانشيت، متسائلا ببراءة غريبة: "ما المانع فيما طلبته فالأطفال يشاركون في المؤتمرات والوقفات ويرفعون صورا للسيسي"، دون أن يدرك أن توظيف الأطفال في خلافات سياسية تراق فيها الدماء، جريمة أخلاقية مكتملة الأركان.

كما رصدت صحيفة الشروق بعض ملامح التسييس الصارخ لمجلة سمير، عدد 3 نوفمبر 2013. والحقيقة أنه يبدو مؤلما حقا، ليس فقط بسبب الإلحاح على الطرح السياسي الذي لا يعدو أن يكون تأييدا مطلقا لدولة يونيو الجديدة، بل لأن مخرجي العدد تنازلوا تماما عن أدنى معايير الجودة الفنية لإخراج العمل. مثلا اكتفى الرسامون بقص صور فوتوغرافية للسيسي أو للمتظاهرين المؤيدين له أو لدبابات الجيش، ثم وضعوها داخل لوحات مرسومة، في تنافر لوني يؤلم العين ويصدم ذوق المتلقي.

أعني أنه كان من الممكن فنيا تضفير المحتوى السياسي في الفني، مع أن ذلك لا يجوز بالطبع لما أشرت إليه من تحريم ذلك أخلاقيا، لكن يبدو أن القائمين على العمل أهملوا المكوّن الفني تماما لصالح المكون السياسي، والسياسي فقط!

ربما يمكننا مقارنة ذلك الاختيار السياسي بما فعلته المجلة في عددها التاسع والثلاثين، بعد العدوان الثلاثي على مصر، حين رسمت سمير وتهته، بطلي المجلة، رفقة ضابط جيش يدربهما على التصويب، دون رسم شخصية سياسية بعينها، ودون الوقوع في أزمة تحويل منتج فني للأطفال إلى نوع من المانيفستو السياسي الصارخ تأييدا لسلطة جديدة تقتل المتظاهرين في الشوارع ببساطة مرعبة.

وإذا تأملنا بعض الأعداد القديمة لمجلة سمير، فسوف يبدو لنا أن ماما لبنى وفريق العمل بالمجلة حرصوا منذ البداية على تقديم رؤية مصرية لمجلة سمير.

منذ الغلاف الأول للعدد الأول، نرى طفلين يرتديان الملابس التي يرتديها سائر الأطفال المصريين، ونرى شارعا مصريا، فيه بائع عرقسوس وشرطي مرور يضع يديه في وسطه كأنه مرهق من طول الوقوف تحت الشمس.

بشكل خاص، أشعر بانبهار كلما تأملت غلاف العدد الصادر يوم 6 نوفمبر سنة 1958. فهو عبارة عن لوحة بديعة لبطوط وأولاده تحت المطر. الرسمة مفعمة بالانفعالات، يعبر تقوّس جسد بطوط عن شيء من الخوف الطفولي، توازنه نظرات أولاده الشقية بعد أن تراصوا فوق أكتاف بعضهم ليكونوا ثقلا لونيا معادلا لكتلته المقوسة المأزومة، بينما يستظلون هم بجزء من ملابسه ليتفادوا قطرات المطر.

تعبّر الرسمة عن حيوية تتحدى الزمن، حتى إننا نكاد نشعر بتلك الحركة حتى اليوم، فقطرة الماء الصغيرة تنفجر على منقار بطوط وتتناثر علينا، في لفتة ذكية يثبت بها الرسام عنايته بأدق التفاصيل. كما نحس بحركة اندياح الماء على الأرض في دوائر ترتسم حول أقدامهم العريضة.

كانت المجلة أيضا ثرية بشخصياتها المتنوعة. فهناك سمير وتهته، والعبقري الصغير زيكو زكي، وصبي القهوة كراوية، بالإضافة إلى المفتش أشرف الشريف، والبواسل من أطفال الكشافة الشجعان، وجحا وبعجر، وغير ذلك من شخصيات ديزني الشهيرة، مثل بطوط وميكي. وعمل في المجلة رسامون مرموقون مثل أحمد إبراهيم حجازي وبهجت عثمان، كما ساهم في المجلة قامات أدبية مثل نجيب محفوظ وسيد حجاب وتوفيق الحكيم ويوسف السباعي.

وبالإضافة إلى قيادة ماما لبنى لتلك المسيرة الطويلة للمجلة، فقد كانت لها بصمتها الخاصة في تشجيع الأطفال على الإبداع، وذلك حين فتحت لهم باب العمل في باب "مراسل سمير"، ليتعلموا أصول العمل الصحفي والكتابة الأدبية على نحو ميسر، مناسب لقدراتهم. وكانت تنشر موضوعات الأطفال وحواراتهم محتوية على صورهم الشخصية، تشجيعا لهم، رغم صغر سنهم.

التعليقات (2)
أتا امياتىتب
الأربعاء، 27-04-2022 02:58 م
حسب الحظ
sandokan
الأربعاء، 23-09-2020 06:26 م
مجلة أطفال ساندوكان .. صداقة غريبة تجمع بين نمر حزين وفأرين .. يبدو أن الوحدة جعلت نمراً متوحشاً يكون علاقة صداقة غريبة بينه وبين فأرين صغيرين. وفي التفاصيل، فقد عاش النمر الحزين ساندوكان مع رفيقته لمدة 13 عاماً في حديقة الحيوان في مدينة جالاتي الرومانية، لكنها توفيت العام الماضي، ومنذ ذلك الوقت أصيب النمر بحالة من الاكتئاب، وعلى الرغم من محاولة العاملين بالحديقة الترفيه عنه بجلب نمرة أنثى صغيرة له، إلا أن ساندوكان لم يكف عن حزنه على رفيقة عمره، ولم يهتم بها، وظل على حاله، فجلب العاملون له فأرين صغيرين، والأمر الذي فاجأهم أن ساندوكان لم يأكل الفأرين، بل تركهما يلعبان ويتجولان معه في القفص، وأحياناً يلعبان في فرائه، ومنذ ذلك الحين نشأت صداقة غريبة بين النمر والفأرين. مثل هذه القصة قد تجعلنا نتساءل: من يحمل صفة الولاء للحبيب أكثر الإنسان أم الحيوان؟